المدارس الكبرى في الأدب المصور

الأدب المصور هو امتزاج فن الحكي وفن التصوير لخلق ثنائية (الكلمة/ الصورة) وهي القصة المصورة التي تعتمد بشكلٍ أساسي على الرسوم المصورة والنصوص المكتوبة، وقد أُطلق عليه اصطلاحًا لفظ كوميكس-كوميكس أيضًا تطلق على المدرسة الغربية للقصة المصورة (الأمريكية/ الأوروبية). ومثال ذلك الغناء الذي هو امتزاج بين فن الشعر وفن الموسيقى لخلق ثنائية (الكلمة/ النغمة) وهي الأغنية.

الكوميكس أو القصص المصورة هي نوع شكلي من الأدب وليس جوهري، ولكنه ارتقى بأهميته أن صار له كتّاب مختصين به واحتوى أنواعًا جوهرية من الأدب مثل الرعب والفانتازيا والرومانسية والبوليسية. مثله في ذلك مثل الشعر، فالشعر مبني على ثنائية (كلمة/ وزن) والكوميكس مبني على ثنائية (كلمة/ صورة) وكلاهما يمكن عرض أي نوع أدبي بواستطهما، والشكل المميز لكل من الشعر أو الكوميكس صنع منهما نوعان مميزان في الأدب. وجدير بالذكر أنه فن قديم جدًا تاريخيًا، ومن أمثلة ذلك نماذج شهيرة مثل الجداريات الفرعونية ولوحات الكهوف وأوراق التاروت وغيره مما سنتناوله في مقال آخر. أما عن هذا المقال فقد خصصناه لإلقاء الضوء على سبعة من أكبر المدارس التصويرية في العالم.

الكوميكس هو مصطلح من الأدب المصور يطلق على المدرسة الأمريكية في القصة المصورة، وهو المصطلح الأشهر حتى صار يُعنى به جميع أنواع الكوميكس ومدارسه. وفي الآتي نعرض أهم سمات الكوميكس:

تشكل الألوان جزءًا كبيرًا من جاذبية الكوميكس التي تخلب لب الصغار والكبار، وقد برع فنانو الكوميكس في إعدادها لدرجة أن شخصيات الأبطال الخارقين يتم تصميمها بصريًا مع مراعاة الألوان وتناسقها في الملابس والأقنعة والأسلحة. 

عدد الإطارات/ الكادرات في الصفحة الواحدة من الكوميكس قد يتخطى الـ 11 أو 13 إطارًا، مع قدرة كبيرة من الفنان على التلاعب والتحكم بتوزيع الإطارات وتأثيرها على تكوين المشهد داخلها. وكثيرًا ما يلاحظ بروز أو خروج جزء من جسد أحد الشخصيات من الكادر.

يبقى أن الشعور بالذات ينعكس على فناني الكوميكس في رسمهم لملامح شخصياتهم ذات السمت الأوروبي أو الأمريكي أو اللاتيني.

الشخصيات تكون مبهرجة في تصميمها ومتأثرة بالأجواء البطولية بصورة تعجب الأطفال والكبار، بعكس بعض تصميمات الشخصيات في المانجا التي لا تنفع أبدًا للأطفال.

عالم الكوميكس يكون مفتوحًا يمكن للشخصيات من سلاسل مختلفة الالتقاء مع بعضها في أكثر من مناسبة وخوض أكثر من مغامرة، وتتأثر بما يحدث لدى الشخصيات الأخرى باعتبار أنها جميعًا تنتمي إلى ذات العالم. وكذلك فعوالم الكوميكس تكون عادة لا متناهية يمكن الاستمرار بصورة دائمة في سرد الأحداث من أكثر من منظور وخلق أحداث جديدة والاستمرار بقص الحكاية، مع تعديلات إضافية يشوبها بالطبع التكرار بسبب كل هذا الكم من التحديثات على الأحداث.

