بينما تسيطر الحيرة على الناس بالاختيار بين بيئة صحية خالية من الضجيج غنية بالطبيعة، أو حياة سريعة في بيئة مليئة بالسيارات والمدارس والمستشفيات، قرر “نيوم” إذهال الجميع ببيئة أفضل من الاثنتين أكثر تطوراً من المدينة وأقل تلوثاً من الريف أين تجدها يا ترى؟

إنّها “ذا لاين” أرض الأحلام القادمة قريباً أو أسطورة للوهلة الأولى كما شعر أجدادنا وآباءنا بالدهشة عند لمعة الكهرباء الأولى وبرقت شرارة الاستغراب أو السعادة في عيونهم عندما تقلبت محطات التلفاز أمامهم لوحدها، كما استهجنوا لسماع صوت صديق من بلدٍ بعيدة عن طريق جهاز صغير، أو كما نحدق نحن اليوم منبهرين بتقنيات الذكاء الاصطناعي، دعونا نجيب عن بعض الأسئلة الآن ونكشف الحجاب عن هذا المشروع الضخم الذي تصل تكلفته لنصف تريليون دولار.

مشروع “ذا لاين” سيكون مدينة مليونية بطول 170 كم تضم سلسلة من مجتمعات إدراكية مترابطة معززة على امتدادها بالذكاء الاصطناعي خالية من الانبعاثات الكربونية، بلا ضوضاء بلا مركبات وحتى بلا شوارع! تدار هذه المجتمعات بالكامل بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وسيتم تسخير نحو 90% من البيانات لتعزيز قدرات البنية التحتية وتحسين حياة السكان، في حين يتم تسخير 1% من البيانات في المدن الذكية فقط.

وهذا هو جوهر الفرق بين المدن الذكية والمدن المعرفية حيث “تركز المدن الذكية عادة على استخدام محدد لتقنياتها المستقلة وذلك لحالة واحدة كالإدارة الذكية للنفايات أو الإضاءة الذكية مثلاً، أما المدن المعرفية كالتي ستنشأ في نيوم فهي ليست كيانات منعزلة عن حالات الاستخدام بل هي نظام لحالات الاستخدام في كيان واحد ستحقق من خلالها تغييراً جذرياً في سبل العيش والعمل والترفيه لدى الناس” ذلك بحسب جوزيف برادلي رئيس قطاع مستقبل العلوم التقنية والرقمية في نيوم إذاً باختصار مشروع “ذا لاين” سيكون مدينة معرفية.

يهدف التصميم إلى جعل المشي نمط حياة أساسي، كما سيسهم هذا التطوير الكامل متعدد الاستخدامات في إمكانية الوصول السهل والسريع إلى الطبيعة، وخدمات النقل إلى جانب التمكين الرقمي لكافة جوانب الحياة.

ستتضمن المدينة ثلاث طبقات، طبقة المشاة وتكمن أهميتها في خلق مساحة ينسجم فيها الإنسان مع الطبيعة بلا ازدحام ولا سيارات، طبيعة فقط لتحقيق السكينة والطمأنينة للسكان وذلك من خلال بنىً تحتية تعمل بانسجام مع البيئة التي يمكن الوصول إليها بـ 5 دقائق سيراً على الأقدام، طبقة الخدمات وهي طبقة مخفية من البنى التحتية، وطبقة اسمها “ذا سباين” تضم هذه الطبقة وسائل نقل فائقة وروبوتات.

يضع المشروع جميع الاحتياجات والأماكن الحيوية والمراكز الجذابة ضمن مسافة مشي قصيرة من أي نقطة على طول “ذا لاين”، وستُدمج المرافق والخدمات، والنقل العام فائق السرعة، وشحن البضائع، والبنية التحتية الرقمية -بكل سلاسة- بما يضمن عدم التأثير على المعيشة، كما سيتيح هذا التصميم الفريد التطوير المستمر، لا سيما من الناحية التقنية دون إزعاج للسكان باختصار، ستُشكل المعيشة، والعمل، والاستمتاع بالحياة دون الحاجة إلى التنقل جوهر جودة الحياة في نيوم.

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس مجلس إدارة شركة نيوم عن هذا المشروع في 10 يناير 2021 متسائلاً “لماذا نقبل أن نضحي بالطبيعة في سبيل التنمية؟ ولماذا يتوفى 7 ملايين إنسان سنوياً بسبب التلوث؟ ولماذا نفقد مليون إنسان سنوياً بسبب الحوادث المرورية؟ ولماذا نقبل أن تهدر سنين من حياة الإنسان في التنقل؟”.

كما كشف عن أنّ العمود الفقري للاستثمار في “ذا لاين” سيأتي من دعم حكومة المملكة، وصندوق الاستثمارات العامة، والمستثمرين المحليين، والعالميين لمشروع نيوم ككل البالغ 500 مليار دولار على مدى عشر سنوات.

يقع مشروع “ذا لاين” في نيوم شمال غرب المملكة العربية السعودية عند طرف خليج العقبة يمتد 460 كم على ساحل البحر الأحمر ويشتمل على مناطق داخل الحدود الأردنية والمصرية، حيث سيوفر مساحة 26500 كم2.

