سر الغرفة 207 لأحمد خالد توفيق: اقتباس من ستيفن كينغ أم محاولة تقليد فاشلة؟
9 د
ظهرت قصة 1408 لأول مرة في مجموعة قصصية صوتية اسمها الدم والدخان للكاتب الأمريكي المعروف ستيفن كينغ عام 1999، ويقول عن القصة موضوع حديثنا، إنها أخافته هو نفسه وهو يكتبها، ثم أخافته أكثر وهو يسمع نفسه أثناء روايتها بصوته.
ثم ظهرت القصة مطبوعة لأول مرة في يناير عام 2002، في كتاب يضم 14 قصة تصنف تحت أدب الرعب، وحمل الكتاب عنوان Everything’s Eventual: 14 Dark Tales، وفي عام 2007 تحولت القصة إلى فيلم يحمل اسمها 1408.. فماذا عن سر الغرفة 207 المنشورة عام 2008؟
ما وراء سر الغرفة 207
إذا قررت أن تشتري رواية سر الغرفة 207، عليك فقط أن تنظر إلى الغلاف الخلفي لتقرأ الآتي:
“يقول ستيفن كينغ: بالإضافة إلي قصص دفن الأحياء، علي كل كاتب رعب أن يقدم قصة واحدة على الأقل عن غرف الفنادق المسكونة، لأن غرف الفنادق أماكن مخيفة بطبعها. تخيل كم من الناس نام في الفراش قبلك؟ كم منهم كان مريضًا؟ كم منهم كان يفقد عقله؟ كم منهم كان يفكر في قراءة بضع آيات أخيرة من الكتاب المقدس الموضوع في درج الكومود بجوار الفراش قبل أن يشنق نفسه في خزانة الملابس بجوار التليفزيون؟“.
أحمد خالد توفيق
هنا نجد أن أحمد خالد توفيق لفت ذهن القارئ بشكل مباشر إلى كلام ستيفن كينغ عن قصته 1408، والتي تدور أحداثها في غرفة مرعبة بفندق يقع بمدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو بذلك ينبه الجمهور إلى مقارنة القصة المعروفة مع حكاياته عن الغرفة 207.
وسواء شاء ذلك أم لا، فقد وقع في عثرة بديهية، تفسيرها هو ما يلي: عندما أقول لك “لا تفكر بالبحر”، ماذا سترى بذهنك؟ بالتأكيد سترى البحر، وهو بمقدمته واقتباسه من حديث كينغ، دفع أذهاننا مباشرة إلى عقد المقارنة بين كتابه وقصة 1408، والفيلم المقتبس عنها، وحفزنا كي نتبين مدى أصالة سر الغرفة 207.. إذا هيا سويًا نرصد بعض المتشابهات بين العملين، وسأترك لكم الحكم النهائي.
ما بين سر الغرفة 207 وقصة 1408
في 1408 تدور الأحداث في غرفة مرعبة بأحد الفنادق النويوريكية، ويساوي مجموع أرقامها 13 (1+4+0+8)، بل وأكثر من هذا، تقع هذه الغرفة في الدور الثالث عشر أيضًا، في بلد لدى معظم سكانه رهاب تجاه هذا العدد.
شهدت الغرفة حوادث انتحار، بالإضافة إلى حالات موت يبدو طبيعيًا ولكنه ليس كذلك، وتملك ساعتها القدرة على حساب الوقت بالمقلوب، كأنها تعده بشكل تنازلي. يقول مدير الفندق عن الغرفة:
“ساعات اليد الرقمية لا تعمل في الغرفة 1408، وأحيانًا تتحرك الأرقام عكس اتجاه الزمن، وأحيانًا لا تتحرك على الإطلاق”.