إلا أن هذا مثلما يأتي بنمطيات مكررة يخلق جديدًا ويواكب العصر بقصص جديدة عن نفس الشخصيات. وبسبب هذا العالم الكبير والمتصل تم خلق عدد من المصطلحات التي تصف أجزاء منه ومن خطوط الأحداث، مثل قصة الأصل Origin Story وخط القصة Storyline وتعدد الأكوان Multiverse.

سمة أخرى في عالم الكوميكس هو أنه غير ثابت بسبب تعدد الرواة وتناول الشخصيات والعالم والأحداث بأكثر من رؤية من أكثر من فنان، كاتبًا ورسامًا.

مفهوم أدبي أدخله الكوميكس الأمريكي وانتشر في أعمال الكوميكس الغربية، وامتد تأثيره إلى السينما وقد أحدث طفرة في تاريخها من خلال أفلام مارفل، وطال التأثير أعمال المانجا اليابانية مثل أكاديمية بطلي وون بنش مان.

والمفهوم ببساطة يتمحور حول بطل خارق Superhero (حرفيًا أو مجازيًا) يخفي هويته ويعلي رمزيته بقناع ورداء -يكون عادة مبهرج- ويقوم بمحاربة الجريمة بقوى تكون خارقة عادة، وكذا تكون أخلاقياته غالبًا سليمة طبقًا وتجسيدًا للمفهوم الغربي عن الأخلاق.

ويرتبط مفهوم البطل الخارق ببعض المصطلحات الأخرى مثل الشرير الخارق Super Villain وضد البطل Anti-Hero.

وهي أنواع مرتبطة بالكوميكس الغربي مثل الرواية المصورة (جرافيك نوفل).

المانجا هو الكوميكس الياباني الذي طغى بشهرته حتى صار على قدر الندية من الكوميكس الأمريكي. وقد صارت أوروبا في المنتصف تصدر أعمالًا تسمى بالكوميكس الأوروبي تأثرًا بالمدرسة الأمريكية، وتصدر أعمالًا تسمى بالمانجا الأوروبية تأثرًا بالمدرسة اليابانية. وفي الآتي أهم سمات المانجا:

هنا أعمال رعب في السينما لجأ فيها المخرج إلى استخدام الأبيض والأسود للتعبير عن الأجواء المرعبة والغامضة، وكذا يفعل رسامي المانجا اليابانية بحرفية عالية، أستشهد بمثالين للدلالة عليهما وهما: ملك الرعب في المانجا جونجي إيتو، وملك الغموض في المانجاكا ناواسكي.

 وبعيدًا عن أعمال الرعب والغموض، فإن المانجا تعتمد بشكل أساسي في جمال صورتها وإيصال رسالتها على الأبيض والأسود وطبقات من التحبير ودرجات من التظليل.

قلة الإطارات واتساع الإطار الواحد واستخدام الأبيض والأسود بدلًا من الألوان والتظليل والتحبير بدلًا من التلوين، يعطي إمكانيات أكبر للتحكم والتلاعب بالخطوط التي تعد اللبنة الأساسية في الرسم.

ملامح الوجه ذات السمت الكارتوني الشرقي؛ وجه دائري وعيون كبيرة نسبيًا.

بالرغم من تواجد خط رئيسي للأحداث في الكوميكس، إلا أن هذا الخط يأتي مشوهًا ويحمل الكثير من الجدل، بسبب تداخل وتعدد الرؤى للكثير من الكتاب والرسامين. بعكس المانجا التي يعمل عليها غالبًا مانجاكا واحد لمغامرة الشخصية الواحدة. وذلك يعد فارقًا مهمًا وواضحًا بين شخصية مثل أوزوماكي ناروتو أو مونكي دي لوفي وشخصية مثل بروس وين أو كلارك كينت.

