أثقل من رضوى: حديث لا ينقطع ما بين تاريخ السيدة راء وتاريخ مصر
5 د
لم أكن أعلم من يجب أن أحسد عند قراءتي لكتاب أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية (يمكنك شراء الكتاب عبر الرابط).. هل أحسد رضوى عاشور على حياتها؟ على ابنها وزوجها وعائلتها ودائرة أصدقائها المذهلة لشخص مثلي؟ هل أحسد عائلتها؟ هل أحسد تميم على أبويه؟ أم هل أحسد مريد على عائلتيه؟ حقًا لا أعلم، لكني أتعجب.
أتعجب من وجود أشخاص بهذا الكم من الإنجازات والحكايات والصولات والجولات التي لا تعد ولا تحصى ومع ذلك، هم في النهاية أشخاص مثلي ومثلكم. الفصل قبل الأخير الذي تصف رضوى عاشور نفسها فيه رأيت نفسي فيه، ورأيت صديقتي فيه ودكتورتي المفضلة في الجامعة. رأيتنا كلنا نشبه رضوى عاشور في طباعنا وصفاتنا ومخاوفنا إن لم يكن في حياتنا، ورأى الكثيرون أنفسهم فيه.
لا أستطيع أن أحدد إن كان هذا شيئًا مطمئنًا أم مقلقًا. هل اطمئن كوني مثلي مثلها؟ أم يجب علي القلق لأنني أرى نفسي فيها لكنني لا يمكن إن أكون أكثر اختلافًا عنها؟ في الواقع أنا لا أحب هذا النوع من المقارنات ولا أفكر فيه في العادة. فأنا أؤمن بحقيقة أننا كلنا مختلفين، لدينا بعض الصفات المشتركة ولكن طريقة استخدامنا لها يصنع فرقًا في الأشخاص الذين نصبحهم، كما هو الحال إن دخلنا في هذه المقارنة. ولكنني ظللت أفكر، ما الذي يصنع هكذا شخص؟ هل هي الظروف؟ هل هي العائلة التي تولد فيها؟
أثقل من رضوى وسيرة السيدة راء
كان هذا إحدى الكتب التي أتممتها في هذا العام، وبصعوبة شديدة لكنني أتممته، وأنا في منتهى السعادة لذلك. هذا الكتاب فتح علي بابًا واسعًا من التفكير والبحث والإدراك. إدراك حقيقة أنني -وبرغم وجودي في نفس المكان ونفس الزمان اللذان وقعت فيهما أحداث الكتاب- في الحقيقة لا أعرف شيئًا عن أي شيء. لا أعرف أي شيء عن تاريخ وأحداث حدثت أمام عيني بل وربما عاصرتها وأنا غير مدركة لذلك.
في عام 2018 قابلت صديقة جديدة أصبحت الآن من أعز أصدقائي، ولأن محتويات القصة تتضمن بجزء كبير أحداث الثورة المصرية وجدت نفسي أسترجع الكثير من محادثاتنا وكلامنا في بداية تعارفنا.
اقرأ أيضًا:
فمثل رضوى عاشور هنا، صديقتي عاشت ما تعتبره محور حياتها أثناء الثورة. وكانت هذه المحادثات بالنسبة لي هي أول ما سلط الضوء على جهلي الشديد بتلك الأحداث وفكرة أننا ربما نعيش جميعًا في نفس المكان، لكن حياتنا وذكرياتنا مختلفة تمامًا.
جزء من التاريخ المصري
في الماضي اتفقت مع نفسي على المسامحة وتقبل أنني ضيعت الكثير من وقتي في اللاشيء في فترة المراهقة، ضيعت أكثر مما أحب أن أتخيل. لكن طوال فترة قراءتي لهذا الكتاب لم تكن هناك سوى فكرتين أساسيتين تدوران في مخيلتي.
- الأولى: هي كيف يتوصل شخص لهذا الكم من الإنجازات في عمره القصير؟ هل هي محض الصدفة أم يجب علينا أن نسعى ونجتهد ونعمل حتى نصل لهذا المكان؟ هل هي بمحض الإرادة والعزيمة؟ أم أن من حولك أيضًا لهم يد في ذلك؟
- والثانية: هي أن هذا الجزء المهم من تاريخنا المصري الذي تذكره رضوى في كتابها كان يحدث على مرأى ومسمع من عيني لكنني لم أكن على وعي بذلك. أو ربما كانت قناعاتي واهتماماتي مختلفة عنها لذلك لم ألتفت كثيرًا، لكن المهم أنه حدث.
جاء ومضى وترك بصمة في حياتنا جميعاً دون أدنى إدراك أو وعي من ناحيتي لدرجة أنني ربما لا أجد ما أقول لو سألني أحدهم عن أحداث العشر سنوات الماضية. أو كما يقولون بالإنجليزية: “جاء ومر فوق رأسي دون أن ألتفت إليه”.
وفي حقيقة الأمر أنا أعلم يقينًا أن هناك من يحسدني على هذا التجاهل الذي كنت وما زلت أعيش فيه إلى حد كبير. التجاهل الذي مكنني من الاستمرار وممارسة حياتي الطبيعية في حين أن الكثير حياتهم توقفت عند نقطة معينة ولم تستمر رغم استمرارها. لكن الجهل برغم جماله وفوائده أحيانًا ما هو إلا آفة في نهاية الأمر.
تأخذنا رضوى عاشور في كتابها أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية. في رحلة لا أستطيع حتى الآن أن أقرر إن كانت سيرتها الذاتية أم هي سيرة ذاتية للثورة المصرية والربيع العربي في العموم. وربما هي سيرة رضوى والثورة في آن واحد.
فرغم ظروف مرضها وسفرها التي كانت تحدث في خضم كل شيء آخر، تأخذنا رضوى داخل رحلتها هي وابنها وزوجها وهم يقسمون اهتمامهم بين مصر وورم رضوى. بين مشاعرهم كأم وزوجة وابن وأب ومشاعرهم كمصري وفلسطيني وعربي، تأخذك بسلاسة وحيادية ما بين تاريخ رضوى وتاريخ مصر حين رأتها رضوى.
تاريخ حياتها وزواجها وعملها وابنها وفي نفس الوقت، تاريخ رضوى كمواطنة في مجتمع بأصدقائها وزملائها وطلابها، تاريخ سيرغب الكثيرون في معرفته خاصة في مثل هذا الوقت الذي يتم فيه تحريف كل شيء أو كما يقول المثل “التاريخ يكتبه المنتصرون”؛ ولذلك فأنا حزينة على فقداني هذه السنوات. حزينة وربما حاقدة لا أعلم. لكن النهاية هي عدم سعادتي من نفسي وحياتها السابقة بل وأحيانًا الحالية. والحقيقة هي أنني أغبط كل من عرف وعاش وعاصر مثل عائلة الدكتورة رضوى عاشور بكل أفرادها واختلافاتهم.
والحقيقة النهائية، إن رضوى في كتابها أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية، وفي مختلف مراحلها العمرية تذكرني بنفسي وبصديقتي، وبدكتورتي الجامعية التي كانت وما زالت تكافح لتكون أمًا وسيدة وكاتبة في نفس الوقت، تذكرني بشخص ما قد رحل عن عالمنا، وغيرهم الكثير.
يذكر أن السيدة راء أو الدكتورة رضوى عاشور، لها عدة روايات شهيرة، منها: الطنطورية وفَرَج وأطياف وثلاثية غرناطة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.