روايات الرسائل واليوميات والمذكرات لها نكهة خاصة: من أشهرها رواية بوليانا
12 د
مقال اليوم عن روايات أخذت طابع الرسائل واليوميات ولها نكهةٌ خاصة! كأنّما هو نداء ذاكرة، أو صوتُ رائحةٍ أو مذاقُ قهوة. للرّسائل أثرٌ لا يبهتُ أبدًا، وقراءةُ كلّ مرة فيها كأوّل مرة: النزيف ذاتُه، والدهشة ذاتُها، والشعور ذاتُه ونحن نحمل الأوراق بقلوبنا، قبل أن تحملها أيدينا.
لكنّ ما يثير الاهتمام أكثر هو حقيقة أن ما كتب في هذه الأوراق الخاصّة جدًّا قد يُنشر يومًا للعيان. أيّ شرفٍ أكبر من أن يُعرّي لنا أحدهم عن جراحه في رواية؟ حقيقيًّا كان بطلها أو وهميًّا؟ وأيّ صدقٍ يمكن أن نظفر به أكبر من صدقِ ذلك الذي واجهنا بيومياته، وجعل من مشاعره كتابًا مفتوحًا مقروءًا؟ نحنُ الذين نرى من كلّ ذلك خطًّا أحمر لا يمكن للعابرين تجاوزه؟
طيّب، سين سؤالٌ آخر، يفرض نفسه عنوةً، عمّا فعله لنا أدب اليوميّاتِ والرسائل. لقد وضّح لنا بطريقة أو بأخرى المكامن الخفية من حياة الكتّاب؛ فعكس جزءًا من حياتنا، وساعدنا على مواجهتها، كنوع من العزاء والاعتبار بتجارب الآخرين. كيف عرفنا مثلًا الحب الشديد الذي حمله قيس لليلى وصبره عليه، لولا رسائله التي ضمّنها في شعره:
نظرتُ إلى ليلى فلم أملك البكا
فقلتُ ارحموا ضعفي وشدّة ما بيا – مجنون ليلى
وكيف أحطنا بما لاقاه المفكّر البوسنيّ علي عزت بيغوفيتش في سجنه، لولا يوميّاته التي هرّبها بصعوبةٍ فسمّاها “هروبي نحو الحرية”؟ وكيف اقتربنا عن كثب من نفسية غسّان كنفاني الثورية، لولا رسائله إلى غادة السّمان؟ إنّ الرسائل واليوميات بشكلٍ ما صوتٌ للحقيقة!
اقرأ أيضًا:
روايات الرسائل واليوميات كمّ هائل من المشاعر
إن الكمّ الهائل من المشاعر اليومية المتناقضة التي تدور بخاطرنا يوميًّا هو بشكل أو بآخر مجموعة من الرسائل التي ظلّت طريقها، فعادت إلينا. نحن في النهاية، نكتبها لنعبر عنَّا حتى وإن تقطعت بنا السّبل وتعذر علينا إرسالها، تمامًا مثلما نكتب اليوميات ونستودعها أسرارنا. تنتظركم فيما يلي باقةٌ من رواياتٍ طريفة، قويّةٍ، فيها كسرٌ، وفيها سعادة، وفيها جرأةٌ وفيها رتابة، فهي روايات أخذت طابع الرسائل واليوميات والمذكرات.
بوليانا – إليانور وبرتر
- كاتبة الرواية: إليانور بورتر – Eleanor Porter
- تاريخ النشر الأصليّ: 1913
- عدد الصفحات: 590 صفحة
- الناشر الأصلي: L.C Page & Company
- دار نشر النسخة العربية: منشورات تكوين
- المترجم: بثينة الإبراهيم
- تقييم جود ريدز: 4
- تقييم أمازون: 4.5
ماذا يريد المرء أكثر من أن يبدأ ترشيحاته عن روايات الرسائل واليوميات برواية مفعمةٍ بالسّعادة؟ بوليانا للكاتبة الأمريكية إليانور بورتر- Eleanor Porter تؤدي غرض ذلك، وبجدارة. الرواية للأمانة، كتبتها صاحبتها خصيصًّا للأطفال. لكن، ما الذي يمنع الكبار من قراءتها؟ بل ما الذي يمنع الكبار من قراءة أدب الأطفال بشكلٍ عام، إن كان ما يبثّ فيه من أخلاق وقيم ومبادئ هو ما نحتاجه في زمنٍ طغت عليه الماديّة وغابت الأخلاق؟
بوليانا تجسيد للطفل السّعيد الكامن في كلّ واحد منّا، كثيرةُ الكلام، متحمّسةٌ، مندفعةٌ، شبيهةٌ إلى حدٍّ ما بآن شيرلي، صاحبة الشعر الأحمر التي تبدي رأيها بعناية في كلّ شيء، وتصرّ على تذكير الآخرين بأنّ اسمها ينتهي بالحرف E. تذكرني بأيامٍ كنت فيها لا أكف عن الثرثرة والأسئلة، وكان فيها أبي المُجيب الدائم والمنصت الدائم.
