اختبار الشخصية MTBI في ضوء المنطق: علم أم علم زائف؟
7 د
مع بداية الحرب العالمية الثانية، بدأت كل من كاثرين كوك بريجز وابنتها إيزابيل بريجز مايرز نشر اختبارهم الأول حول أنواع الشخصيات لمساعدة النساء الأمريكيات اللاتي قررن دخول سوق العمل في اختيار أكثر عمل مناسب لهن، وبحلول عام 1944 نشرت بريجز مايرز الكُتيب الأول الذي جاء بعنوان اختبار الشخصية – MBTI، وبالرغم من أن لا كاثرين ولا ابنتها درسا كتابًا أكاديميًا في علم النفس (حيث كانت الأولى زراعية والأخيرة طالبة سياسة) إلا أن الاختبار والكتاب لاقا رواجًا عظيمًا؛ ليس في نطاق الولايات المتحدة فقط بل في جميع أنحاء العالم.
تشير الإحصائيات حتى اليوم أن هناك 2 مليون شخص سنويًا يجري الاختبار بناءً على طلبٍ من منسقي خدمات إدارة الموارد البشرية بالشركات وحتى بعض الوكالات الحكومية، ويجني الاختبار لشركته المؤسسة، الخاصة بكوك وبريحز، ما يصل إلى 20 مليون دولار سنويًا، فهل يستحق كل هذه الضجة يا ترى؟
ما بُني على باطل: اختبار الشخصية
في عام 1923 نُشر كتاب عالم النفس السويسري والمحلل النفسي كارل يانغ بعنوان (الأنواع النفسية – Psychological Types)، سبق أن تحدثت في موضوعٌ سابق عن فشل منهجية التحليل النفسي الفرويدية دون التطرق في المدارس التحليلة الأخرى كمدرسة يانغ والتي لم تختلف كثيرًا عن المدارس التحليلة الأخرى في أسسها وكذلك في مشاكلها.
اقرأ أيضًا: التحليل النفسي: علم أم علم زائف؟
كان التأثير الأكبر الذي لعبه يانغ في التحليل النفسي وفي اختبار الشخصية كذلك هو (اللاوعي الجمعي – Collective Unconscious) افترض كارل بأننا عندما نولد لا نولد بدماغ فارغة تمامًا، ولكن يبقى لدينا تراثٌ ثقافي عالقٌ صداه في عقولنا، يؤدي هذا الصدى لاحقًا لرسم خريطة نفسية يبني يانغ عليها نظريته في النماذج الأولية Archetypes.
انضمت نظرية يانغ مع التحليل النفسي في مكب نفايات العلم الحديث حاليًا، وعلى عكس فرويد، لقى يانغ اعتراضات بالغة من علماء عصره حتى أصدقاءه من المحللين النفسيين وصنف على أنه غير علمي – Unscientific. تأثر يانغ في نظريته بنظرية عالم الحيوان إرنست هيجلوالتي صنفت كعلم زائف فيما بعد. فرض هيجل أن تطور الكائن الحي المنفرد يمر بجميع مراحل تطور الإنسانية حتى يكتمل، أي أن الجنين في رحم أمه يمر بجميع مراحل التطور، لهذا كان يعتقد هيجل أن الجنين في بطن أمه تنمو له خياشيم في مرحلة ما لتعكس تطور الثدييات السمكية.
وعلى هذا العلم الزائف، بنى يانغ نظريته في النماذج الأولية، فقد رأى كذلك أن الشخصية تُورث من النماذج الأولية كما يُورث التطور، وحاول الرجوع لأول النماذج الإنسانية القبلية لمحاولة دراستها وصياغتها على أنها النماذج البسيطة منا نحن، كان من المتوقع أن يفشل يانغ في دراسته بوقوعه بمشكلات التحليل النفسي الأساسية، بالإضافة لاعتماده التام على نظرية هيجل التي أثبتت فشلها، وتوظيفه غير الموضوعي لمفهوم اللاشعور في أبحاثه.
