ما هي التراجيديا
التراجيديا (Tragedy) أو المأساة؛ قد تتمثّل في مسرحيةٍ أو دراما تعالج مشاكلَ شخصيةً أساسيةً، وتؤدي إلى نهاياتٍ حزينةٍ أو كارثيةٍ ناتجة عن القدر والخلل المأساوي في هذه الشخصية، كما هو الحال في الدراما القديمة، أو بسبب الضعف الأخلاقي أو الخلل النفسي أو الضغوط الاجتماعية، في الدراما الحديثة.
الأصل القديم للتراجيديا
كلمة التراجيديا مشتقةٌ من الكلمة اليونانية Tragoidia، والتي تعني بالحرف "أغنية الماعز" وتسمى بهذا الاسم لأنّ فناني المسرح في اليونان القديمة كانوا يرتدون أزياء جلد الماعز لتمثيل شخصيّة ساتير (Satyr) المصاحبة لعددٍ من آلهة الإغريق قديمًا.
في أي قصةٍ تراجيديةٍ عادةً ما يبدأ السرد مع البطل وهو في ذروة نجاحه فهو محترمٌ وسعيدٌ، ولكنه سيواجه بعض المشكلات، والتي ستؤدي في النهاية إلى سقوطه، لتنحدر القصة تدريجيًّا بالبطل من العظمة إلى الدمار، حيث ينتهي به الأمر بمعزلٍ عن جميع أصدقائه ورفاقه. ستشعر بالحزن العميق والشفقة على البطل، لكنك أيضًا ستدرك بأن القصة تحذرك من أن تقع بنفس المشكلات التي أسقطت البطل في نهاية القصة.
قد يستخدم الناس كلمة المأساة (كإشارةٍ إلى التراجيديا في العربية) لوصف أي حدثٍ حزينٍ، فقد نقول أنّ حدث تحطم طائرة ركّاب، أو تسونامي كان مأساويًّا، لكن في الأدب، للكلمة معنى أكثر تحديدًا من ذلك، وأعمق من معاني الألم والحزن.
اقرأ أيضًا: تعريف المسرح ونشأته وأنواعه وأهم عناصر المسرحية.
وظيفة التراجيديا في الأدب
تسمح التراجيديا للجمهور بالتنفيس عن عواطفهم بينما تتكشف الأحداث المأساوية في القصة، وتسلط الضوء على الجوانب السلبية للحياة، ويمكن للجمهور التعلم من الأخطاء التي ارتكبتها الشخصيات، والتي أدت في النهاية إلى زوالها واضمحلالها أو أفول نجمها.
التطوّر الأدبي والزمني للتراجيديا
التراجيديا اليونانية
مصطلح التراجيديا يونانيٌّ في أصوله، ويعود تاريخه إلى القرن الخامس قبل الميلاد، إذ استخدمه الإغريق لشكلٍ معينٍ من المسرحيات التي يتم عرضها في المهرجانات. دعمت الحكومات المحلية هذه المسرحيات التي كانت تحاط بجوٍ من الطقوس الدينية بحضور الجماهير والكاهن الأكبر، وقد استمدت التراجيديا اليونانية ـ ولاسيما الإلياذة والأوديسة ـ مواضيعها من أبطال التاريخ والأساطير الدينية، وكان أهم المسرحيين اليونانيين البارزين الثلاثة إسخيلوس (Aeschylus)، سوفوكليس (Sophocles)، ويوربيديس (Euripides).
بدوره؛ عرّف أرسطو التراجيديا ـ في كتابه فنّ الشعر ـ على أنها محاكاةٌ لفعلٍ يثير الإعجاب، كامل وله حجمٌ معينٌ، وبلغةٍ ممتعةٍ يتم فصل كلٍّ من أنواعه في أجزاءَ مختلفةٍ، وهو ليس سردًا بل يؤديه ممثلون، ويؤدي إلي التطهير بإثارة مشاعر الخوف والشفقة، وبالتالي فإن التراجيديا في مؤلفات أرسطو تهدف إلى تطهير العواطف البشرية أو التنفيس (Catharsis)، أي التحرر من التوتر العاطفي، بعد تجاربَ قاسيةٍ تنتعش الروح بعدها.