تحكي الرواية يوميات بوليانا ويتر الفتاة اليتيمة التي تنتقل إلى العيش مع خالتها الثرية، كثيرة الصّمت في فيرمونت – Vermont. لكم أن تتخيّلوا الجوّ الكئيب الذي يخيّم على منازل هذا النوع من الناس، والقوانين المجنونة الصّارمة التي يفرضونها على أهل البيت في شكلياتٍ معقّدةٍ هي أبعد ما تكون عن العفوية. بوليانا كانت الاستثناء، لتعلمنا أن نكون نحن بدورنا الاستثناء أيضًا.
لقد نجحت في إصابة الجميع بعدوى السّعادة، وحولت الأجواء الروتينية والسوداوية إلى مرح وبهجة لا تنتهي، بطرائفها وحكاياتها ونظرتها الطفولية البريئة للحياة، وفي كلّ موقف حزين أو سيّئ كانت تتذكر كلمات والدها المحفّزة على لعب “لعبة السّعادة”.
لاقت الرواية رواجًا واسعًا كأحد أشهر روايات الرسائل واليوميات والمذكرات، وبيعت منها فور صدورها سنة 1913 مليون نسخة، كما أنتجت سلسلة أنمي مشهورة مقتبسة منه في سنة 1986. وأُقيم تمثال لبوليانا في مقاطعة نيوهامسفر – New Hamsphire كرمز للسّعادة والإيجابية.
معظمنا يملك قاموس أكسفورد على الأرجح، أليس كذلك؟ ابحثوا عن الحرف P في القاموس، ستجدون بعدها اسم Polyanna. لقد أدرج هذا الأخير في أكسفورد مؤديًّا معنى: “الشخص المبتهج دائمًا، والذي يتأمّل حدوث الأشياء الجيّدة فقط”.
إذا كنت تريد أن تتصالح مع ذاتك وطفولتك، فاقرأ بوليانا!
ثمّة شيءٌ في كلّ شيءٍ يُمكن أن يسعدكَ، إن واصلتَ البحث للعثور عليه. – رواية بوليانا لإليانور بورتر.
اقرأ أيضًا:
- نظام خارجي هدوء داخلي: لماذا نقرأ كتب مساعدة الذات؟
فتاة البرتقال – جوستاين غار
- كاتب الرواية: جوستاين غاردر – Jostein Gaarder
- تاريخ النشر الأصلي: 2003
- لغة النشر الأصلية: النرويجية
- اللغات الأخرى المترجمة: الانجليزية، الألمانية، التركية، الروسية، الفارسية، العربية والعديد من اللغات الأخرى.
- دار نشر النسخة العربية: دار المنى
- تاريخ النشر: 2013
- المترجم: مدني قصري
- عدد الصفحات: 200
- تقييم جودريدز: 3.91
- تقييم أمازون: 4.4
كيف يمكن لرواية كتبها جوستاين غاردر – Jostein Gaarder ألّا تكون استثنائية؟ ذلك الروائي النرويجيّ الذي نجح بطريقة مبدعة في أن يروي لنا تاريخ الفلسفة بكل تعقيداته على شكل “عالم صوفي“ السّلس، الممتع، سهل الاستساغة؛ ثمّ عاد بالأسئلة الوجودية ذاتها في رواية “فتاة البرتقال” لتكون استكمالًا للأولى وإبحارًا في محاولاتِ البحث عن الإجابة.
هل الرواية يوميّاتٌ أم رسائل؟ لنقل أنّها بنيت على رسالة، كتبها الطبيب جون أولاف إلى ابنه جورج قبل وفاته، ليشكّل من خلالها جسرًا واصلًا بين جيلين مختلفين. جورج الذي لم يعرف والده إلّا من خلال كلمات الرّسالة، يستهلّ الرواية قائلًا:
حين توفي والدي قبل أربعة عشر عامًا، لم يكن عمري سوى أربعة أعوام، ولم أظُنّ يومًا بأنّ أخباره ستُطالعني من جديد.