بعكس ما في الكوميكس، فإن المانجا تتكون من قصص مصورة متسلسلة أو رواية مصورة يتم تقديمها في حلقات. وذلك لأن المانجاكا هو صانع العمل والمتفرد به في صنعته، حتى أن أي أعمال أخرى منتمية إلى نفس العالم تعتبر أجزاء تالية للعمل الأصلي.

يرجع الفضل للمانجا في إدخال مفهوم الميكا إلى السرديات الفانتازية، وتميزت به مثلما تميز الكوميكس بمفهوم الرجل الخارق.

الميكا هو تطور لمفهوم الروبوت حيث يدل على آلة ميكانيكية عملاقة (ومنها اقتبس الاسم المختصر ميكا مثل الأنمي من الأنيميشن) يتم التحكم بها بواسطة إنسان داخلها.

تتفرع من مدرسة المانجا الشرقية اتجاهات وأنواع أصغر نذكر منها المانجا اليابانية والمانها الصينية والمانهوا الكورية.

أو المدرسة الفرانكو-بلجيكية نسبة لأكثر البلاد تفردًا في إنتاج هذا الفن فرنسا وبلجيكا. ولهذه البلاد تاريخ طويل في الكوميكس منفصل عن الكوميكس الإنجليزي، ويمتد تفردها إلى باقي أوروبا لتمثل الباند ديسنيه الكوميكس الأوروبي في القارة العجوز كلها. وتتميز هذه المدرسة بميلها دومًا إلى الواقعية (تكون واقعية خالصة في أغلب الأعمال) حتى في الأعمال الخيالية، إما أن تكون فانتازيا فلسفية أو خيال علمي أو مغامرة واقعية. وتصدر عادة باللغة الفرنسية.

أهم مميزات الأدب المصور:

مثلما ارتبطت أوائل أعمال الكوميكس الأمريكي بالأدب الساخر، ارتبطت أوائل أعمال الكوميكس العربي بأدب الأطفال، وأبرز الشواهد على هذا هي الأعمال المبكرة للكوميكس المصري أو العربي مثل مجلات الأولاد والكتكوت والبلبل والسندباد.

ما بين الإبداع والإتباع يظهر لنا أن الأدب المصور هو الأقدر على مسايرة ومحاكاة واحتواء وصناعة جميع الأجناس التصويرية في الكوميكس. المعيب هو أن يأتي ذلك الاستقبال ممسوخًا مشوهًا، أما الامتياز فهو أن يأتي مبدعًا معربًا.

الموقع الجغرافي والثقافي للأدب المصور يتيح له تنوعًا منقطع النظير بين عدد من الثقافات المنتجة للكوميكس، مثل الكوميكس المصري والعربي والإفريقي والإسلامي وغير ذلك من الثقافات المنصهرة داخل تلك الثقافات المذكورة، والتي تلقى إقبالًا في الغرب يعيب علينا ألا نستفيد منه.

وبعيدًا عن الخوض في تحليلات بصرية، نكتفي بذكر اثنين من أبرز رسامي الكوميكس العربي/ الإسلامي اللذين تفردا بإسلوبهما حتى صارا أعلامًا في هذا المجال، هما ممتاز البحرة وأرديان سياف Ardian Syaf.

اللون الأقرب للكوميكس العربي والأكثر أصالة في ذات الوقت هو أدب الأطفال.

الكاريكاتير لا يخرج فيه الحدث عن إطار الموقف واللحظة الساخرة، في الكوميكس الحدث إلى قصة وفي الجرافيك نوفل تتطور الأحداث والصراع إلى حبكة روائية. أي كأن الكوميكس يعادل في الأدب القصة القصيرة والجرافيك نوفل تعادل الرواية، بينما يتميز الكاريكاتير بكونه يعادل القصة القصيرة في الأدب المصور أو ربما نوع فني أصغر وهو الأقصوصة،حيث يتم اختزال قصة اللوحة الكاريكاتورية في فكرة معينة يتم عرضها لأغراض نقدية مغلفة بالسخرية اللاذعة والتهكم الحاد.

