ماذا تعني الميتافيزيقا
لا بدّ أن معظمنا راودته أسئلةٌ غامضةٌ دون أن يجد إجابةً لها، كالأسئلة التي تخص الكون والوجود وما بعد الطبيعة، وإن كنا لاندري، فإن هذه الأفكار والتساؤلات تندرج ضمن ما يُسمى بالتفكير الميتافيزيقي أو الميتافيزيقا اختصارًا، والذي سيكون موضوع مقالنا.
مفهوم الميتافيزيقا
تعتبر الميتافيزيقيا (Metaphysics) فرعًا فلسفيًّا مهتمًّا بالقضايا الوجودية، تلك المتعلقة بطبيعة الحياة، ويمكننا وصفها بأنها أساس الفلسفة أو الفلسفة الأولى كما يسميها أرسطو، فهي حسب قوله الموضوع الذي يتعامل مع الأسباب الأولى ومبادئ الأشياء، وتتمحور الفلسفة الميتافيزيقيّة حول عدة تساؤلاتٍ مثل، ما هو الواقع؟ وكيف نشأ الكون؟ وما هو أصله أو مصدر خلقه؟ وهل هناك إلهٌ (أو العديد من الآلهة أو لا إله على الإطلاق)؟.
قام أرسطو في الأصل بتقسيم الميتافيزيقا إلى ثلاثة أقسامٍ رئيسية، والتي لا تزال مُعتمدةً إلى الآن، وهي:
- علم الوجود (الأنطولوجيا): دراسة الكينونة والوجود، بما في ذلك تعريف وتصنيف الكيانات الجسدية أو العقلية، وطبيعة خصائصها وتغيراتها.
- علم اللاهوت: دراسة الإلهيات، ويتضمن ذلك طبيعة الدين والعالم، والوجود الإلهية، والأسئلة حول الخلق، بالإضافة لمختلف القضايا الدينية أو الروحية الأخرى.
- العلم الكُلّي: دراسة المبادئ الأولى للتفكير والمنطق، مثل مبدأ عدم التناقض.
لاقت الأفكار الميتافيزيقيّة معارضةً كبيرةً من الفلاسفة على مرٍّ العصور، مثل ديفيد هيوم (David Hume) وإيمانويل كانت (Immanuel Kant) وألفرد آير (Alfred Jules Ayer)، ووُصِفَت بكونها غير مجديةٍ وغامضةٍ للغاية، كونها تناقش الأمور المتعلقة بالكون ووجوده، والتي قد تبدو معقولةً ولكن في النهاية نبقى غير قادرين على التحقق منها..
تاريخ الميتافيزيقا
تُعتَبر الميتافيزيقا مجالًا قديمًا ومن الصعب تحديد بدايته، حيث تُرجِّح بعض الآراء بأن الفيلسوف أرسطو كان أول من طرح أسئلة ميتافيزيقيّة، ولكن يوجد العديد من الفلاسفة اليونانيون الأوائل طرحوا النظريات الميتافيزيقية والأنطولوجية، كنظرية العناصر الأربعة (الأرض والماء والهواء والنار)؛ فهي نظريةٌ وجوديّةٌ، وبالتالي فهي تنتمي إلى فئة الميتافيزيقيا.
كما وقد ناقشت الديانات عدة مسائلَ ميتافيزيقيّة، فمثلًا كان التفكير الميتافيزيقي الإسلامي محصورًا بمبدأ التوحيد، الذي ضمن إطاره استخدم الفلاسفة الإسلاميون الاستنتاج العقلاني للتوصل إلى جميع أنواع الاستنتاجات الفلسفية التي لا تزال موضع نقاشٍ حول العالم اليوم، وعلى هذا المنوال انحصرت الأفكار الفلسفية في الديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية والهندوسية والبوذية والطاوية، وتبقى الكونفوشيوسية الديانة الوحيدة التي لا تركز على المبادئ الميتافيزيقيا، كونها تُعتبر أوسع وأكثر من الفكر الميتافيزيقي، لذلك يجادل بعض العلماء بأنه لا ينبغي إدراجها ضمن فئة الأديان.
