لماذا يسبح رواد الفضاء في الفضاء؟
تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك
عندما يُذكر انعدام الوزن سرعان ما تتبادر إلى الذهن صورةُ رواد فضاء يسبحون داخل محطات الفضاء، لكن لماذا يسبح رواد الفضاء في الفضاء؟
الجواب البديهي لهذا السؤال هو انعدام الجاذبية في الفضاء الخارجي، إلا أن هذه المعلومة الشائعة جدًا، خاطئة، فالسبب الحقيقي الذي يمكن رواد الفضاء الذين تشاهدهم يسبحون في الفضاء بحرية سواء أكان ذلك ضمن محطة الفضاء الدولية أو خارجها هي السرعة العالية التي تتعرض لها كافة الأجسام الموجودة في مدار الأرض، سواء أكانت هذه الأشياء أجسام رواد الفضاء خارج المحطة الدولية، أو المحطة الدولية بحد ذاتها، ومختلف الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض.
إذ تتحرك كافة الأجسام المتواجدة حول مدار الأرض بسرعةٍ كبيرةٍ لا تقل عن 28160 كم / ساعة، ما يغير من منحى سقوطهم نتيجة قوى الجاذبية، فيتوقف سقوطهم إلى الأسفل باتجاه الأرض، وبالمقابل تتحول حركتهم إلى حركةٍ دورانيةٍ حولها نتيجة دوران الأرض التي يحاولون الاتجاه نحوها بفعل قوى الجاذبية بسرعةٍ تمنعهم من ذلك.
فالجاذبية في الفضاء الخارجي هي ما يبقي كوكبنا في مدارٍ ثابتٍ حول الشمس، وما يبقي القمر في مداره كذلك حول الأرض، ففي حال كانت فرضية انعدام الجاذبية صحيحة، سنشاهد كواكب المجموعة الشمسية تتحرك في الفضاء الخارجي الشاسع دون أي قيود، كما ستفقد الأرض رفيقها الوحيد وهو القمر، الذي سيبتعد عن الأرض ليبدأ حركته بحرية دون أي قيود تجذبه إلى الأرض.
الوزن والجاذبية
اهتمّ العلماء والباحثون بتفسير جميع مايحصل للرواد وهم في الفضاء وأبرز ذلك هو انعدام وزن الرائد أو مايعرف بسباحة الفضاء حيث نراهم خارج الأرض وهم يسبحون وكأن ليس لهم ثقلٌ، ولمعرفة سبب ذلك وجب التطرق إلى مفهوم الوزن، والذي يعرّف بأنه مقدار المادة المكونة للجسم، ويعتمد على كتلة الجسم وهو على الأرض إضافةً لمقدار قوة الجذب بين كتلة الجسم وكتلة الأرض والتي تدعى بالجاذبيّة، ويمكن لهذه القوة أن تعمل دون اتصالٍ مباشرٍ بين الجسم والأرض ولكن يجب أن تكون قوة ثانية تدفع الجسم للأعلى وهي معاكسة للجاذبية، وفي الفضاء يبقى الرواد تحت تأثير الجاذبية لأنهم ما زالوا يملكون وزنًا بالرغم من ضعف قوة الجاذبية في المدارات الفضائيّة أكثر من سطح الأرض، ولكنهم لا يشعرون بكتلتهم نتيجةً لفقدان وجود القوة الثالثة، وأيضًا لايشعرون بوزنهم بسسب وجود سرعة حركة الأجسام الدائريّة بحيث تبقى تدور حول الأرض بشكلٍ دائريٍّ.
ما هي الجاذبية المصغرة؟
ربما قد شاهدت رواد الفضاء حول محطة الفضاء أو الأقمار الصناعية يسبحون في حالةٍ كأنهم بلا وزنٍ، أو يقومون بتحريك بعض الأجسام الثقيلة جدًا التي تزن مئات الكيلوغرامات وكأنها بوزنٍ خفيفٍ، فعلًا يبدون وكأنهم بلا وزنٍ ولكن هذا الكلام مُضللٌ نوعًا ما، والسبب الرئيسي الذي يجعلهم يطفون هو ما يُسمى اصطلاحًا بالجاذبية المُصغرة لوصف الحالة التي تبدو فيها الأجسام بلا وزنٍ.
لا تنجم الجاذبية المُصغرة عن الانخفاض الكبير في الجاذبية الأرضيّة مع الارتفاع، فالجاذبية الأرضية عند محطة الفضاء الدولية تُعادل ما يقارب 90% من الجاذبية الفعلية على سطح الكرة الأرضية، وإنما يُستخدم هذا المصطلح لوصف حالةٍ تشبه انعدام الوزن تنتج عن السقوط الحر للأجسام.
يقوم مبدأ السقوط الحر لأي جسمٍ على أنه وفي حالة انعدام قوى المقاومة الناتجة عن الاحتكاك مع الهواء ستسقط جميع الأجسام تحت تأثير الجاذبية الأرضية بغضّ النظر عن كتلتها، ووفقًا لهذا المبدأ ستسقط مطرقةٌ حديديةٌ وريشةٌ خفيفةٌ إلى الأرض من نفس الارتفاع بنفس السرعة وخلال نفس الزمن، هذا ما يبدو جليًا في بعض المنتزهات التي تحوي أجهزةً يمكنك من خلالها خوض غمار تجربة السقوط الحر.
فيتألف الجهاز من حُجرةٍ أو مقصورةٍ تُسقَط على برجٍ طويلٍ بسرعة السقوط الحر، وأثناء السقوط ستطفو فيها جميع الأجسام كأنها بلا وزنٍ، إذ أن الأجسام في المقصورة أثناء السقوط تكون ساكنةً بالنسبة لبعضها فتبدو كأنها تطفو، وهذا ما يحصل في الفضاء اذ يسقط المكوك والمحطة وأجسام الرواد مع بعضهم باتجاه الأرض بسرعة السقوط الحر ليبدوا على أنهم يسبحون في الفضاء، ولكن وبسبب سرعة دوران المحطة والمكوك حول الأرض تستمر الأجسام بالسقوط ليس نحو الأرض وإنما حولها فلا تتغير المسافة بين المحطة أو رواد الفضاء او المكوك والأرض.
نتيجة السقوط الحر في الفراغ
من الممكن أن تذهب المركبة الفضائيّة بعيداً بما فيه الكفاية عن الأرض بحيث لا يشعر الشّخص الموجود في الداخل بالجاذبية، ولكنّ هذا ليس سبب عَوم الأشياء على مركبة فضائية في المدار، وإنّما لأنهم في حالة سقوط حرّ في الفراغ، فتتسبّب الجاذبية في انخفاض جميع الأجسام بنفس المعدل. والسقوط الحر هو أي حركة لجسم حيث الجاذبية هي القوة الوحيدة التي تؤثّر عليه، فالجسم المتحرك لأعلى لا يعتبر عادة أنّه يسقط، ولكن إذا كان يخضع لقوة الجاذبية فقط، فيقال إنه في حالة سقوط حر. وبالتالي فإنّ محطة الفضاء الدولية تقع في منطقة تخضع للسقوط الحر.
وهنا كتلة الجسم لا تهم، فإذا أسقط شخص مطرقة وريشة، فإن الهواء سيجعل الريشة تسقط ببطء أكثر، ولكن إذا لم يكن هناك هواء، فإنّهما يسقطان بنفس التسارع.