سلسلة روايات الشياطين الـ13: حجر أساس أدب المراهقين العرب
5 د
ما امتلكه الشياطين الـ١٣ وغاب عن الواقع
كثيرًا ما يتردد أن السكان العرب في بلدان شمال أفريقيا (مثل: تونس والجزائر والمغرب وغيرها) من الدول التي امتزجت لغتها العربية بلغة الاحتلال يفقدها أحد أهم عناصر التفاهم بينها وبين باقي العالم العربي وهو “اللغة”، لكن هذا لا يحدث في الشياطين الـ١٣ فكل أبطالنا من أنحاء العالم العربي يجيدون اللغة العربية الفصحى السليمة ويتفاهمون فيما بينهم بسهولة شديدة.
أبطالنا لا يمتلكون قدرات خارقة، فالأمر بسيط مجموعة من المراهقين العاديين، يمتلكون المقدار الطبيعي من القدرات العقلية والبدنية، ولكنهم حصلوا على الرعاية والاهتمام من “رقم صفر” فأصبحوا قادرين على القيام بأعمال مميزة.
تلك النقطة ساعدت على تشجيع جيل المراهقين في هذه الفترة على الاقتناع بإمكانية تنفيذ كل شيء بالتدريب والسعي، أيضًا تمكن الشياطين الـ١٣ من إقناع مراهقي هذا الجيل بأهمية العلم، فرغم بساطة المغامرات وقصرها، إلا أنها ضربت عدة أمثلة في مواضع مختلفة لبناء التفكير العلمي والنقدي والتحليل الدقيق للمعلومات؛ للوصول لنتيجة منطقية ومقنعة.
لم تشجع سلسلة روايات الشياطين الـ١٣ في أي جزء منها على الخرافة أو الأساطير أو التسليم بأشياء ما ورائية -حتى لو لم يستهوِ المراهقين الأمر في البداية، لكنهم استمتعو به بعد ذلك- وإن اعتمدت في معظم بدايات الروايات على هذا الأسلوب للتشويق ليس إلا، ولكن دائمًا انتهى الأمر بتفسير علمي.
اقرأ أيضًا:
كتب تنمية بشرية ستساهم في تغير شيء بحياتك
التأثير في القراء لم يكن وليد الصدفة
أدرك المؤلف محمود سالم طبيعة مرحلة المراهقة، وما يشوبها من تمرد ونفور من الالتزام وما إلى ذلك، وبالتالي علم أن البنات والصبية في هذه المرحلة لن يسعدهم التعرض لمحتوى علمي، يلقي لهم بمضامين ومعلومات متنوعة صريحة، وكأن المراهق منهم يطالع كتاب مدرسي.
لذا اعتمد على طريقة أكثر ذكاءً، وهي الزج ببعض المعلومات الجغرافية والاقتصادية داخل الأحداث في مواضع حيوية تجبر ذهن القارئ على التعلق بها والتفكير فيها، بالإضافة إلى بعض المصلحات العلمية المعقدة في جوانب متعددة التي تثير فضول كل قارئ منهم للبحث عنها وفهمها؛ حتى لا يشعر أنه أقل قدرًا من الشياطين أو يشعر بالانعزال عن الرواية وأحداثها.
السلسلة أيضًا كحال أي سلسلة أخرى، كانت مثل الطفل الصغير الذي يكبر مع أهله، فاعتمدت في بادئ الأمر على الرسومات الأبيض والأسود، وكانت غالبية الاختيارات للأحداث التي سيتم رسمها موفقة، ومعينة للخيال على تصور الموقف بشكل أفضل للاندماج أكثر.
زاد عدد الرسوم وصارت ملونة، بعدما اكتسبت السلسلة قطاع جماهيري لا بأس به، يتابعونها لأجل الشياطين والقصة، لا لمشاهدة الصور واستنتاج ما قد تحويه القصة، حيث تمت تربية القارئ بشكل سليم.
وعود كُتِبت في الافتتاحية وصارت حقيقة
لم يكن كلام المؤلف محمود سالم عن شعور كل قارئ أن الشياطين من بلده ضرب من ضروب المبالغة أو أسلوب تشويق، ولكن هذا ما يحدث بالفعل فعندما كنت مراهقة ومواظبة على قراتها، لم أشعر أبدًا أنهم بمعزل عني، أو أنهم مجهولون بل شعرت بالألفة والانسجام الشديد معهم، وظننت نفسي الوحيدة التي تشعر بذلك حتى تابعت أحد النقاشات على goodreads.
