من هو بشار بن برد - Bashar ibn Burd
ما لا تعرفه عن بشار بن برد
بشّار بن برد العقيليّ هو شاعرٌ فارسيّ الأصل، عُرِفَ بلسانه السليط المُتعجرِف من جهةٍ وبشعرِه الجميل المُلفِت من جهةٍ أخرى، إذ اتّسمَ شعره بصورٍ وتشابيهَ عميقة استطاعت أسر كلّ من يسمعها.
السيرة الذاتية لـ بشار بن برد
بشار بن بُرد العقيلي شاعرٌ مُخضرَم عاصرَ الخلافة الأموية في نهايتها والخلافة العباسية في بدايتها، كما كانَ مُختلِط الأجناس فهو فارسيّ الأصل، إلا أنّه وُلِد وترعرع في كنفِ العربِ.
في الحقيقة لم يكُن بشار بن بُرد من الشخصيات المحبوبة في زمانه بسبب لسانه السليط وتعجرفه وكُثرة هجائه وسخريته، وعلى الرغم من قُبحِ خُلُقِه الذي تناقلته ملايين الروايات والمصادِر التاريخية إلا أنه نقلَ إرثًا شعريًا لا يُستهان بهِ.
وقد شكّل بن بُرد نقلةً نوعيةً في الشعر العربيّ بشكل عام فكان من مُجدّدي حركة الشعر العربي في العصر العباسي، وتحديدًا من ناحية الخصائص والابتعاد عن التعقيد في أغلب الأحيان.
بدايات بشار بن برد
وُلِدَ بشار بن برد العقيلي في عام 714 ميلادي في مكان قريب من مدينة البصرة الواقعة في جنوب العراق، لوالده بُرد ووالدته من بني عقيل. كان والده يعمل طيّانًا، وكان له أخين هما "بشر" و"بشير" كانا قصّابين أي يعملان في تجارة اللحوم.
كان بشار بن بُرد أعمىً منذ طفولته ولذلك كانت تصطحبه والدته معها في سنواته المُبكِرة إلى مجالس النساء، فيُقال أنّه عرِف عن النساء منذ صغره ما لم يَعرِفه النساء عن بعضهن البعض وقد أثّرت ملامِح هذه الطفولة تأثيرًا كبيرًا على شعره.
الحياة الشخصية ل بشار بن برد
لم تنقُل المصادر والمراجِع التاريخية الموثّقة أي زيجة في حياة الشاعر بشار بن برد، إلا أنّه كان مشهورًا بعلاقاته العديدة فقيلَ أنّه عاش حياته بأكملها وهو يجاهرُ بالزنا والخَمر على حد سواء.
حقائق عن بشار بن برد
كان يُكنّى بشار بن بُرد بـ "أبي المعاذ" والمرعثّ.
يوجد بعض الخلافات على نسبِه الكامِل ففي بعض المراجِع يُقال أنّ اسمه الكامل هو "بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي" وفي مراجِع أُخرى يُذكَر أنّ اسمه الكامل "بشار بن برد بن بهيمن العقيلي"، حتّى أنّ كنيته تعرّضت لبعض المُلابسات فأحيانًا تُذكَر "بَني عُقيلٍ" وأحيانًا "بَني عَقيل".
سلب المُهلّب بن أبي صفرة جدّ بشار بن برد من نواحي أفغانستان وتحديدًا من "خراسان" إلى البصرة في إحدى الفتوحات والمعارك الأموية، ويُقال أنّه أهدى ابنه بُرد "والد بشار" لزوجته لتُهديهِ بدورِها لامرأةٍ من بني عقيل كانت تعمل لديها، وعندما أنجب الزوجان ابنهما "بشار" أعتقتهما من العبودية ومنحتهما الحرية، ولذلك يُعتبَر بشار بن برد عبدًا في أغلب المراجِع التاريخية.
تختلف بعض الروايات التاريخية التي تنقُل حادثة عمى بشار بن بُرد، ففي بعض الروايات يُقال أنّه وُلِد أعمىً - وهي الرواية الأرجح- وفي رواياتٍ أخرى يُقال أنّه في سن الرابعة أُصيب بمرضٍ خطير أفقده بصره.
صوّرته بعض القصص والمراجع التاريخية على أنّه طويلٌ ضخمٌ جاحظ العينين.
كان ذو سخرية لاذعة، يُقال مرةً أنّ خالَه- وأحيانًا يُقال شخصيةً غيرَ خالِه- دخل عليه وهو ينشِدُ الشعرَ فسألَ مُستنكِرًا ماذا يفعل هذا؟! فردّ عليه بشار بن برد "أُثقِّبُ اللؤلؤ!".