نأتي إلى سر الغرفة 207، فهو عبارة عن كتاب مقسم إلى عدة قصص، تتناول غرفة في فندق بمدينة مرسى مطروح المصرية، وتقع فيها حوادث انتحار وأمور مثيرة للريبة، ويروي حكاياتها الغامضة “جمال” موظف الاستقبال بالفندق، فهو بطل الكتاب والمغامرات الواقعة بالغرفة في كثير من الأحيان.
يمكنك بسهولة أن تقع على تشابه كبير جدًا في حكاية (قلادة وعطر وساعة حائط)، والتي تدور فيها الأحداث من النهاية إلى البداية بسبب ساعة الغرفة التي تقرر أن تعمل بالعد العكسي.
يقول جمال بطل الكتاب عن هذا الأمر:
“أعتقد أن الأمر يتعلق بالساعة المعلقة على جدار الغرفة 207.. يسهل أن تتوقع أنها تدور بالمقلوب، ومن ثم وقعت الأحداث بالعكس”.
تشابه آخر يلفت نظر المُقارن، بالنسبة إلى طبيعة المكان الذي يشهد كل هذه الأحداث في القصتين.
أحمد خالد توفيق يصف طبيعة الغرفة 207 بقوله:
“في هذه الغرفة تحتشد أشنع مخاوفك التي داريتها حتى عن نفسك مذ كنت طفلًا، في هذه الغرفة يتلاشى الحاجز بين الحقيقة والوهم.. بين المخاوف المشروعة والكابوس.. في هذه الغرفة يتلاشى الحاجز بين الحقيقة والوهم.. بين المخاوف المشروعة والكابوس.. في هذه الغرفة يتلاشى الحاجز بين الماضي والمستقبل”.
اقرأ أيضًا:
لاحقًا رواية جديدة لملك الرعب ستيفن كينغ: ما نعرفه حتى الآن عن الرواية المرتقبة
على الجانب الآخر، إذا قرأت قصة 1408 للكاتب ستيفن كينغ أو حتى اكتفيت بمشاهدة الفيلم المأخوذ عنها فقط، ستجد أن الوصف السابق ينطبق حرفيًا على الأحداث، يتجلى هذا على نحو خاص في الفيلم، حين يجد البطل نفسه أمام أسوأ مخاوفه وعقد طفولته، مثل علاقته المتوترة مع والده، أو فقدانه لابنته، ثم تأثير ذلك سلبًا على زواجه.
الشخصيات كان لها نصيب من هذا التشابه، فجمال بطل سر الغرفة 207، يبدو قريبًا مع بطل 1408 الكاتب “مايك إنسلين”، في صفة شديدة الأهمية وهي الثقافة. فعلى الرغم من اقتصار الأدب الذي يكتبه “إنسلين” على الرعب، فإن خلفيته الثقافية أعمق من ذلك بكثير، فكان كتابه الأول في مجال الشعر، ثم توجه إلى الرعب سعيًا وراء المال.
أما “جمال” رغم أنه يعمل كموظف استقبال، ويرى أن عمله لا يحتاج إلى قدر كبير من الثقافة، لكنه كان مثقفًا إلى حد كبير، بشكل لا يتوقعه منه الناس.
شخصية إنسلين ليست وحدها التي تتلاقى مع شخصية جمال، فهناك “أولين” مدير فندق دولفين النيويوركي أيضًا، وكلاهما كان يحث النزلاء على الابتعاد عن الغرفة 1408 و207، خوفًا عليهم من التعرض للأذى، بسبب الأحداث الغامضة.
سيلاحظ المدقق أيضًا أن سر الغرفة 207 تتكون من مجموعة حكايات اعتمد فيها الكاتب على سطور وردت في قصة 1408، ليحولها إلى قصص وفصول كاملة، مع تمصير هذه الفصول بالطبع، فنجد خلالها الحديث عن الجان والعفاريت، وكليوباترا، وموقعة العلمين، وغيرها من الأساطير المرتبطة بالثقافة والتاريخ العربيين.
إذا لم تحسم رأيك بعد فيما إذا كان سر الغرفة 207 عملًا مقتبسًا من قصة ستيفن كينغ 1408 أم لا، فدعني أساعدك قليلًا.
