كيف تلتقط ناسا صورًا للأجسام الفضائية؟
10 د
كم هي جميلة السماء! خاصة في الليل، عندما تتألق في ثوبها الأسود المطرز بالنجوم الساحرة. عرفها البشر منذ آلاف السنين، حتى إنّ علم الفلك هو أقدم العلوم المعروفة. اجتهد كثير من العلماء لكشف الستار عن خبايا السماء، وتطلعوا لمعرفة ما وراء القمر والنجوم، وقد كان لهم ما أرادوا، ثم امتد طموحهم لتكوين لقطات للأجسام الفضائية البعيدة لدراستها وإمتاع الجميع بها.
لكني أتساءل، ماذا يتبادر لأذهان الناس عندما يرون صورًا للفضاء؟ هناك من يُذهل فقط، لكن قليل منهم يتساءلون كيف التقطت ناسا هذه الصور؟ ربما يسخر بعضهم ويقول هل التقطوها مثلما نلتقط نحن صور السيفلي مثلًا؟ لا يا خفيف الظل، هناك تقنيات متقدمة للغاية، يستخدمها العلماء في هذا الصدد، قبل التعرف عليها، لنعد إلى الوراء قليلًا..
محاولات التاريخ الأولى لالتقاط صور فضائية
غاليليو، اسم مشهور لدى العلماء أو من يهتم بعلم الفلك بشكلٍ عامٍ. إضافة إلى إسهامات هذا العالم العبقري، فقد تطلع إلى وضع لقطات للسماء في هيئة رسومات. وفقًا لملاحظاتهِ، لقد رصد غاليليو القمر لأول مرة في يوم 30 نوفمبر 1609. وعندما قارن أنماط الضوء والظل، استنتج وجود جبال ووديان على سطح القمر وصور هذا في رسمة عام 1610.
لكن، لم يكن السبق لغاليليو في محاولة تصوير الكون، فقد سبقه علماء آخرون، تساءلوا عن الكون حولهم وانتابهم الفضول حول موقعهم خلاله، ففي القرن الخامس قبل الميلاد، اجتهد عالمان في تحديد طبيعة الأرض، حتى توصلوا إلى أنها كروية، وذلك من خلال متابعة خسوف القمر، عندما تكون الأرض بين القمر والشمس، حيث لاحظوا ظل الأرض على القمر وقدموا هذه الأدلة للناس، لكن لم يقتنع الجميع (يبدو أنّ نظريات المؤامرة ظهرت منذ زمن طويل). هذان الرجلان هما إمبيدوكليس وأناكساغوراس.
بالنظر إلى اجتهادات هؤلاء العلماء وغيرهم، نجد أنهم يلجأون للرسم كوسيلة مناسبة من أجل تصوير الأجسام السماوية للناس، ولتوثيق ما توصلوا إليه. لكن الآن الوضع مختلف.
بعد هبوط الإنسان على القمر في القرن العشرين، تجرأ البشر على الكون، وزاد الشغف بعلم الفلك، وتقدم بشكلٍ مذهل. لكن، يتساءل بعض الناس، كيف تلتقط محطات الفضاء صورًا للكواكب والمجرات والنجوم، حتى الثقوب السوداء البعيدة وما إلى ذلك؟ بالمناسبة، هذا التساؤل يشكك العديد من الناس في مصداقية هذه المؤسسات، ومن أبرزها وكالة ناسا الأمريكية. لنُبسط الأمر سويًا.
ناسا تلتقط صورًا للأجسام الفضائية: إليكم بعض الأمثلة
يحيط الغلاف الجوي بكوكبِ الأرض، مما يعيق وكالة ناسا الدولية عن التقاط صور أكثر دقة للفضاء الخارجي. في نفس الوقت، يشكل غياب الغلاف الجوي أزمة كبيرة لحياة الكائنات الحية المختلفة. لذا، يجب استخدام تكنولوجيا متطورة تستطيع التقاط صور من نطاق يقع خارج الأرض من الأساس.
بالضبط، أقصد الفضاء. علمًا بأنّ أجهزة التصوير هذه تواجه صعوبة صيانة في الفضاء. لذا، فهي تتعرض لاختبارات مكثفة قبل إطلاقها (وسنتحدث عن هذا بعد قليل).
باستخدام التكنولوجيا، التقطت ناسا صورًا كثيرة لأجسام فضائية مختلفة، بعضها من على سطح الأرض، وبعضها الآخر عند المدار. ساعدت هذه الصور في تغيير وجهة نظر كثير من الناس عن الأرض وموقعها في الكون. إليك بعض هذه الصور المذهلة.