تدور فحوى الرسالة حول والد جورج وقصة حبه مع فتاةٍ ألحقها بالبرتقال، لأنها كانت تحمله في أول لقاء بينهما. قد يبدو هذا الأمر عاديًّا، ومكرّرًا أليس كذلك؟ من منّا لم يعش قصة حبٍّ في حياته؟ ولو لمدّة قصيرة؟ لكن يبدو أن جوستاين قد عاهد نفسه على ألّا يكتب إلا ما يثير دهشة القارئ وذهوله؛ إذ كان ينتقل بطريقة ساحرة بين المعاني والتساؤلات، ويربط الأحداث بعضها ببعض بتناسق عجيب. لم تخلُ طريقة سرده من الرمزيات، كرمزية البرتقال لمدينة إشبيلية الإسبانية أين تدرس الفتاة، كما لم تخلُ من حبكاتٍ مختلفة تعكس الأسرار والخبايا التي أراد إيصالها عبر الرسالة.
كم من مرّة تمنيت لو عشتُ قبل اختراع جدول الضرب، أو على الأقلّ قبل ميلاد الفيزياء والكيمياء المعاصرة؛ أي قبل أن يصيبنا الغرور بأنّنا فهمنا كلّ شيء عن هذا العالم المفتون الحقيقيّ. – اقتباس من الرّواية.
تساؤلاتٌ كثيرة يطرحها صاحبنا، وتجمع بينها نقطة مشتركة واحدة: البحث عن المعرفة. كأنّه أراد بذلك أن يؤكد على قول كارل ياسبرس بأنّ جوهر الفلسفة هو البحث عن الحقيقة، وكأنّه أراد أن يعكس بطريقة أو بأخرى نظرته للكون، والمحاولات اللانهائية الجادة في فهمه، من خلال طرح مفاهيم الفناء، والوجود، والمُثل العليا التي يجب على المرء أن يحيا من أجلها، ليُكسِبَ لوجوده معنًى، وليجعل من وجوده على الأرضِ مُستحقًّا. بل إنّه ينتقل إلى أبعد من ذلك، ويجعل من الأسرة تجسيدًا حيًّا مصغَّرا للكون، ومنها منطلق البداية في فهمه.
لم يكن أي شيء عاديًّا في هذه الرواية: لا قصّة الحب، ولا طريقة الطرّح، ولا الأسئلة العميقة الكثيرة!
اقرأ أيضًا:
صاحب الظل الطويل – جين ويبستر
- كاتبة الرواية: جين ويبستر – Jean Webster
- تاريخ النشر الأصلي: 1913
- لغة النشر الأصلية: الانجليزية
- الناشر الأصلي: Grossets & Dunlap Publishers
- اللغات الأخرى المترجمة: الانجليزية، الفارسية، العربية، الفرنسية، الإسبانية، الألمانية، الهندية وعشرات اللغات الأخرى.
- دار نشر النسخة العربية: المشروع القومي للترجمة، منشورات تكوين
- تاريخ النشر: 2009 (المشروع القومي للترجمة)، 2018 (منشورات تكوين)
- المترجم: سمير محفوظ بشير (المشروع القومي للترجمة)، بثينة الإبراهيم (منشورات تكوين)
- عدد الصفحات: 233
- تقييم جودريدز: 4.15
- تقييم أمازون: 4.5
أنا ممتنةٌ لجودي آبوت! ممتنة لها بحجم السّماء والأرض لأنها علمتني كيف أخطّ الرسائل للغرباء، وأحكي لهم باستفاضة عن كلّ ما يجري معي. لكني ممتنة أكثر لصاحبتها ويبستر كاتبة رواية صاحب الظل الطويل، والتي من خلالها صار فعل التراسل عند الكثيرين منّا أسلوب حياة.
جودي آبوت تلك اليتيمة التي تحصلت على منحة دراسية من سيّد ثريّ ومجهول، اشترط عليها مقابل ذلك أن تصبح كاتبة متمرسة وأن تواكبه بكل ما يحدث معها عبر الرسائل، مرة كلّ أسبوع، وهي لا تعرف عنه شيئًا سوى ظله الطويل، فأطلقت عليه اللقب.
تأخذنا الرسائل إلى عالم جودي المختلف بكلّ تفاصيله الدقيقة؛ ماذا اشترت؟ وبمن التقت؟ وكيف تشعر في هذه اللحظة وتلك؟ وتقربنا عن كثب إلى تطور طريقة تفكير هذه الفتاة شيئًا فشيئًا، إلى براءتها، وطيبتها، ونظرتها للحياة السّاذجة حينًا، الحاذقة حينًا آخر.
