كيف يؤثر الإنسان على البيئة

روان سالم
روان سالم

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

يشير مصطلح البيئة (Environment) إلى محيطنا المادي، وخصائص المكان الذي نعيش فيه، بل يتعدى ذلك ويشمل العالم الطبيعي الأوسع، الأرض والبحر والغلاف الجوي. لطالما كانت علاقة الإنسان مع البيئة غير عادلة أبدًا – برأيي – فمنذ سار الإنسان العاقل لأول مرة على سطح الأرض، قام بإجراء التعديلات على البيئة من حوله من خلال نشاطات كثيرة، لدرجة أن العلماء يعتقدون أن ما يسمى “الطبيعة البكر” أو بمعنى النُظُم البيئية التي لم تمسّها تدخلات الإنسان، لم تعد موجودة. لكن، كيف أثّر – وما زال يؤثر – الإنسان على البيئة؟.


الإنسان والبيئة

منذ آلاف السنين، منذ عهد أسلافنا الأوائل، تفاعل البشر مع البيئة بعدّة طُرُق كان فيها الإنسان الطّرف المُستغلّ، سواء في طُرُق الزراعة أو المواد التي قدمها للبيئة والتغييرات التي أجراها على أرضها، قام بتغيير البيئة، وإذا أردنا البدء بمثال صغير، فهو تقطيع الغابات لتسوية الأرض وتحضيرها لزراعة المحاصيل فيها لعدة قرون.

ولكن يمكن القول هنا إنّه حتى تلك اللحظة، أي قبل عمليات التصنيع وإنشاء المصانع والتقدم التكنولوجي، لم تكن تأثيرات النشاط البشري على البيئة مهولة جدًا، لأن التقنيات البدائية التي كانت مُستخدمة، لم تقدر على تعديل البيئة على نطاق واسع، كانت ذات تأثير بيئي سلبي محدود، ولا يمكننا إنكار تأثير البيئة على الإنسان بعدة طُرُق أيضًا، الزلازل والفيضانات والجفاف، كلها تؤثر على المنازل والممتلكات الزراعية.

ولكن تغيّرت علاقة الإنسان بالبيئة مع بداية عمليات التصنيع والتكنولوجيا التي ظهرت حديثًا، والتي بدأت في القرن الثامن عشر في المملكة المتحدة، ثم في أماكن أخرى من أوروبا وأمريكا الشمالية، ولم تلبث أن انتشرت في جميع أنحاء العالم. يستخدم الجميع الآن المناشير القوية لقطع الأشجار، والأسمدة الكيماوية لتعزيز التربة، والمبيدات الحشرية الصناعية للقضاء على الحشرات التي تفتك بالمحاصيل. أدت هذه التغييرات بمجملها إلى زيادة تأثير الإنسان السلبي على البيئة بشكل متسارع.

الروابط بين نشاطات الإنسان والبيئة معقّدة نوعًا ما، ولكن إذا أردنا تصنيف هذه النشاطات في نوعين رئيسيين، فينتج لدينا:

  1. استخدام الموارد الطبيعية: مثل استخدام الأرض والمياه والتربة والمعادن والمحيطات والحيوانات.
  2. إنتاج النفايات: عن طريق مجموعة الأنشطة التي يقوم بها الإنسان، من زراعة ووصناعة وتعدين، وحتى نفايات الإنسان نفسه!.

كيف يؤثر الإنسان على البيئة

سنتحدث هنا عن عدة نقاط رئيسية تبين تأثيرات الإنسان السلبية على البيئة:


الانفجار السكاني

أثر الاكتظاظ السكاني على البيئة لمئات السنين، وكان هذا المؤشر مصدر قلق للعلماء منذ عام 1798، وتبيّن ذلك جليًّا عندما نشر الباحث السكاني والاقتصادي توماس مالتوس (Thomas Malthus) لأول مرة اكتشافه، والذي يبين فيه أنه وبدون ابتكار تكنولوجي متطور ومستمر، سيفوق عدد السكان الإمدادات الغذائية للكوكب.

لذا، كانت محاولة استيعاب النمو السكاني الكبير هذا، سببًا جذريًا لكثير من التأثير البشري الذي تركناه على بيئتنا، حيث منذ أن أقرّ مالتوس بمخاوفه الخطيرة، تسارعت التطورات التكنولوجية وخلقت سيفًا جديدًا ذو حدين، وهما الصحة والوفرة. وهذا أدى إلى تطورات كثيرة على حساب البيئة، كان من شأنها المحافظة على الإنسان، وصارت إمداداتنا الغذائية اليوم داعمة للحياة أكثر من أي وقتٍ مضى، ولا ننسى التقدم في مجال العلوم الطبية، ما دعم عمر الإنسان أكثر وأكثر. نحن للأسف لا نرى الآثار الجانبية العميقة لذلك، والتي تتمثل في تقليل معدل دوران السكان، وتوسعهم في الأرض، لذا مع تحسين نوعية حياة السكان ومتوسط العمر المتوقع، تتسارع التحديات الناتجة عن الانفجار السكاني.


الزراعة والتعديل الوراثي

النتيجة الواضحة لزيادة عدد السكان هي حدوث تقدم ملحوظ في الزراعة، كونها كانت أول ابتكار رئيسي بشري يمكّننا من البقاء كنوع، حيث اعتمدت المناطق المختلفة على زراعة طعامها، إذًا أين يكمن التأثير السلبي للزراعة بذلك؟ الجواب هو في زراعة أنواع غير أصلية في مناطق جديدة، ما نسميها الأنواع الغازية، مثل إدخال نبات الشوفان إلى الأراضي العشبية في كاليفورنيا، ويشمل ذلك الحيوانات ايضًا، فقد أحدثت القطط والجرذان تغييرات جذرية في التنوع البيولوجي في العديد من الجُزُر.