شروق الأرض
التقط رواد الفضاء الذين قادوا أبولو 8 هذه الصورة أثناء دورانهم حول القمر عام 1968. عند تأمل الصورة، نلاحظ ظهور الأرض كاملة، فهي تبدو وكأنها كرة صغيرة يمكن لصورة واحدة استيعابها. بعد عرض الصورة للناس، بدأت الحركات المؤيدة للبيئة، وبعد رحلة أبولو 8 بعامين، قُرر اليوم العالمي للأرض في 22 أبريل عام 1970.
هناك العديد من الأقمار الصناعية عند مدار الأرض تلتقط صورًا باستمرار، وتحتاج فقط إلى كاميرات ذات جودة عالية، مصممة خصيصًا لهذه المهمة.
رواد الفضاء
قبل ظهور صور السيلفي باستخدام الهواتف المحمولة، التقط رواد الفضاء صورًا لأنفسهم أثناء العمل في الفضاء. عُرضت هذه الصور للعامةِ عندما شاركتها ناسا. منها صور ملهمة، مثل آثار أقدام الإنسان على القمر، ومنها صور لرواد الفضاء أثناء نومهم وحياتهم اليومية في المركبات الفضائية.
يستطيع الناس رؤية حياة هؤلاء الرواد من على الأرض ومعرفة ما يعيشه البشر عند السفر عبر الفضاء.
السدم
التقط تلسكوب هابل الفضائي العديد من الصور للسدم البعيدة (بالطبع ليس بكاميرا عادية، بل بتقنيات متقدمة، سنتعرف عليها بعد قليل)، تعطي السدم للكون المظلم أناقة وجمال. وهي مهد النجوم، تتميز بأشكالٍ وأسماء مختلفة، وتشهد صورها على الجمال المذهل الذي يحجبه عنا الغلاف الجوي وآلاف أو ملايين السنين الضوئية.
أسطح الكواكب
أُرسلت العديد من مركبات الفضاء إلى كواكب وأقمار مختلفة، بغرض التقاط صور للمناظر الطبيعية هناك ثم إرسالها إلى الأرض من جديد، مثل الصور التي التقطتها مركبات سوجورنر وباثفايندر من على سطح المريخ وأرسلتها للأرض عام 1997. كما تساعد الأقمار الصناعية في عرض الكواكب والأقمار بما عليها من ارتفاعات نسبية للجبال أو الفوهات بدقة أكبر.
صُدم بعض الناس بصورة لسطح المريخ التي تُظهر الكوكب خالٍ من الحضارات الفضائية التي صورتها أخيلتهم. لم يتوقع أغلبهم أنه عالم مختلف طبيعته جافة، مملوءة بالتراب.
الشمس
تستطيع ناسا التقاط صور رائعة ودقيقة للشمس أثناء الانفجارات وظهور البقع الشمسية باستخدام أدوات خاصة، يستخدم العلماء والباحثون هذه الصور لمعرفة المزيد حول العمليات المولدة للطاقة على سطح الشمس. من ناحية أخرى، هذه الانفجارات مثيرة ومذهلة للعامة.
اقرأ أيضًا: ناسا تعلن رسمياً: مجموعة شمسية كاملة تحتمل صلاحية الحياة البشرية!
لكن، كيف تلتقط ناسا صورًا للأجسام الفضائية؟
يعتمد ذلك على الحالة. مثلًا، في محطة الفضاء الدولية (ISS)، يلتقط رواد الفضاء الصور بسرعة من خارج النافذة، حيث تتحرك محطة الفضاء بسرعة كبيرة، ولا يتوفر وقت كافٍ لضبط وضعية الكاميرا بمثالية أو تغيير العدسات. هنا يستدعي الأمر سرعة أكثر من أي شيء.
ويتخذ رواد الفضاء احتياطاتهم، إذ يتوفر في محطة الفضاء الدولية دائمًا 8 كاميرات جاهزة، ليتمكن أي واحد من الرواد التقاط الصور في اللحظة المناسبة بسرعة، هذا يضمن التقاط صور رائعة.
أما في حالة تلسكوب هابل، فالأمر مختلف، قبل الخوض في التفاصيل، ربما يظن بعض الناس أنّ هابل مثل التلسكوب البصري الذي يستخدمه علماء الفلك والهواة لمراقبة السماء من سطح الأرض. كلا، إنه مختلف تمامًا ومُزود بأقوى التقنيات، بما فيها كاميرات عديدة لالتقاط صور للفضاء. إنه يعمل مثل الكاميرا الرقمية، ويتطلب أدوات عدة، مثل: كاميرات الضوء المرئي وكاشفات الحرارة وأجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء.