ودومًا ما يحمل الكاريكاتير في محتواه خطابًا فلسفيًّا أو اجتماعيًا أو سياسيا، ويعكس حال البلد الذي تنتمي إليه ريشته أو يحاكيها أو يتمرد عليها، بل ويتجاوز بلده بريشته السليطة لتناول أزمات عالمية أو إنسانية.

والكوميكس يمكنه أن يكون مثل ذلك، لكنه ليس شرطًا أساسيًا فيه السخرية من الأوضاع الإجتماعية، وأيضًا كما أوضحنا فإن الكاريكاتير يتميز بالسمات السردية للقصة القصيرة في الأدب، مثل تقنيات الاختصار من الإيجاز والتكثيف والاختزال. لهذا يرى بعض الباحثين أن الكاريكاتير لا يجب أن يتجاوز رسمه الإطار الواحد مثل خالد الدخيل.

سمة أخرى في الكاريكاتير هي المبالغة الزائدة في تصوير الأحداث أو الشخصيات لإيصال فكرة معينة، مثل أن يركز على أنف كبير -يرسمه كبيرًا جدًا- لإحدى الشخصيات أو حتى مؤخرته. ويتميز أيضًا بالرمزيات المليئة بالإسقاطات على الأوضاع المتردية في المجتمع.

وهي أنواع ومدارس مرتبطة بالكاريكاتورية مثل الكارتونية التي ارتبطت في العرف الشائع عن كون الكاريكاتير والكارتون وجهان لعملة واحدة، وهو أمر خاطيء لأن الكارتون قد يكون موجهًا للأطفال أو الكبار. إلا أنه يتشابه مع الكاريكاتير في خاصيتي الهزل والمبالغة في تصوير الأحداث، ولكن مع التركيز على الشخصيات الحيوانية أكثر من الشخصيات الإنسانية.

ومن الأنواع والمدارس الأخرى ذات الصلة نذكر الميمز والألبومات الساخرة.

تميل المدرسة التصويرية بالكوميكس في انتمائها إلى الفن أكثر من انتمائها إلى الأدب، حيث تتراجع مصطلحات مثل أدب الكوميكس أو الأدب المصور أمام سطوة مصطلح الفن التاسع، ويتحول النص من كلمات وجمل إلى خطوط وألوان؛ فالمدرسة التصويرية هي مدرسة الكوميكس التي تتخلى بدرجات متفاوتة عن النصوص والكلمات سواء في بالونات الحوار أو القطع النصية للرواي أو الكلمات التي توضع كتأثيرات للحدث، أو غير ذلك من الأشكال الكلامية.

ورغم عدم شهرتها تقريبًا مثل المدارس الأخرى المذكورة بالأعلى، إلا أن أهميتها في الكوميكس توازيها. وجدير بالذكر أنها تتقارب مع الكاريكاتورية في بعض نواحي التعبير بالصورة بالاستغناء عن الكلمة.

بعكس التصويرية، فإن النصية هي المدرسة التي تعطي للنص مساحة أكبر في سرد القصة، حيث تجد صفحات مصورة تقابلها صفحات نصية، أي صفحة مرسومة وصفحة مكتوبة، أو حتى صفحات مصورة داخل قصص نصية. ويعتمد أدب الأطفال على هذه المدرسة وتقوم بعض أعمال الكوميكس بالاستفادة من خصائصها أيضًا. إضافة إلى ظهور اتجاه جديد في الأدب العربي يعني بتقديم روايات نصية مرفق بها صفحات كوميكس لغايتين: الأولى هي توفير المال الذي ينفق على الرواية المصورة نظرًا لتكلفة أسعار الرسامين المحترفين، والثانية لجذب الشريحة الأكبر من القراء من مريدي الكوميكس ومريدي الرواية.