عبر فيها الشباب عن حبهم للسلسلة واشتياقهم لها وتعلقهم الشديد بها، حتى أن شاب سعودي قال ما يلي: “كنت أشعر بالوطنية الشديدة والانتصار عندما يحقق البطل السعودي شيئًا مهمًا، وينتابني الفخر في كل لحظة أجده يقوم بدور محوري حتى تمنيت أن يكون البطل الأوحد، ولكن تعلقي بفكرة الوطن العربي الواحد وتقاسم الأدوار كانت تزيل تلك الفكرة من خاطري”.
عندما قرأت هذا التعليق وجدته تقريبًا يلخص ما تستهدفه السلسلة وما قامت به فقد خلقت جيلًا متعلق بفكرة الوحدة والوطن العربي المشترك ومبدأ اليد الواحدة و المساواة بين كل الدول العربية في الصورة الذهنية على الأقل وبَنت بداخلهم ما عُرِف لاحقًا بـ”الحلم العربي”.
إخفاقات الشياطين الـ١٣
كل ذلك لا يعني أن سلسلة الشياطين الـ١٣ للمؤلف محمود سالم منزهة عن الخطأ، فأولًا وأخيرًا هي عمل إنساني، فالشياطين أبرز عيوبهم من وجهة نظري الانتصار الدائم، فهم لا يفشلون، لا يرتكبون حماقات، لا يقعون في أخطاء، لا يفشلون في التخمينات والخطط والاستعداد.
وأنا أرى ذلك غير منطقي فنوعًا ما زرع ذلك في عقول المراهقين فكرة أن النجاح دائم ومستمر ونتيجة حتمية لأي مجهود والحياة خالية من السقوط أو التعثر وهذه الصورة الوردية عزلت مراهقين تلك الفترة عن الواقع وعرضتهم لصدمة أن أكثر تعقيدًا من ذلك، والحلم العربي ليس بهذه السهولة وأن ما أمنوا به معقد، وأمامه عقبات كثيرة، ولكن لعل تلك الصدمة مع التصديق الشديدة للفكرة هو ما خلق لنا جيل ثورات الربيع العربي.
مثقفو المستقبل هم مراهقو اليوم
من زاوية أخرى كل ما ناقشناه يدفعنا للتفكير في أمر مهم أين أدب المراهقين حاليًا من الخريطة الثقافية العربية؟ لماذا لا يولى الأدباء الاهتمام لتلك الفئة فأصل هذا المقال أنني سعيت لتجهيز قائمة كتب للمراهقين من المكتبة العربية لدفعهم على خوض تجربة القراءة العربية والبعد عن الروايات الأجنبية الأكثر مبيعًا التي تحولت لأفلام.
وجدت نفسي أقوم بترشيح كتب أجنبية مترجمة من أدب المراهقين مثل مزرعة الحيوان وغيرها أو روايات وكتب أجنبية فالمطلق لذلك توجهت للكتابة عن سلسلة الشياطين الـ١٣ وقلت لعل تلك التكنولوجيا الشديدة التي انغمسنا فيها تثير فضول بعض المراهقين؛ لاستكشاف هذا العالم الغامض فيخوض تجربة القراءة لكاتب وهب نفسه وسخر قلمه وجلس ليكتب للفتية المراهقين واضعًا في الاعتبار تفكيرهم واحتياجاتهم.
لذا عزيزي القارئ، أنصحك بشدة بقراءة سلسلة روايات الشياطين الـ١٣ لمؤلفها محمود سالم ولن تجدها قديمة أو عبثية، فحتى الآن تمتعني وتثير فضولي وأحب الأعداد إلى قلبي هما “رصاصة واحدة تكفي”، “الذى سرق ضوء الشمس” لذلك أنصحك أن تبدأ بهم.
لك أيضًا:
الكتب الرديئة في مدينة القرّاء: من هيبتا إلى أرض السافلين جرائم ورقيَّة لا تُغتَفَر
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.