يلتقط هابل الصور مثل الهاتف الخلوي، ثم يُرسل هذه الصور إلى الأرض في صورة موجات الراديو. لننطلق في تفاصيل هابل قليلًا..
قوة تلسكوب هابل
إنه مُزود بأقوى التقنيات -كما ذكرت- ومصنوع من مواد تتحمل تغيرات درجات الحرارة التي قد تزيد عن أكثر من 100 درجة بين حين وآخر. إضافة إلى ذلك، يتعرض هابل للعديد من إشعاعات الشمس دون حماية الغلاف الجوي للأرض الذي يحجب هذه الأشعة الضارة.
يتكون هيكل هابل من طبقة رقيقة من الألومنيوم، تُحاط بها عدة طبقات أخرى، وهي للعزل. لم تستطع هذه الطبقات التحمل من كثرة التعرض للإشعاعات وتغيرات درجات الحرارة باستمرار. لذا، كان في حاجة للإصلاح واستبدال الطبقات القديمة بأخرى حديثة. يتمتع الهيكل بخفة الوزن والقوة وطول العمر في آنٍ واحدٍ.
يتمتع تلسكوب هابل بعدد من الكاميرات والأدوات الأخرى التي تساعده على التحرك واستهداف الأجسام المُراد تصويرها. كما يمتلك مستشعرات دقيقة تسمح له بالتوجه نحو الجسم المستهدف للتصوير استنادًا إلى المسافة بين الجسم المراد تصويره ونجوم الدليل القريبة.
عند دراسة أشياء مثل الثقوب السوداء، يضطر هابل إلى تحليل الضوء إلى أطياف ألوانه باستخدام المحلل الطيفي التصويري لتلسكوب الفضاء (STIS). كما يوجد مستشعر حرارة. بالإضافة إلى المُحلل الطيفي للأصول الكونية الذي يستقبل الأشعة فوق البنفسجية ويبحث في أجزاء منها لدراسة الغازات في الكون. كما أنه مزود بكاميرات تصوير لإلتقاط صور للفضاء خارج النظام الشمسي.
كاميرات هابل
تلسكوب هابل مُزود بكاميرتين رئيسيتين للضوء المرئي، تساهم كل واحدة منهما في التقاط صور للفضاء، بالمناسبة، التُقطت أفضل الصور المعروفة للفضاء بواسطة هاتين الكاميرتين، إذ تتحدان سويًا وتكوّنان أفضل الصور بجودة عالية لا تستطيع أي كاميرا تكوينها بمفردها. بعبارة أخرى، إنهما تكملان بعضهما، وهما:
- الكاميرا المتقدمة للاستطلاعات (ACS)
وهي تشمل 3 أنواع من الكاميرات: واسعة المجال وشمسية وعالية الدقة. في عام 2007، توقفت الكاميرا عالية الدقة عن العمل، ولم يتمكن رواد الفضاء من إصلاحها أثناء عملية إصلاح كاميرات (ACS) في عام 2009.
تستطيع الكاميرا ذات المجال الواسع التقاط صور كبيرة للفضاء. يستخدم العلماء الكاميرا الشمسية لالتقاط صور للنجوم الساخنة والأجسام الفضائية الأخرى التي تنبعث منها الأشعة فوق البنفسجية، عندما تتداخل أشعة الشمس مع الأشعة فوق البنفسجية. بينما تستطيع الكاميرا عالية الدقة التقاط صور رائعة داخل المجرات.
- الكاميرا واسعة المجال 3 (WFC3)
تستطيع هذه الكاميرا التقاط صور مذهلة للفضاء خلال نطاق محدد من أطياف الضوء، وهذا النطاق يقع بالقرب من الأشعة فوق البنفسجية ومنطقة الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء القريبة. في عام 2018، تَوقفت الكاميرا (WFC3) عن العمل، ولكن تم إصلاحها فيما بعد.
كيف تصمد كاميرات هابل أمام البيئة القاسية في الفضاء؟
يتميز هيكل تلسكوب هابل بعدة طبقات عازلة قوية، مما يوفر حماية للمكونات الداخلية للتلسكوب بما فيها الكاميرات. من حسن الحظ أنّ أنظمة الكاميرات في هابل مصممة بعناية ودقة فائقة، بحيث تعمل بأقل قدر من التدخل البشري.
اقرأ أيضًا: جاك ديفيس طفل الـ 9 أعوام يرغب بلقب حارس المجرة الحقيقي، وناسا ترد!