أشهر أقوال بشار بن برد
وفاة بشار بن برد
في عام 784 ميلادي، أمر الخليفة العباسي "المهدي" بجلده حتى الموت وكانت التهمة الجهرية لهذا الحكم هي الزندقة، أمّا التهمة الخَفيّة فهي المعارضة السياسية، وجُلِدَ بشار بن برد 70 جلدة، إلا أنّه لم يمت فرُميَ في زورقٍ صغيرٍ لتوجد جثّته فيما بعد في مدينة تُسمّى البطيحة في يومنا هذا.
إنجازات بشار بن برد
بدأ بشار بن برد كتابة الشعر وسردِه وهو في السابعة من عمره، واتّسمَ شعره من البداية بالهجاء فهجى جرير عندما وفدَ إلى البصرة وعندها لم يرِدّ جرير على هذا الهجاء كون بشار يصغره سنًا، بل أنّه أيضًا كان في بداياته العمرية والشعرية أمّا جرير فكان شاعرًا مرموقًا وشهيرًا، وعندما لم يرد جرير على هجاء بشار بن برد لم يكن منه إلا أن يعترف بأنّ غايته لم تكن الهجاء بحدّ ذاتها بل كان يريد الرد لترتفع مكانته ويُسمَع بشعره، وعندها قال:
هجوت جريراً فأعرض مني واستصغرني
ولو أجابني لكنتُ أشعر الناسِ!
قصدَ البادية في مراحله المُبكّرة وتعلّم لغتها وشعرها، وعادَ بعد ذلك إلى البصرة وكان يلتحق بحلقات المساجِد ليتعلّم اللغة العربية الفصحى، وبالفعل تمكّن من تعلّم اللغة العربية وأتقنَ فنونها من خطابة وغيرها، حتّى أصبحت قصائده قطعة فنيّة تُذهِل من يسمعها لجمالِ تصوّراتها وتشابيهها المُختلِفة، فمثلًا استخدم في مدح آخر الخلفاء الأمويين تشبيه تمثيلي وهو من أصعب أنواع التشبيه في اللغة العربية الفُصحى، وقال:
كأن مُثار النقع فوق رؤوسهم وأسيافنا ليلٌ تهاوت كواكب
أمّا تشابيهه وصوره في الغزل فقد لمِسَت كل روحٍ عاشقةٍ وأغنت كل أذنٍ مُحبّة للأدب والشعر، ومن أبياته في الغزل:
يا قَومِ أَذني لِبَعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا
قالوا بِمَن لا تَرى تَهذي فَقُلتُ لَهُم الأُذنُ كَالعَينِ تُؤتي القَلبَ ما كانا
هَل مِن دَواءٍ لِمَشغُوفٍ بِجارِيَةٍ يَلقَى بِلُقيانِها رَوحاً وَرَيحانا
لقد كان بشار بن برد مُتعجرِفًا، كثير المدح لنفسِه وكثير النكران لبيئته المُحيطة وذلك بحسب ما ذُكِر في غالبية المصادر والمراجع التاريخية، ومن أشعاره التي تُثبِت هذا المنحى:
قالوا العَمى مَنظَرٌ قَبيحٌ قُلنا بِفَقدي لَكُم يَهونُ
تَاللَهِ ما في البِلادِ شَيءٌ تَأَسى عَلى فَقدِهِ العُيونُ
في العشرينات من عمرِه كان يحضرُ مناظرات وندوات المُفكّر الإسلامي واصل بن عطاء (أبو حذيفة واصل بن عطاء المخزومي) ومجالسه مع أنداده، وكانت جميع هذه المُناظرات والمحاضرات تقوم على مبدأ المنطِق والعقلانية والجدل والإثبات والبُرهان، فتأثّر بن بُرد فيها واتّبع الحِجّة والمنطِق في شعره وأسلوب حياته وتمثّلَ بالدينِ وجاهر به لفترةٍ صغيرة، ثمّ سرعان ما انقلبَ على واصل بن العطاء والدين الإسلامي ككلّ، ومن أبياته التي عكسَت بشكل مُباشَر عدم انتمائه الدينيّ:
إِبليسُ خَيرٌ مِن أَبيكُم آدَمٍ فَتَنَبَّهوا يا مَعشَرَ الفُجّارِ
إِبليسُ مِن نارٍ وَآدَمُ طينَةٌ وَالأَرضُ لا تَسمو سُمُوَّ النارِ