إنّ جودي آبوت مرآة لكلّ واحد منّا، هي نسختنا المُحمّلة بالسّعي، والطموح، والنهوض عقب كلّ سقوط. هي محاولاتنا الحثيثة في تلمّس الأمان الذي نفقده عند الآخرين، والبحث عن أنفسنا في أعينهم، من خلال مشاعرها المتباينة نحو السّيد “صاحب الظل الطويل” الذي تراه أبًا حنونًا تارةً، وحبيبًا تارةً أخرى، وصديقًا أحيانا. جودي مثال رائعٌ للأوفياء الذين لا ينسون لذوي الفضل فضلهم أبدًا، ويبذلون كلّ ما عندهم في سبيل ذلك الامتنان: رسائل جودي مدرسة من القيم والأخلاق.
لقد اكتشفتُ السرّ الحقيقيّ للسّعادة، ويكمن هذا في أن تعيش اللّحظة، وألَّا تتحسّر على الماضي على الدَّوام، أو تفكّر في المستقبل؛ بل أن تَحْصُل على أكبر قدرٍ من هذه اللّحظة. – مقتطفٌ من رسالة جودي آبوت إلى صاحب الظلّ الطويل.
عدوي اللّدود – جين ويبستر
- كاتبة الرواية: جين ويبستر – Jean Webster
- تاريخ النشر الأصلي: 1915
- لغة النشر الأصلية: اللغة الانجليزية
- دار نشر النسخة العربية: منشورات تكوين
- تاريخ النشر: 2018
- المترجم: بثينة الإبراهيم
- عدد الصفحات: 365
- تقييم جودريدز: 3.92
- تقييم أمازون: 4.3
جين ويبستر مرة أخرى؟ هي ذاتُها مرة أخرى، مع رواية جديدة ضمن أدب الرسائل. رواية عدوي اللدود التي حقّقت نجاحًا باهرًا عقب صدورها بسنة واحدة فقط، وصُنفت ضمن الكتب الأكثر مبيعًا في نيويورك سنة 1916 هي حلّ بديل مثاليّ لكلّ من تعلّق بأجواء سابقتها “صاحب الظلّ الطويل”.
لكن، يبدو بأنّ جين أرادت هذه المرة أن تضفي إلى الأحداث شيئًا من الجدّ والنضوج؛ كبرت الشخصيات وتغيّرت أهداف القصّة ومعالمها. الحديثُ عن سالي مكبرايد، صديقة جودي آبوت المقربة والتي عُيّنت وللمفارقة مديرةً لميتم جون غرير، المكان ذاتُه الذي ترعرعت فيه جودي، وتقوم الرواية فيها على مجموعة من الرسائل التي ترسلها سالي إلى أشخاص عديدين أبرزهم صدبقتها جودي.
الرواية عبارة عن قفزة انتقالية فريدة من نوعها، سواء في الحبكة، أو نمط العيش، أو ظروف الكتابة، أو حتى المغزى الذي تريد الكاتبة إيصاله. هناك عبور سلسٌ بين جودي اليتيمة التي تسلقت في هرم المجد وتحسّنت أوضاعها المادية، وبين سالي المتعودة على حياة الرفاهية والتي اختارت أن تدير الميتم وتغيّر عاداته السيّئة فتعيد إليه الحياة.
وهناك اختلافٌ بين شخصية سالي السّابقة المرهفة والحسّاسة جدًّا، وشخصيتها القوية، المستقلة بعد توليها المسؤولية. وهناك انتقال في وضع الميتم الحرج جدًّا من جحيمٍ للأيتام إلى جنة لهم بفضل طيبة سالي وحنكتها، وحسن إدارتها. وهناك تطوّر في رسالة الرواية، من المطالبة بحقوق الفتيات في الدراسة، تزامنًا مع ظهور الحركات النسوية في مطلع القرن العشرين، إلى المطالبة بتمكين النساء وتعزيز وضعهنّ وحقّهن في اتخاذ القرار.
وَعت باكرًا أنّ العالم لا يدين لها بشيء، وأنّ عليها أن تسعى جاهدةً للحُصولِ على ما تُريدُ وتظلّ محتفظةً باستقامتِها. – اقتباس من رواية عدوي اللّدود، ترجمة: بثينة الإبراهيم.
الرواية نداءٌ نحو التغيير، والمضيّ إلى الأمام دونما التفات، إنّها تشجيع على التطور الدائم، والنموّ الدائم، والأهمية البالغة لأن يترك المرء أثرًا أينما كان نطاق تواجده. رغم ذلك، لم تخلُ الرواية من النقد بسبب تضمّنها لنقاشاتٍ تخصّ سياسة تحسين النسل – eugenics من خلال تخيّر الصفات الأمثل أثناء التكاثر والقضاء على الأطفال المعوقين أو المشوهين، مع أنّ ذلك كان مستحسنًا في فترة كتابة الرواية، لكنه لاقى رفضًا من طرف النقاد خاصةً مع ارتباط هذه السّياسة بجرائم النازية وفكرة سيادة العرق الآري وإبادة الأقليات العرقية.