ولكن ما علاقة اختبار الشخصية والـ MBTI بكل هذا؟ حسنًا، يؤسفني أن أخبرك أن اختبار ماريز بريغز مبني بشكل أساسي على نظرية يانغ الفاشلة، على الرغم من أن بريجز بدأت أبحاثها منذ عام 1917 في محاولة لتحليل شخصية زوج ابنتها المستقبلي إلا أنها لم تبدأ أبحاثها بجدية إلا بعد دراسة طويلة لنظرية يانغ ولبعض نظريات السلوك البشري الأخرى. يعد اختبار MBTI تطبيقًا عمليًا على نظرية يانغ.
اختبار MBTI في ميزان العلم الحديث
في الواقع إن من الصعب أن نلخص الرأي العلمي في اختبار كهذا، ليس لأن الأبحاث كثيرة حوله أو معقدة، بل لأنه لا يتخطى منزلة الأبراج بالنسبة للعلم ولكننا سنحاول. مبدئيًا يعتمد الاختبار في شكله الأساسي على سلسلة من الأسئلة ذات اختيارات متعلقة بالتفضيلات السلوكية للأفراد. على سبيل المثال، عندما تكون في حفلة ستحب أن:
- تخبر نكات للآخرين.
- تستمع للآخرين.
وعلى أساس هذا الاختيار يتم تصنيف النتائج بالاستعانة بـ 92 سؤالًا آخر لتصنيف الشخصية ضمن أربعة فئات يُعبر عنها بالحروف اللاتينية: الانطوائية والانبساط (E-I) الإحساس والحدس (S-N) التفكير والشعور (T-F) والقيادة والمعرفة (J-P).
تبدأ أول مشكلات النموذج في معضلة التسجيل: إجابات المشاركين على هذه الأسئلة ستتأثر بالعديد من العوامل، ففي المثال السابق، لو اختار المشارك الاختيار 1 سيصنفه النموذج على أنه يميل لشخصية القيادي (Judgment (J ولكن هذا الاختيار قد لا يعني ذلك بتاتًا فهو قابل للتأثر بعوامل كثيرة، مثلًا قد يكون المشارك ذا حس فكاهي جيد فلن يجد مشكلة في أن يخبر رفاقه في الحفلة بدعابة، ولكن وإذ لم يكن يمتلك نُكتًا، فمن الطبيعي أن يختار الاختيار 2 ولا يعني هذا أي ميول أخرى. ينطبق هذا الأمر على العديد من الأسئلة التي توجه للمشاركين، والتي قد يتلاعبون بها لتصنيف شخصيتهم بتلك الشخصيات الباحثة، من منا لا يحب أن يأخذ نفس شخصية آينشتاين؟
على سبيل المثال أحد الأسئلة الرئيسية ضمن الـ 92 سؤالًا: هل لديك أي اهتمامات خاصة كالقراءة والأفلام أو ما شابه ذلك؟ سؤالٌ كهذا تقليديٌ للغاية ومن الطبيعي أن يختاره أي شخص بإيجابية فكلٌ منا يرى نفسه مميزًا وله اهتماماته الخاصة، يُفسر لنا هذا الدراسة التي وجدت عام 1993 أن نصف المشاركين في الاختبار يحصلون على نتائج مختلفة عندما يقومون بإعادته
يحصر الاختبار الشخصيات الإنسانية جميعها في 16 نوعًا فقط، غير أن هذا -بديهيًا- عدد صغير للغاية. إلا أنه لا يوضح نتيجة الاختبار بالأصل، فعلى سبيل المثال، إذا قام أحدهم بالاختبار وحصل على 10 نقاط مرتبطة بشخصيته الشعورية (F) و12 نقطة تدل على شخصيته الفكرية (T) فإن الاختبار يصنفه مباشرة كشخصية فكرية XXTX ولن يُلتفت إلى أن شخصيته تميل للشخصية الشعورية كشخصيته الفكرية لأنه فقط يأخذ بالقيمة العددية الأكبر، وقد حذر يانغ بنفسه من هذا النوع من التصنيف الصارم في مقولته الشهيرة:
لا يوجد شيء يسمى بالانطوائي الخالص أو الانبساطي الخالص، الأشخاص كهؤلاء يكونون في مصحة المجانين. الطريف في الأمر أن الدراسات قد وجدت أن معظم المشاركين يقعون في منتصف المنحنى، أي أنهم يقتربون من جميع الشخصيات بنسب تقاربيةٍ للغايةمما قد يعني أنه لا وجود أصلًا لهذه الشخصيات الأخرى.