في 1408 يقرر الكاتب مايك إنسلين أن يضع حدًا لعذابه في الغرفة ولم يجد إلا حلًا واحدًا وهو أن يحرق الحجرة ويحترق معها. أما “جمال” فقد قرر أن شر الغرفة 207 الملعونة يجب أن يتوقف إلى الأبد، عندها فتح أنبوبتين من الغاز، وأشعل شمعة لينهي بها اللعنة إلى الأبد، عبر إحراق الغرفة.
تشابه غريب في نهايتي العملين يجدر بنا أن نقف أمامه كثيرًا، أليس كذلك؟ كما قلت لك سابقًا، الأمر متروك لك.
لكن ماذا عن جودة العمل سر الغرفة 207؟
نلاحظ أن إرجاع أسباب الحوادث المفزعة في الحجرة بسهولة إلى أسباب ميتافيزيقية ودجلية، وتقييدها في هذا الإطار، أفقد الرعب قوته. في حين أن الاعتماد على الرعب النفسي وحده كما فعل كينغ، كان الطريق الأصعب والأقوى، الذي من خلاله يسلب عقل المتلقي، ويضعه في مكان البطل الذي يواجه رعبًا مجهولًا، غير معروف الأسباب.
اعتمد الكاتب أيضًا في رواية سر الغرفة 207 على رعب ساذج يمكنه بالكاد أن يخيف الأطفال، بالإضافة إلى عناصر الخوف التي تم إقحامها لإضفاء أصالة مصطنعة على عمل تحوم الشكوك حوله، فصار الكتاب مزيجًا مفككًا كأنه فيلم عربي مأخوذ عن آخر أجنبي ولكن بسيناريو رديء.
تحويل روايات أحمد خالد توفيق إلى أعمال فنية
من روايات سلسلة ما وراء الطبيعة التي يحكيها رفعت إسماعيل
في نوفمبر 2020 عُرض مسلسل مقتبس عن روايات الكاتب أحمد خالد توفيق تحت عنوان ما وراء الطبيعة، والتي يحكيها بطل الروايات رفعت إسماعيل، فكان بذلك أول عمل مصري من إنتاج منصة نيتفلكس الأمريكية، وأخرجه المصري عمرو سلامة، وقام ببطولته الفنان أحمد أمين.
حقق المسلسل شهرة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي العربية، حتى أصبح “تريندًا”، وبات حديث الكبار والصغار، حتى وإن لم يشاهدوه. وفي نفس الشهر تم الإعلان عن تحويل سر الغرفة 207 إلى عمل تلفزيوني.
سيعرض العمل على منصة شاهد في 2021، وكتب له السيناريو الكاتب المصري تامر إبراهيم.. فهل صار تحويل روايات أحمد خالد توفيق هو تريند الأعمال الفنية في مصر؟
يبدو أن ما يحدث مع الكاتب أحمد خالد توفيق ليس بجديد، فقد سبقه إليه العديد من الكتاب، منهم الكاتب المصري أحمد مراد. فبعد تحويل روايته فيرتيجو إلى مسلسل عام 2012، والذي حقق نجاحًا لافتًا، توالت سلسلة تحويل روايات مراد إلى أعمال فنية، فتحولت رواية الفيل الأزرق إلى فيلم في 2014، أخرجه مروان حامد، ثم تحويل تراب الماس في 2018، بالإضافة إلى التحويل الجاري لـ 1919، لتصبح فيلمًا بعنوان “كيرة والجن”، هذا إضافة إلى الأعمال التي كتب مراد سيناريوهاتها السينمائية.