لماذا يتميز التصوير من الفضاء عن الأرض؟
في البداية، جميعنا نعلم أنّ الأرض محاطة بغلاف جوي يعزلها عن الفضاء الخارجي ويحمي الكائنات الحية من الأشعة الكونية الضارة. بالرغم من فوائده، إلا أنه يؤثر بالسلب على نقاء الصور المُلتقطة من على سطح الأرض للفضاء الفسيح، كما لا نستطيع التقاط صور للأجسام الفضائية البعيدة من الأرض! مثلًا، الصور الملتقطة للشمس من الفضاء تبدو أكثر تألقًا ونقاءً، أليس كذلك؟
كيف يلتقط هابل صور الفضاء؟
أثناء التقاط الصور، تُفتح عدسة كاميرا التلسكوب لتسمح بمرور الضوء ثم يستخدم العلماء مرشحات للحصول على المعلومات التي ستُرسل فيما بعد إلى الأرض وتُجمَع حتى تُكون صورة. في العادة، لا تكون الصور الأولية مُلونة كما نراها في النهاية، لكن يُضيف العلماء الألوان إليها بناءً على المرشح الضوئي الذي يمر من خلاله الضوء، وتصبح النتيجة صورة زاهية، ساحرة الجمال، مُذهلة للعيون.
اختبارات الكاميرات قبل إطلاقها
قبل إطلاق مِثل هذه الكاميرات في مهمات الفضاء الشاقة، يجب قياس درجة تحملها والتأكد من أنها متينة، بحيث تستطيع تحمل مصاعب السفر عبر الفضاء والظروف القاسية المنتظرة، وذلك من خلال مرورها باختبارات صارمة في ظروف تحاكي بيئة الفضاء قبل استخدامها والتحقق من أنّ الكاميرات جاهزة للاستخدام.
تتضمن هذه الاختبارات: اختبار المكونات ودرجة التآكل والقابلية للاشتعال والانثناء ومدى تحملها لطبقة الأوزون والغازات الأخرى، كما تخضع لاختبار التحليل الميكانيكي الحراري واختبارات الضغط. تساعد هذه المحاكاة وتلك الاختبارات في التنبؤ بفشل أو نجاح المركبات الفضائية.
ليس هابل فقط!
تلسكوب هابل العجوز الذي أطلق في أبريل عام 1990، ليس هو الوسيلة الوحيدة لالتقاط صورٍ للكون، فهناك مركبات فضائية تُطلق في الفضاء متجهة نحو كوكب أو أي جسم فضائي آخر لرصد هذه الأجرام. على سبيل المثال:
- المرصد الشمسي: هذا المرصد مسؤول عن دراسة الشمس عن قرب والتقاط أفضل الصور لها، ساعدت هذه الصورة في فهم العمليات والانفجارات التي تحدث على سطح الشمس.
- مسبار كاسيني: التقط صورًا مذهلة للأماكن المظلمة لزُحل وأقماره وحلقاته. كانت رحلة كاسيني مكللة بالنجاح وأسفرت عن امتلاك البشر لفهمٍ أفضل لهذه الأجرام.
- روفر: في نوفمبر 2011، انطلقت مهمة روفر إلى المريخ وهبطت على سطح الكوكب الأحمر في أغسطس 2012، ويتمثل دور روفر في التقاط صور له. بالإضافة إلى دراسة المواد العضوية فوقه والبحث عن مصادر للمياه والتعمق في دراسة هذا الكوكب.
وأخيرًا.. إنّ عملية تصوير الفضاء ليست سهلة، كما أنها تتم بدقة مذهلة، فقد صرحت ناسا من قبل أنّ عملية التصوير بواسطة هابل أشبه بتصويب شعاع ليزر نحو قطعة نقدية تبتعد مسافة 200 ميل.
مثلًا، إذا افترضنا أنّ هابل في طوكيو باليابان على سطح الأرض، فهو يستطيع رصد كائن صغير في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية. وهذا يعكس قدرة هابل الفائقة. كما يؤكد إحراز البشر تقدمًا هائلًا في مجال الفلك وفي العلم بشكل عام، فمن يصدق أنّ الإنسان الذي سكن الكهوف في وقت من التاريخ، يستطيع اليوم الصعود إلى الفضاء والتقاط هذه الصور الرائعة. (إذًا، الصور التي تلتقطها ناسا للفضاء ليست سيلفي، أليس كذلك؟).
اقرأ أيضًا: كائنات فضائية ذكية! لنتحدث قليلاً عن أحد أبرز أهداف وكالة ناسا!
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.