المشكلة الكبرى التي تبعد الاختبار تمامًا عن نطاق العلم، هو أنه (غير تجريبي) فلا يقدم دليلًا تجريبيًا على تصنيفاته، تمامًا مثل الأبراج. حاول العديد من العلماء القيام بتجارب لاختبار صلاحية الاختبار، عن طريق محاولة التُنبؤ بسلوكيات الناس من خلال نتائجهم في الاختبار أو العكس، ولكن لم يتم العثور على أي علاقة، فشل الاختبار في التنبؤ بسلوكيات الأخرين ضمن نطاق تجريبي وكل ما فعله هو إعادة التفسير في النطاق الغامض ضمن الحروف الأربعة. على سبيل المثال، إذا لم يقم المشارك بالسلوك [أ] بالرغم من أنه يمتلك الشخصية [ب] من المُفترض أن يُثبت هذا خطأ الاختبار، ولكن الاختبار يجيبه بأن المشارك يمتلك الشخصية [ج] كذلك والتي قد تكون أثرت عليه، يسمى هذا بالهراء في المنهج العلمي
علم أم علم زائف؟
إذًا، يعتمد الاختبار على نظرية لا أساس لها من الصحة، ومؤلفتي الاختبار ليست لهما شهادة واحدة على الأقل في علم النفس، فشل الاختبار حتى في تحديد نتيجة واضحة للمشاركين وكانت تتغير نتيجتهم بعد كل إعادة، يفشل الاختبار في توضيح الميول الفعلية ويختزلها في حرف واحد، فشل الاختبار في التنبؤ بسلوك المشاركين وبذلك يخرج عن العلم التجريبي. وأخيرًا وليس آخرًا، لم يُنشر أي بحث علمي موثق منذ 100 عام يعامل اختبار الشخصية MBTI على أنه علم حقيقي.
إذًا وبكل وضوح: اختبار الشخصية MBTI علم زائف، لما استمر لليوم؟ حسنًا ذكرت في البداية أنه يجني أموالًا طائلة سنويًا، وفي الواقع هذا ما جذب شركات عديدة للاستثمار في شركة مايرز-بريغز، التي امتلكتها المؤسستان، وقد يكون هذا السبب الرئيسي للترويج الجيد الذي يلقاه الاختبار، وجدت إحصائية عام 2004 أن أكثر من 75% من المؤتمرات والأبحاث المنشورة حول اختبار MBTI ترتبها شركة مايرز-بريجز (والتي تمتلك حقوق الاختبار ومبيعاته) وتمولها، ويُنشر أغلبها في مجلة Journal of Psychological Type وهي مجلة تابعة في الأصل لمركز مايرز-بريجز.
بالإضافة إلى ذلك العامل الإنساني النفسي، الاختبار مسلي بعض الشيء والخوض فيه وفي أنواع الشخصيات الأخرى يخلق اهتمامًا رائعًا عند البعض، كذلك أن نتائجه تثير سعادتنا دائمًا. فكل الشخصيات لها سمات إيجابية دائمًا، وعندما ستظهر لك شخصيتك سيُظهر لك الاختبار أن شخصيتك مطابقة لشخصية أينشتاين، نتيجة مسعدة كهذه تستحق المشاركة، وهكذا ينتشر الاختبار.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.