وقبل هؤلاء الكُتاب كانت الأعمال الأدبية التي تحقق نجاحًا، يقرر صانعو السينما والتلفزيون إنتاج المزيد منها لنفس الكاتب، ولنا في روايات وقصص نجيب محفوظ أو إحسان عبد القدوس أو يوسف السباعي أمثلة وافية، حتى أن بعض أعمالهم تحولت مرة إلى فيلم ومرة أخرى إلى مسلسل، فعلى سبيل المثال تحولت رواية نحن لا نزرع الشوك إلى فيلم عام 1970، وإلى مسلسل عام 1998، وتحولت رواية لا تطفئ الشمس إلى فيلم عام 1961، ثم إلى مسلسل عام 2017.
اقرأ أيضًا:
الحكايات بين الأدب والسينما: عن تحويل النص الأدبي إلى نص سينمائي!
هل تستحق سر الغرفة 207 أن تتحول إلى مسلسل؟
حين تحولت قصة ستيفن كينغ 1408 إلى فيلم من إخراج مايكل هافستروم، جاء السرد مختلفًا عن القصة إلى حد كبير، بل كان أقوى من القصة، بشكل مثالي، كما نجح في استخدام الأدوات السينمائية لصالح القصة، فمثلًا تستمع إلى موسيقى تصويرية مؤثرة تخطفك إلى مناخ الفيلم منذ اللحظة الأولى، وتمكن من إقناع المشاهد بما يجري في الغرفة عبر السيناريو المُتقن، والأداء التمثيلي الصادق.
وهو ما يحتاجه المتلقي عند مشاهدة عمل فني مأخوذ عن عمل أدبي، خاصة إذا اعتبره القراء ناجحًا، عندها ينبغي على فريق العمل الفني أن ينتج ما يثير انتباه الجمهور ثم إعجابه، ليصير عملًا رائعًا، بدلًا من أن يستمع صناعه إلى عبارة: “بس الرواية أحلى من الفيلم” مرارًا وتكرارًا.
وفي مجال الرعب على وجه الخصوص، على صناع الدراما الاستفادة من الإمكانيات الفنية غير المتوافرة للرواية، من موسيقى تصويرية ومؤثرات بصرية، وأداء تمثيلي، وغيرها، مع ضرورة استخدامها بحرفية، وإلا صار العمل تحت وطأة السخرية اللاذعة من الجمهور.
تحدٍ آخر يواجه صناع مسلسل الغرفة 207، وهو قدرتهم على إثارة الرعب في نفوس المشاهدين على مدار حلقات العمل، واستغلال قصصه المتصلة المنفصلة حتى يستمتع المشاهد بالعمل وكل حلقة من حلقاته، بالإضافة إلى ضرورة مفاجأة الجمهور بجودة تتفوق على الكتاب، كما فعل صناع فيلم 1408 للكاتب ستيفن كينغ.
هذا النشاط الذي تشهده الحياة الثقافية من تحويل الأعمال الأدبية إلى أعمال فنية يجعلنا نفكر في الكفة الرابحة بين الاثنين، ومع ذلك فالحياة يمكنها استيعاب كلا الجانبين، فالأدب يحقق فائدة من خلال جذب قاعدة جديدة من القراء في حالة إعجابها بالعمل الفني، والفن بإمكانه جذب القراء للإطلاع على رؤية جديدة للأعمال الأدبية التي أحبوها بالفعل، وتقييمها سواء بالسلب أو الإيجاب.
وفي رأيي أن الرابح الأكبر في هذه المعادلة هو الجمهور، لأن ارتفاع حدة التنافس في الأدب والفن سيساعد في تقديم أعمال على مستوى مرتفع يناسب المشاهد الذي صار ذا ذوق رفيع، نتيجة لاطلاعه على الأعمال الغربية بكثرة من خلال منصات الإنتاج الأجنبية مثل: Netflix و +Apple TV.
لك أيضًا:
لهذا علينا قراءة روايات أحمد خالد توفيق الأخرى بخلاف ما وراء الطبيعة
رفعت إسماعيل بطل ما وراء الطبيعة: حديث عن أظرف شيوخ الأرض وأذكاهم
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.