التراجيديا الإنكليزية
ظهرت أول تراجيديا إنجليزية عام 1561، كتبها توماس نورتون (Thomas Norton)، وتوماس ساكفيل (Thomas Sackville)، وتروي تلك المسرحية قصة ملكٍ بريطانيٍّ ومعاناته على يد أبنائه العصاة، وتكمن أهميّتها في أنها حولت أسلوب الدراما الإنجليزية، من المسرحيات الأخلاقية والغموض، إلى كتابة التراجيديا في العصر الإليزابيثي، ولعلّ من أهم المسرحيين الإنكليز:
- كريستوفر مارلو (Christopher Marlowe): الأبطال في مؤلفاته عظماء التاريخ، يمسون ضحايا أقدراهم، من أعماله:
- تيمورلنك (Tamburlaine).
- إدوارد الثالث (Edward III).
- يهودي مالطا (The Jew of Malta).
- دكتور فاوست (Doctor Faustus).
- وليم شكسبير (William Shakespeare): الأكثر شعبيةً بين جميع الكتاب المسرحيين، وقد تعرّف على أسلوب المأساة اليونانية واستخدم العديد من المواضيع اليونانية ولكنه عدّلها لغرضه، وانتهك عمدًا وحدة العمل ومزج الأعمال المأساوية مع الكوميديا، ومن أهم أعماله حول التراجيديا نجد:
- هاملت (Hamlet).
- عطيل (Othello).
- الملك لير (King Lear).
- أنتوني وكليوباترا (Antony and Cleopatra).
- مكبث (Macbeth).
- ترويلوس وكريسيدا (Troilus and Cressida).
- جون ويبستر (John Webster): كان كاتبًا مسرحيًّا صمم مآسيه على نموذج شكسبير، ومن مؤلفاته:
- تيتوس أندرونيكوس (Titus Andronicus).
- دوقة مالفي (The Duchess of Malfi).
- الشيطان الأبيض (The White Devil).
- آرثر ميلر (Arthur Miller): وهو كاتبٌ مسرحيٌّ وكاتبٌ أمريكيٌّ مشهورٌ ومن أعماله الشهيرة:
- كلهم أبنائي (All My Sons).
- موت بائع متجول (Death of a Salesman).
الفرق بين التراجيديا اليونانية والتراجيديا الإنكليزية
تركز التراجيديا اليونانية على موضوعٍ جادٍ ومؤامرةٍ، وأبطالها عظماء متساوون مع الآلهة في أهميتهم وتهدف إلى التعليم الديني. في حين نجد في التراجيديا الإنكليزية عدة خطوطٍ تتطور في نفس الوقت إلى مؤامراتٍ ومخططاتٍ فرعيةٍ، أبطالها من جميع مناحي الحياة، وهي مزيجٌ من الكوميديا والتراجيديا، هدفها تعليميٌّ لقضايا دينية أو أخلاقية، على الرغم من أن هدفها الأساسي هو الترفيه.
تطورت التراجيديا مع تطور الرواية، حيث نقلت رواياتٌ مثل مرتفعات ويذرينغ (Wuthering Heights) لصاحبها إيميلي برونتي (Emily Brontë)، والجريمة والعقاب لفيودور دوستويفسكي، وغاتسبي العظيم لسكوت فيتزجيرالد، عناصر المأساة إلى الشكل السردي، ورغم عدم اتباعها المنحى ذاته للشخصية الدرامية للمسرحية، إلا أن الروايات المأساوية تناولت الأسئلة الدينية والنفسية العظيمة المحيطة بالمعاناة الإنسانية، ولا تزال التراجيديا حتى اليوم نوعًا أدبيًّا يحظى بتقديرٍ كبيرٍ، وذلك مع استمرار القراء في الاستمتاع بالمآسي المكتوبة منذ آلاف السنين، ومع استمرار إنتاج أشكالٍ جديدةٍ من هذا الأدب. .
يمكن اعتبار رواية The Fault in Our Stars للكاتب John Green عام 2012 على أنها أحد أمثلة التراجيديا الحديثة، ففي هذه الرواية يلتقي مراهقان مصابان بالسرطان خلال إحدى مجموعات الدعم الخاصة بالمرضى ويقعان في الحب، لتنتهي القصة بشكلٍ مأساويٍّ بموتٍ غير متوقعٍ لأحد العشاقَين، ويُصار إلى تحويل الرواية لاحقًا إلى فيلمٍ حمل الاسم ذاته من إخراج Josh Boone في عام (2014). .