بحث عن الحث الكهرومغناطيسي
افترض أنك ذهبت للتسوق مع والديك، ولكنهما لا يحملان النقود عادةً، بل يستخدمان بطاقة يدفعان عن طريقها، حيث، وبعد شراء الحاجيات، يعطيان البطاقة لصاحب المتجر، ويقوم هو بمسح البطاقة ضوئيًا على آلة، لا يصورها أبدًا ولا ينقر عليها، فقط يقوم بتمريرها. لمَ يقوم بذلك؟ وكيف تُخصَم الأموال من البطاقة؟ في الحقيقة، كل ذلك يحدث بفعل الحث الكهرومغناطيسي، ولا يتوقف ذلك على بطاقة الائتمان، بل هناك الكثير من التطبيقات التي تستخدم الحث الكهرومغناطيسي.
مفهوم الحث الكهرومغناطيسي
الحث الكهرومغناطيسي هو عملية يتم فيها تثبيت موصل كهربائي في موضع معين من مجال مغناطيسي متحرك، أو تحريك موصل في مجال مغناطيسي ثابت، وينتج عن ذلك جهد أو قوة دافعة كهربائية (Electromotive Force) واختصارًا EMF، ونسمي هذا التحريض الذي تولده القوة الدافعة الكهربائية بعملية الحثّ الكهرومغناطيسي (Electromagnetic Induction).
أول مُكتشف لظاهرة الحثّ هو العالم مايكل فاراداي (Michael Faraday)، كان ذلك في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، عندما لاحظ فاراداي أنه عندما يحرك مغناطيسًا داخل وخارج ملف أو حلقة من الأسلاك، فإنه يتسبب بجهد كهربائي، وبالتالي إنتاج تيار يمكن قياسه، وهنا بدأت دراسات فاراداي تتوسع بشأن ظاهرة الحثّ، حيث كان ما اكتشفه طريقة لإنتاج تيار كهربائي باستخدام قوى المجال المغناطيسي فقط ولا حاجة للبطاريات.
مبدأ الحث الكهرومغناطيسي
لنبدأ مع سلك أو قضيب مستقيم هو الموصل، عندما نمرر تيارًا كهربائيًّا في هذا الموصل، تلقائيًا تنشأ قوّة مغنطة ومجال مغناطيسي ساكن حول هذا القضيب. إذا قمنا بعد ذلك بلف السلك بملف، سيتم تكثيف المجال المغناطيسي المُنشأ بشكل كبير لدرجة أنه سيتشكل مجال مثبّت حول نفسه ويعطي قضيبًا ذو قطب شمالي وجنوبي كما في الشكل.
هذا التدفق المغناطيسي حول الملف متوافق تمامًا مع كمية التيار المتدفقة في لفات الملف، وإذا وضعنا أو ضاعفنا عدد طبقات لف إضافية من الأسلاك على نفس الملف، وبمرور نفس كمية التيار، ستزداد قوة المجال المغناطيسي الثابت. ولهذا يمكننا استنتاج أنه يمكن تحديد شدة المجال المغناطيسي للملف بواسطة عدد لفات الأمبير المطبقة.
والآن، إذا قطعنا التيار الكهربائي عن الملف بشكل نهائي، وبدلًا من تركه مجوّف، نضع قضيب مغناطيسي داخل قلب ملف السلك. بتحريك هذا القضيب إلى الداخل والخارج من الملف، سيتم تحفيز تيار كهربائي داخل الملف، وذلك بفعل الحركة الفيزيائية للتدفق المغناطيسي داخله. وبالمثل، إذا أبقينا على القضيب المغناطيسي ثابتًا، وحرّكنا الملف ذهابًا وإيابًا داخل المجال المغناطيسي المتشكل، فسيتولد تيار كهربائي داخل الملف، وبعد ذلك، إما عن طريق تحريك السلك أو تغيير المجال المغناطيسي، نولّد جهد وتيار داخل الملف، وهذا ما نسميه عملية الحث الكهرومغناطيسي، والتي هي المبدأ الأساسي لتشغيل المحركات والمولدات والمحولات.
قانون فاراداي للحث الكهرومغناطيسي
لدينا كما في الشكل، ملف، ومقياس جلفانومتر، ومغناطيس، وسنعمل على خلق الحث الكهرومغناطيسي بواسطة مغناطيس متحرك.
إذا حركنا المغناطيس باتجاه الملف، فإن أبرة أو مؤشر الجلفانومتر ستنحرف بعيدًا عن الصفر باتجاه واحد، وإذا ثبتنا المغناطيس في تلك اللحظة، سترجع الأبرة وتعود لوضعها المركزي، الصفر. إذا عاودنا الكرّة ولكن في الاتجاه الآخر، أي حركنا المغناطيس بعيدًا عن الملف، نرى أن الأبرة تنحرف أيضًا عن موضعها الصفري، ولكن هذه المرة في الجهة الأخرى المعاكسة للأولى، وذلك بسبب التغيير في القطبية. كذلك الأمر إذا ثبتنا المغناطيس وحركنا الملف.
