فخ الذكاء مصيدة الأفعال الغبيّة: لماذا يرتكب الأذكياء حماقات وأخطاء يتلافاها من هم أقل ذكاءً منهم؟
6 د
لعلّك عزيزي القارئ قد سبق وتعرّضت للوقوع في فخ الذكاء وتساءلت خجلاً من نفسك لماذا تقوم بفعل أشياء غبيّة بهلوانيّة خارجة عن نطاق سيطرتك، سرعان ما ينقلب هذا التساؤل إلى حيرة وشكّ بذاتك وحقيقتك، فلا أحد يرغب في أن يقال عنه عكس اعتقاده بنفسه، لكن من ناحية أخرى، قد يلجأ البعض لاتباع سياسة تجاهل ردة فعل المحيط على تصرفاتهم تحت لواء الإنكار وعدم الاعتراف بحقيقة أفعالهم المثيرة للاستغراب من منطلق حماية دائرة الأمان والسلام الداخلي الخاصّ بهم.
جميعنا يعرف على الأقل شخصاً ذكيّاً أو ربما يدّعي الذكاء، فلا يخفى عليك أنّ مجتمعنا يضج بأنواعٍ متفاوتة من نسب الذكاء، حيث يعتبر الجميع أنفسهم على ذروة الهرم أو أعلى بقليل، وبالطبع سيكون من الصعب للغاية الحصول على تقييم دقيق وشاملٍ للذكاء من حولنا.
الارتباط بين الذكاء ومدى الرضا والنضج السلوكي
لا يمكن إنكار مزايا الذكاء وامتيازاته، فالأشخاص الأذكياء يحصلون على درجات أفضل، ويصلون بسهولة إلى أعلى المراتب الجامعيّة المتقدمة، وفي الغالب هم الأكثر تحصيلاً للنجاح والترقي في العمل، لكن مقابل تلك المزايا الفريدة لا يمكن التنبّؤ بأبعاده على مستويات الحياة العامّة كالعقلانية والرفاهيّة والسعادة والرضا، فالعديد من الدراسات والأبحاث الواسعة فشلت في العثور على دليل واضح يربط بين معدّل الذكاء والنضج العاطفي والسلوكي.
أنت تكون ذكيّاً لا يعني بالضرورة أن تكون عقلانيّاً
هناك خيطٌ رفيع يفصل بين الذكاء والعقلانيّة، والتاريخ يشهد على هذه المقولة، فالكثير من عباقرة العالم لم يتوانوا عن إظهار أفعالهم وتصرفاتهم بشكلٍ مثير للاستغراب يضع الكثير من علامات الاستفهام والتعجب حول حقيقة خلفيتهم المعرفيّة.
الحواجز العائقة في عقلية الأذكياء
- الثقة المفرطة: إنّ السياسة المستمرّة في مواصلة الثناء والتربيت على الكتف تقود الأشخاص الأذكياء إلى تطوير إيمان راسخ بذكائهم وقدراتهم، فمن السهل أن تتوقّع أن تسير الأمور بطريقتك دائماً وهنا تكمن الخطورة، فغالباً ما يفشل الأشخاص الأذكياء في التعرف على متى يحتاجون إلى المساعدة لأنهم يميلون إلى الاعتقاد بعدم وجود شخص آخر قادر على توفيرها سواهم.
- الحاجة الدائمة إلى أن يكونوا على حقّ وصواب: من الصعب على أيّ شخص أن يقبل بلطف حقيقة أنّه مخطئ، فما ظنّك بالنسبة للأشخاص الأذكياء الذين اعتادوا على أن يكونوا على صواب طوال الوقت بحيث أصبح ذلك جزءاً من هويتهم، فاتّهامهم بالخطأ أو السخرية من سلوكهم يمكن أن يكون بمثابة هجوم شخصي لا تحسب عقباه.
- الافتقار إلى الذكاء العاطفي: عندما يفتقر الشخص الذكي إلى الذكاء العاطفي سيكون الأمر واضحاً بشكلٍ مؤلم، ستقتصر نظرتهم إلى العالم على أنّه نظام جدارة واستحقاق، فالإنجازات هي كلّ ما يهم والناس والعواطف تقف فقط كحواجز وعثرات في طريقهم.
- الاستقلاليّة التامّة والعزلة: غالباً ما يفشل الأشخاص الأذكياء في تطوير أنظمة الدعم الصحية التي بدونها يمكن لأي شخص أن يبدأ في الانزلاق والوقوع في شرك المنحدرات الجائرة عندما يواجه صعوبات أو يخطئ في تقدير شيء كبير أو يقع ضحية لأفعال الآخرين.
- الرغبة الملحة بدفع الناس إلى تقليدهم والعمل على خطاهم: يطوّر الأشخاص الأذكياء شخصيات متفوّقة على نفسها، لأنّ أصعب الأمور تُحلّ لديهم بسهولة، إنّهم ببساطة لا يفهمون مدى صعوبة عمل بعض الأشخاص لتحقيق نفس الإنجاز أو التطوّر، فلا يتوانوا عن دفع الناس بشدة ورفع سقف التوقعات المطلوبة منهم واتّهامهم بالتقصير وعدم بذل الجهد الكافي مثلهم.