تغيَّرت طريقة التفكير الميتافيزيقيّة مع القفزة التطورية والعلمية للعالم، فقد أكد العلماء بأن الأفكار المتعلقة بفهم العالم يجب أن تُكشَف وتُثبَت بالتجارب والدراسات، وذلك لكون العديد من العلماء بالعالم يؤمنون بالمادي فقط، لأنه من الصعب أو المستحيل اختبار وإثبات الأفكار حول العالم غير المادي، طبعًا هذا لا ينفي إيمان العلماء بالعالم غير المادي، فالعديد من أعظم العلماء في العالم آمنوا أيضًا بالعالم الروحي، بما في ذلك إسحق نيوتن وألبرت أينشتاين.
عند ظهور نظرية الكم في بداية القرن الماضي، طرح بعض العلماء تطوير ميتافيزيقيا جديدة خاصة بالعالم الكمومي، وذلك لكون الواقع المادي على المستوى الكمي مختلف تمامًا عن الأمور المتوقعة سابقًا، ولكن قد يكون من الصعب فهم المصطلحات الخاصة بفيزياء الكم. لم يتفق العلماء حول الأفكار الميتافيزيقيّة المتعلقة بفيزياء الكم، ولكن المُتفق عليه أن قواعد فيزياء الكم تقوم بتنبؤاتٍ دقيقةٍ بشكلٍ لا يصدق حول ما يحدث بالفعل في الطبيعة، لذا فأن أي أفكار ميتافيزيقية لا تتفق الأقل مع ميكانيكا الكم ربما تكون خاطئةً..
مصطلح الميتافيزيقيا
إن مصطلح الميتافيزيقيا مشتقٌ من عبارة Μετα τα Φυσικα اليونانية والتي تعني ما وراء الطبيعة، ويقال بأنه عندما جمع أندرونيقوس الرودسي (Andronicus of Rhodes) كل أعمال أرسطو وأراد أن يفنّدها، لم يجد عنوانًا لكتاب أرسطو الذي تلا كتابه الطبيعة لذلك سماه ماوراء الطبيعة، أيّ أن الاسم كان نتيجة ترتيب لا أكثر، ولكنه أصاب شيئًا من الأفكار والملاحظات الوجودية المتعلقة بالكتاب.
طرح رواد الفلسفة الوضعانية المنطقية، بأن أطروحات الفلسفة الميتافيزيقيّة لا جدوى لها ولايمكن التحقق من شيءٍ منها، وحسب تعبيرهم بأن ليس لها أي معنى حقًا، ولا يجب أن يتم البحث فيها بجدية، وذلك لكونها تحمل وجها الخطأ والصح، طبعًا يبقى هذا كلام مجرد آراء، والتي من المحتمل ألّا تعجب المؤمنين الذين يعتمدون على الأفكار الميتافيزيقيّة جزءًا من أهم أجزاء حياتهم؛ وبالتالي لا يمكن أن ننفي أو نؤكد أهمية الميتافيزيقا.
الشعر الميتافيزيقي
لا بدّ أن معظمنا سمع أنواعًا مختلفةً من الشعر كالشعر النثريّ والغنائيّ والمسرحيّ وما إلى ذلك، ولكل نوعٍ خصائص ومزايا مختلفة عن الآخر ولكنها تندرج تقريبًا ضمن إطارٍ واحدٍ، أما ما يُسمى بالشعر الميتافيزيقيّ فهو مختلفٌ قليلًا عما ذكرناه، والذي يتميز بخصائصَ معينةٍ:
- غالبًا ما يكون المحتوى غنيًّا ثقافيًّا.
- الصور البيانيّة تكون غريبةً نوعًا ما.
- بالإضافة لاستعمال مفارقات متكررة.
- غنى أبياته بالأفكار المعقدة.
لا يُعتبر شعر الميتافيزيقا نوعًا من الشعر، حتى إن الشعراء الرئيسيين لهذه المجموعة لم يقرؤوا عمل بعضهم البعض، وحتى لم يعرفوا أن شعرهم يندرج تحت هذا التصنيف.
في القرن السابع عشر، وضع الناقد الأدبي والشاعر صمويل جونسون (Samuel Johnson) مصطلح الشعر الميتافيزيقي لأول مرة في كتابه حياة أبرز الشعراء الإنجليز (1779-1781)، وصنف جونسون مجموعةً من الشعراء البريطانيين الذين يشتركون في العديد من الخصائص المشتركة، خاصةً تلك التي تتسم بالأسلوب والذكاء المتقن، وضمت القائمة شعراء من عصورٍ مختلفةٍ مثل جون دون (John Donne) وجورج هربرت (George Herbert)، وريتشارد كراشو (Richard Crashaw)، وأندرو مارڤل (Andrew Marvell)، وهنري فاوغان (Henry Vaughan)..