هذا التحريك يؤدي إلى إحداث جهد مستحثّ في الملف، تتناسب كميته مع سرعة الحركة أو التحريك، فكلما كانت حركة المجال المغناطيسي أسرع زادت EMF المُستحثّة. من كل ما سبق، يمكننا استنتاج العلاقة بين الجهد الكهربائي والمجال المغناطيسي المتغير، وتأطيرها في قانون فاراداي الشهير للحث الكهرومغناطيسي:
قانون فاراداي للحث الكهرومغناطيسي: يمكن الحصول على جهد مُستحَثّ في دارة كهربائية، عند تطبيق حركة نسبية بين موصل كهربائي ومغناطيس، ويتناسب حجم هذا الجهد مع معدل تغير التدفق المغناطيسي
إذن، يمكننا تحديد مقدار الجهد EMF الذي يمكن إحداثه في الملف بواسطة تغير التدفق المغناطيسي من خلال ثلاثة عوامل رئيسية:
- زيادة عدد لفات السلك في الملف: نزيد عدد الوصلات الفردية التي تقطع المجال، وبالتالي ستكون كمية القوة الدافعة الكهربائية المستحثة تضاهي مجموع الحلقات الفردية للملف، مثلًا، إذا كانت هناك 20 لفة في الملف، سيتضاعف EMF عشرون مرة.
- سرعة الحركة النسبية بين الملف والمغناطيس: إذا زادت سرعة مرور الملف عبر المجال المغناطيسي، فسيقطع السلك خطوط التدفق المغناطيسي بسرعة أكبر، وبالتالي سيتم إنتاج EMF بمعدل أكبر.
- زيادة قوة المجال المغناطيسي: إذا كان المجال المغناطيسي الذي يمر منه نفس الملف بنفس السرعة السابقة، أقوى، فسينتج المزيد من EMF، وذلك بسبب توفّر المزيد من خطوط القوة اللازم قطعها.
الصيغة الرياضية للحث الكهرومغناطيسي
رياضيًا، يمكننا صياغة الجهد المُستَحَث بالعلاقة أدناه:
e = N × dΦ / dt
حيث:
تطبيقات على الحث الكهرومغناطيسي
هناك تطبيقات كثيرة في الحياة تعتبر خير أمثلة على عملية الحث الكهرومغناطيسي، تشمل:
- المولدات الكهربائية.
- المحولات الكهربائة.
- المحركات الكهربائية.
- الشحن اللاسلكي.
- التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS)، تطبيق طبي حيث يوضع مولد مجال مغناطيسي بالقرب من الشخص المريض.
- قارئ بطاقات الائتمان.
- الطبّاخ التحريضي (Induction Cooktop)
سنشرح بالتفصيل المثالين الأخيرين.
قارئ البطاقات الإلكترونية
سواء كانت بطاقات ائتمان أو خصم، تعتمد آلة التمرير على مبدأ الحث الكهرومغناطيسي في عملها، حيث تحتوي البطاقة على شريط مغناطيسي على الجانب الخلفي منها، يسمى هذا الشريط Magstripe؛ أو بمعنى الجزء المُمغنَط، ويتكون من جزيئات مغناطيسية صغيرة جدًا، حيث يبلغ حجم هذه الجزيئات حوالي 20 مليون جزء من الإنش، وتتوزع في اتجاهات الشمال والجنوب، بحيث يعمل هذا الشريط بمثابة قضيب مغناطيسي يكون أحد طرفيه هو القطب الشمالي والآخر هو الجنوبي.
طبعًا، عند وجوب الدفع، يقوم عامل المحاسبة بتمرير البطاقة من جهة هذا الشريط عبر القارئ، والذي هو عبارة عن ملف التقاط يعمل كحلقة مغلقة، ويحدث تغييرًا في التدفق المغناطيسي في اتجاه واحد، ويتم إنتاج تيار يؤدي إلى وصول المعلومات المخزنة في السجلات المعنية بالأمر.
الطباخ التحريضي
في الطباخ التحريضي، تكون لفائف النحاس بمثابة موصل، عند تشغيل الجهاز، يولد التيار الكهربائي المتناوب الذي يمر عبر الملف مجالًا مغناطيسيًا حول الملف. عندما نضع إناء الطهي على السطح المخصص للطهي في الطبّاخ، يعمل التيار المُستحث على تبديد بعض طاقته على شكل حرارة، وهكذا تنتقل الحرارة إلى الإناء بشرط أن يكون الإناء مصنوع من معادن مغناطيسية حديدية، مثل الحديد أو الفولاذ المقاوم للصدأ، لا تستخدم إناء من النحاس أو الألمنيوم إلا إذا تمكنت من إضافة طبقة أسفل الإناء تكون مغناطيسية.