- عدم تقبّل الملاحظات والنقد: يميل الأشخاص الأذكياء إلى التقليل من أهميّة آراء الآخرين، من وجهة نظرهم لا يوجد شخص مؤهّل لمنحهم ملاحظات مفيدة، هذا العقليّة لا تعيق نموّهم وأدائهم فحسب، بل يمكن أن تؤدّي إلى علاقات سامّة على الصعيدين الشخصي والمهني.
الأسباب التي تدفع الأذكياء إلى الوقوع في فخ الذكاء عبر أخطاء غير مألوفة
بعد عقودٍ من الدراسات والأبحاث، توّصل العلماء إلى فهم الأسباب الكامنة وراء التصرفات غير المبررة ظاهرياً التي يقع ضحيتها الأشخاص الأذكياء.
كان Shane Frederick في جامعة Yalo أوّل من توّغل في هذا المضمار موضّحاً ذلك في دراساته التجريبيّة، حيث أعطى فريدريك الناس مسائل بسيطة لحلها، على سبيل المثال: لتكن تكلفة خفاش وكرة دولاراً وعشرة سنتات. والخفاش يكلف أكثر من الكرة بمقدار دولار واحد، فكم تكلفة الكرة؟
وجد فريدريك أنّ الكثير من الأشخاص الخاضعين للتجربة والمصنفين على لوائح الذكاء لديهم ميل لاختيار الجواب الخاطئ بثقة مع كامل الإصرار على أنّ تكلفة الكرة هي عشرة سنتات بالطبع عرفت أنّ الكرة تكلّف خمسة سنتات، نسبةٌ لا بأس بها من الأشخاص كانوا يضخمون الإجابة الخاطئة.
ومن منظور علم النفس أيضاً، انطلقت التساؤلات من قبل علماء النفس من جامعة جيمس ماديسون وجامعة تورنتو حيث أعطوا اختبارات مماثلة من المنطق إلى مئات الأشخاص وقارنوا دقة إجاباتهم مع مستويات الذكاء، حيث وجد الباحثون أن الأشخاص الأذكياء كانوا أكثر عرضة لإلغاء الإجابة الخاطئة لأنهم يرتكبون بالفعل المزيد من الأخطاء العقلية عند حل المشكلات.
بناءً على ذلك جاءت الأسباب كالتالي:
- الأشخاص الأذكياء أكثر عرضةً للأخطاء السخيفة بسبب النقاط العمياء في كيفيّة استخدامهم للمنطق.
- الانحياز اللاواعي والثقة المفرطة في قدراتهم العقلية دوناً عن أيّ شيء آخر.
- تبني سياسة الاعتياد على أن يكونوا على صواب بغض النظر عن احتمالية وقوعهم في الأخطاء الطبيعية كغيرهم من الناس.
- امتلاكهم الإجابات السريعة الجاهزة بحيث لا يدركون ما يقومون به من تهوّر وتسرّع بالأحكام المسبقة المقولبة.
اقرأ أيضًا: التسويق الذكي.. كيف تؤثّر تقنيات الذكاء الاصطناعي على قطّاع التسويق؟
ما الطرق التي يمكن أن تساعد على تجنّب الوقوع في فخ الأخطاء المتكررة
- تحديد المشكلة والتصالح مع العيوب: نستنتج من القول الشهير لسقراط “لا أعرف شيئاً سوى شيءٍ واحد وهو أنّني لا أعرف شيئاً” أنّ السبيل الوحيد لحلّ أي معضلة هو الاعتراف بوجودها ومن ثمّ محاولة فهم الجوهر الأساسي الذي تنبع منه، وإخماد كلّ نيران الشك والحيرة التي تعكّر صفاء الفكر ونضج العقل، بهذه الطريقة نكون قد قطعنا نصف الطريق على أنفسنا.
- اتّباع منهج EBW (Evidence_ Based_ wisdom) : ينطوي مفهوم الحكمة القائمة على الدليل على تحديد طرق التفكير والقدرات المعرفية المستندة على الحجج والبراهين، ممّا يمّهد الطريق إلى استكشاف نقاط الضعف الكامنة وراء فشل الحدس في كثيرٍ من الأحيان في تقدير المجرى الفطري لكيفيّة تحرّك العالم وإيقاع الأمور والأحداث من حولنا، كما يقدّم هذا المنهج حلولاً تصاعدية لرفع الحصانة عن الشهوات المكبوتة وراء هاجس الخوف والهوس، في محاولةٍ عقلانيّة منطقية لضبط الغرائز والشهوات المضلّة.
- تأسيس أنظمة دعم صحيّة: ليس عليك إلاّ أن تضع نفسك بشكل منهجي في صحبة الأشخاص الأكثر نضجاً وكفاءةً، أولئك الناس المطبوعون على حبّ الخير والتعاون هم منارتك المضيئة عندما تتوه بك سفينة الحياة.
لا يخفى على أحدٍ أنّ أعظم مواهب الحياة بما في ذلك الذكاء العالي قد تأتي مع بعض التحديات المثيرة، فإذا لم تكن على استعدادٍ لإلقاء نظرة صادقة مجرّدة من الأحكام المسبقة على الصورة بأكملها، فأنت تبيع نفسك وحقيقتك الأصليّة التي خُلقت بها في مهبّ الرياح، وهذا بالطبع ليس من شيم الحكماء والأذكياء.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.