عندما أصبَح بشار بن برد في منتصف الثلاثينيات من عمره، انتقلَ الحكم من الأمويين إلى العباسيين وبدأت حقبة تاريخية جديدة أثّرت على شعر بشار بن برد بسبب الانفتاح الديني وانشغال الحُكام بأمور ثقافية واجتماعية واقتصادية عديدة، بعد فترةٍ قصيرة أصبحَ بشار بن بُرد من أنداد وأصحاب الخليفة العباسي المَهدي فكان يجلسُ في مجالِسه يقولُ الشِعرَ ويتفاخر بها، فنظم عدّة قصائد يمدحُ بها الخليفة المهدي، إلى أن سمِع الخليفة المهدي بصفات بشار بن برد وأنّه يُجاهِر بالزنا قولًا وفعلًا فكانت قصائده في الغزل جريئة وصريحة إلى حد كبيرٍ، فمنعه المهدي عن هذا الشعر واستجابَ بشار بن برد لأمر الخليفة من خلال قصيدة أثبتَ فيها ولائه في تلك الفترة، وقال في أبياتها:
إِنَّ الخَليفَةَ قَد بَغى وَإِذا أَبى شَيئاً أَبَيتُه
وَمُخَضَّبٍ رَخصِ البَنانِ بَكى عَلَيَّ وَما بَكَيتُه
وَدَعانِيَ الرَشَأُ الغَريرُ إلى اللِعابِ فَما أَتَيتُه
وَلَقَد أَخَذتُ مِنَ الصَفا ما في الضَميرِ وَقَد لَوَيتُه
كان بشار بن بُرد دائمَ التفاخُرِ بنسبه لبني عقيل، فقال:
إنني من بني عقيل بن كعب مُوضع السّيف من طُلى الأعناق
وقال أيضًا:
أنا ابن ملوك الأعجمين تقطَّعت عليَّ ولِي في العامِرِين عِمادُ
أنا المرعَّثُ لا أخفى على أحدٍ ذرَّت بي الشمسُ للقاصي وللدَّاني
قَالَتْ عُقَيْلُ بنُ كَعْبٍ إِذْ تَعَلَّقَهَا قلبي فأضحى به من حبها أثرُ
وقيلَ أنّه كان متعصّبًا لأعجميته لا يحبّ العربَ ولا يمدحهم على الرغم من تأثره بأدبهم وشعرهم، فكان كثير التفاخر بنسبه الفارسيّ من جهة والده ونسبه الروميّ من جهة والدته، ومن أبياته:
جَدّي الَّذي أَسمو بِهِ كِسرى وَساسانُ أَبي
وَقَيصَرٌ خالي إِذا عَدَدتُ يَوماً نَسَبي
كَم لي وَكَم لي مِن أَبٍ بِتاجِهِ مُعتَصِبِ
أَشوَسَ في مَجلِسِه يُجثى لَهُ بِالرُكَبِ
يَغدو إِلى مَجلِسِهِ في الجَوهَرِ المُلتَهِبِ
مُستَفضِلٌ في فَنَكٍ وَقائِمٌ في الحُجُبِ
يَسعى الهَبانيقُ لَهُ بِآنِياتِ الذَهَبِ
يُعتبَرُ بشار بن برد من مجددي حركة الشعر العربي بشكل عام والشعر العربي في العصر العباسي بشكل خاصّ، كما يُقال بأنّه أوّل الشعراء العرَب الذين بَثُوا روح الاقتباس في الشعر فاقتبس من شعر جرير البيت الثاني كاملًا من قصيدته:
وَذاتُ دَلٍّ كَأَنَّ البَدرَ صورَتُها باتَت تُغَنّي عَميدَ القَلبِ سَكرانا
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيينَ قَتلانا
وعادَ للاقتباس من جرير في القصيدة نفسها في البيت الرابِع، عندما قال:
فَقُلتُ أَحسَنتِ يا سُؤلي وَيا أَمَلي فَأَسمِعيني جَزاكِ اللَهُ إِحسانا
يا حَبَّذا جَبلُ الرَيّانِ مِن جَبَلٍ وَحَبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا
في سنواته الأخيرة انقلبَ بشار بن بُرد على الخلفاء العباسيين جُملةً واُتّهِم باتّباعه لحركة الزنادقة التي ظهرت في عصرهم، فأصبَح كثير الهِجاء للخلفاء العباسيين ومن أبياته في هذا المنحى:
خَليفَةٌ يَزني بَعَمّاتِه يَلعَبُ بِالدَبّوقِ وَالصولَجان
أَبدَلَنا اللَهُ بِهِ غَيرَهُ وَدَسَّ مُوسى في حِرِ الخَيزُران
أمّا أبياته الأخيرة في الهجاء والتي تسبّبت بمقتله على يد الخليفة العباسي، فهي:
بني أميّة هبّوا طال نومكم إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا خليفة الله بين الزِّق والعود
بيانات أخرى عن بشار بن برد
- الإخوة: بشر، بشير
- الأب والأم: برد العقيلي
فيديوهات ووثائقيات عن بشار بن برد
آخر تحديث