رواية صاحب الظل الطويل وجزئها الثاني عدوي اللدود: رحلة حياة نتتبعها عبر الرسائل
كاري – ستيفن كينغ
- كاتب الرواية: ستيفن كينغ – Stephan King
- تاريخ النشر الأصلي: 5 أفريل 1974
- لغة النشر الأصلية: اللغة الانجليزية
- الناشر الأصلي: Doubleday
- عدد الصفحات: 199
- نوع الرواية: أدب الرعب
- تقييم جودريدز: 3.97
- تقييم أمازون: 4.7
دعونا الآن نغير اتجاه السفينة قليلًا، ونختم مقالنا بأدب الرّعب: كم من المرّات التي رفعنا فيها التحدّي في وجه شخصٍ ما ونجحنا في ذلك؟ رواية كاري للكاتب ستيفن كينغ التي كتبت على هيئة روايات الـ epistolary أي روايات الرسائل واليوميات والمذكّرات جاءت كنوع من الرّد على امرأة تتهمه بالقصور في الكتابة عن النساء.
وهي أول رواية منشورة لعميد أدب الرّعب بلا منازع وقد أثارت فور صدورها سنة 1974 جدلًا واسعًا وحققّت شهرةً بالغة رغم منعها عن المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي بسبب ما تضمّنته من رعب وعنف وإساءة للدّين.
المميز في كتابات ستيفن كينغ هو أن أسلوبه في الوصف وسرد الأحداث بإمكانه أن يجعل الرعب يتسلّل إلى قلبك: نعم بهذه البساطة، سترعبك حزمة من الأوراق التي لن تكترث لها في بداية مشوارك في القراءة.
وكذلك هي رواية كاري التي تحكي قصة الطفلة “كاري وايت” ذاتُ الستة عشر ربيعًا، والتي تعاني من التنمر من طرف زميلاتها في الثانوية بسبب انغلاقها ونظرتها المحدودة جدًّا للحياة. معاناة كاري نبعت أساسًا من أمها التي كانت تتسم بالتزمت، والالتزام الدينيّ الشديد بطريقة تمنعها من الحديث مع ابنتها حتى في أبسط تفاصيل بلوغها. تكتشف كاري وايت بعد ذلك تميزها بقوى التحريك الذهنيّ – telekinesis، وتسبب كوارث كبيرة في حفل التخرج.
الرواية هي أبعد من أن تكون مجرد فانتازيا هدفها رفاهية القارئ وترفه. فكرة عدم احتواء الفتاة في لحظة بلوغها، وفي أيام مراهقتها بشكل خاص وما يمكن أن ينجرّ عنه ذلك من تأثيرات وتغيرات نفسية قد تستمرّ للمدى البعيد هي في حد ذاتها نقطة محورية بنيت على أساسها أحداث الرواية.
العلاقةُ بين الأمّ وابنتها وما يمكن أن يسببه إغفالها أو قطع التواصل بينهما هي الأخرى موضوع مهمٌّ لا يُطرح كثيرًا، ولا يُعالج أصلًا، ويدفن قبل أن يتمّ البوح به في مجتمعاتنا. قضية التنمر وما يمكن أن تسببه لنفسية الطفل إن لم يتمّ احتواؤه جرى تفصيلها بعناية في الرواية.
رغم كلّ الفظاعة التي تسببها كاري للبلدة بسبب قدراتها الخارقة، إلا أنك تجد نفسك وفي لحظة من اللحظات متعاطفًا معها، وتحاول أن تتلمس لها بعض الأعذار. ستقول بأنّها اضطرت إلى فعل ذلك، وبأنّ الضغط يولد الانفجار، وستأتيك آلاف الأفكار الأخرى عن مدى صحّة أن يكون كلّ مجرمٍ ثمرة لخذلانٍ أو طفولة قاسية. لكن، الغاية لا تبرر الوسيلة مهما كان الثمن!
في الختامِ شيءٌ ما في روايات الرسائل واليوميات يُجبرك على قراءتها: شيءٌ عميق جدًّا مرتبط بك قبل أن يرتبط بأبطال الرواية، ولعلّه كذلك الصّدقُ الذي يميّز هذا الأدب عن غيره، كأنّما يفتح لنا صاحبه قلبه ويُسرّنا بكلّ أموره.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.