بالإضافة إلى إعطاء الأولوية لزراعة نباتات معينة وتفضيلها على غيرها، لا ننسى تطورات التعديل الوراثي، والتي نتج عنها مخاوف كبيرة بشأن المحاصيل المطوّرة حديثًا، هل هي صحية؟ هل تؤثر على التربة شيئًا فشيئًا؟ كما هناك التغييرات الجينية في الحيوانات المحلية بسبب التزاوج، مثل التزاوج بين الذئاب والكلاب الأليفة.


الحيوانات المدجّنة

بدايةً، لمن لا يعلم ما هو التدجين أو الاستئناس، فهو اكتساب نوع نباتي أو حيواني صفات وراثية نتيجة تفاعله مع الإنسان، أي يتكيف مع الاستخدامات البشرية. ساهم البشر الأوائل بهذه العملية كثيرًا، حيث قاموا بتدجين الماشية والأنواع الأخرى، بما في ذلك الكلاب والقطط، وأثر ذلك على البيئة بتغيير الأرض بطرق عدة، حيث ساهمت حيوانات الرعي في استنزاف الأعشاب المحلية وتآكل التربة، وأدى ذلك بدوره إلى التأثير على غازات الغلاف الجوي، حيث كثُرت أعداد الماشية لتلبية متطلبات الإنسان المختلفة.


التكنولوجيا

لا مفرّ من الآثار البيئية السلبية التي يفرضها استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، فالغرض من التكنولوجيا في الأصل هو التحسين، أي تغيير البيئة أو تحسينها بتحقيق المنفعة التي يتصورها الإنسان، وتشمل التأثيرات التكنولوجية السلبية على البيئة إحداث المصانع ومحطات الطاقة وحرق الوقود الأحفوري. استنفاد المواد سواء المتجددة أو غير المتجددة هو تأثير سلبي آخر للتكنولوجيا، نضوب المياه الجوفية، وإزالة الغابات والتعدين وتلوث المواد العامة.. حيث نقوم نحن البشر باستهلاك الموارد بشكل أسرع مما يمكن تجديده.


إزالة الغابات والإصلاحات المضادة لهذه الإزالة

أي تخريب البيئة ومحاولة إصلاح ما خرّبناه، وبالعودة إلى الانفجار السكاني، أي عدد متزايد من السكان، وهذا بدوره يفرض البحث عن مساحات أكبر لبناء المنازل وإعمار مدن التصنيع، ومن هنا تأتي إزالة الغابات لفتح المجال أمام النمو الحضريّ. تشير آخر الإحصاءات إلى قطع 18 مليون فدّان سنويًا لخلق مساحات للسكن والتطوير، ومن جهة أخرى لاستخدام الأخشاب في الصناعات.

تأثير الإنسان على البيئة بإزالة الغابات له العديد من المخاطر، بما في ذلك انخفاض مستويات غاز الأوكسجين وارتفاع ثاني أوكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى، لا نريد أن نتكلّم عن مخاطر ذلك، كالاحتباس الحراري وتدهور طبقة الأوزون، وهذا ما يسهم بتغير المناخ العالمي وغيره، فهي باتت معروفة، وأضِف إلى ذلك تآكل التربة وتدمير الموائل.

وبالنسبة للإصلاحات التي قاموا بها، بعد أن خربوا هذا التخريب، سعى البعض إلى إعادة التحريج، أي استبدال أكبر قدر ممكن من أراضي الغابات كل عام، حيث يتم استبدال معدل ما مقداره 40% من الأشجار التي تُزال سنويًا، ولكن هنا عدنا إلى النقطة الأولى التي بدأنا بها، وهي تغيير البيئة كليًّا.


التلوث

يشمل التلوث الذي قد يحدثه الإنسان في البيئة تلوث التربة والهواء، وتلوث الماء، ونعني بتلوث الهواء انبعاث المواد الضارة في الهواء بفعل الأنشطة البشرية، وقود السيارات، دخان المصانع، أو أي شيء غريب يمكنه أن يعكّر صفو الهواء، وهذا طبعًا يضر بالبيئة الحيوانية والنباتية والبشرية أيضًا! والتي هي صحتنا العامة.

أما تلوث التربة والمجاري المائية، فيكون على هيئة أنشطة بشرية، النفايات البشرية والمواد الكيميائية الصناعية السائلة وملوثات أخرى، وأقل ما يمكن أن تشكله من خطر على البيئة هو تدهورها ببطء، تشكل الأمطار الحامضية وتشكل الطحالب الضارة في المحيطات والإضرار بكائنات البحار في الأصل.


هل يمكن للإنسان إصلاح تأثيره السلبي على البيئة؟

كما قلنا، التأثير البشري على البيئة سيف ذو حدين، فالمتطلبات البشرية النامية تفرض الاعتماد على البيئة واستخدامها وتغييرها، ونحن على مر الزمان غيرنا البيئة إلى الأبد، ولكن أعتقد أنّ بإمكاننا إصلاح أخطائنا وتغيير بيئتنا إلى الأفضل، من خلال حركات بسيطة مثل تركيب محطات معالجة مياه الصرف الصحي، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، ويمكننا الاستفادة من التكنولوجيا – على الرغم من آثارها السلبية – بشكل حثيث لإعادة إعمار البيئة. في النهاية، إذا أردت التطور في مجال ما، فسيكون على حسابِ مجالٍ آخر غالبًا، ولكن يمكنك أن تكون أكثر إنسانية وتحاول إصلاح ما دمرته فيما بعد.

هل أعجبك المقال؟