وهو موقع استراتيجي يربط قارات العالم الثلاث (آسيا وأوروبا وأفريقيا)، حيث بإمكان 70% من سكان العالم الوصول للموقع خلال 8 ساعات كحد أقصى و40% من سكان العالم خلال 4 ساعات فقط كحد أقصى كما تبرز أهمية هذا الموقع اقتصادياً فإن قرابة 13% من حركة التجارة العالمية تمر عبر البحر الأحمر.

لدى سؤال جوزيف برادلي عن استثمارات نيوم في العلوم التقنية والرقمية لتحقيق المدينة المعرفية بمنهجية مستدامة أجاب: أن هناك ثلاث عناصر رئيسية عند النظر في استراتيجية التنفيذ.

يتمثل العنصر الأول في بناء ركيزة معرفية وإمكانية الاتصال والربط تعد جزءاً من هذه الركيزة فتوزيع الألياف البصرية والألياف البصرية المجوفة وحلول الجيل الخامس الموجودة لدينا وعدم رغبتنا في عمل تقسيم رقمي في نيوم كل ذلك يؤكد أننا نسعى لاتصال واسع الانتشار متاح للجميع، كما أن هناك استثمارات ضخمة في خدمات الأقمار الصناعية.

العنصر الرئيسي الثاني هو حوسبة البيانات فعندما توفرت كل هذه البيانات وكان هناك اتصال وربط بينها باستخدام جميع هذه التقنيات توجب علينا إيجاد طريقة لتحليل كل هذه البيانات بشكل جذري لذا فإننا نستثمر في أحد أهم مراكز البيانات العالية المستوى وأكثرها تقدماً حول العالم والذي سيكون ذاتي التشغيل ومحايد بيئياً بل وسيكون الأحدث وفريداً من نوعه.

أما العنصر الأخير فهو البيانات التي تمثل أساس المدن المعرفية فلا بد من وجود إمكانية استخراج البيانات من جميع مصادرها ومعالجتها حاسوبياً ومن ثم توجيهها لذا سيتم بناء ما يمكن تسميته بمستودع بيانات نيوم حيث تكون تلك البيانات هي المصدر المركزي والوحيد لجميع البيانات التي تتدفق في كامل منطقة نيوم وذلك يشمل السكان الذين سيكونون محور وجوهر تلك البيانات، بالتالي فإن الخصوصية مضمونة والأهم من كل هذا أن ذلك يتيح لنا الاستفادة من قدرات التحليل لاتخاذ القرارات بطرق لم يكن بإمكاننا استخدامها من قبل”.

حسب بريدجت من أستراليا مديرة أعمال أولى لقسم البيئة: “ستكون نيوم بحجم بلجيكا وستكون 96% من أرضها محميات طبيعية إنها فرصة عظيمة حقاً من ناحية الحفاظ على البيئة” ومن الجدير بالذكر هنا أن مشروع ذا لاين سيحافظ على الطبيعة بشكل كامل حيث سيتم بناء “ذا لاين” حول العناصر الطبيعية دون تخريبها، حيث تحوي نيوم جبالاً شاهقةً يبلغ ارتفاعها 2500 م فوق مستوى سطح البحر تطل على خليج العقبة والبحر الأحمر وتغطي قممها الثلوج خلال فصل الشتاء، وصحراء لامعة مع الكثبان الرملية تحوي أيضاً سهولاً وشواطئ ممتدة، وجزراً عديدةً رائعة، وقد يجعلها هذا نواة لمشاريع سياحية مستقبلاً.

لا يمكن أن نغفل هنا ذكر مشروع الطاقة الشمسية في السعودية إذ وقّع صندوق الاستثمارات العامة مذكرة تفاهم لإنشائه مع رئيس مجلس الإدارة لصندوق رؤية SoftBank في 2018، باستطاعة تبلغ 200 غيغا واط بحلول 2030 وبتكلفة 200 مليار دولار تشمل بطاريات التخزين والألواح الشمسية ومنشأة لتصنيع الألواح في السعودية وهذه قدرة ضخمة جداً حيث بلغت الطاقة الإنتاجية المركبة للطاقة الشمسية للعالم في حينها 400 غيغا واط، وإنتاج الطاقة النووية عالمياً يبلغ نحو 390 غيغا واط وبهذا فإن السعودية ستنتج من الطاقة الشمسية في 2030 نصف القدرة النووية العالمية أو نصف القدرة الشمسية العالمية، أطلق على هذه الطاقة اسم “النفط السعودي الجديد” لأهميتها.

هذا المشروع الأضخم للطاقة الشمسية في العالم حيث تستطيع الألواح الشمسية للمشروع أن تشاهد من الفضاء لتغطيتها مساحات واسعة، ستستخدم هذه الطاقة في نيوم لتوليد الكهرباء والتبريد والتكييف وغيرها.

قد يكون هذا المشروع مهماً للعالم أجمع فبإمكان السعودية في حال استثمار 7.5% من مساحتها في مشروعات الطاقة الشمسية سد احتياج العالم أجمع من الطاقة.

كريستوفر تومبكينز المدير التنفيذي لمراحل التعليم المبكر والثانوي في قطاع مستقبل التعليم في نيوم يقول: “نظرتنا لكل ما نقوم به اليوم أبعد من مجرد تحقيق أهداف العام المقبل وأرى أن نيوم هي أكثر من مجرد فكرة في هذه المرحلة فبإمكاننا تحقيق ما لم يسبقنا أحد إليه من قبل لأننا نبني مشروعاً بمثابة دولة ستتجاوز استراتيجياتنا في التعليم الجدول الدراسي المتعارف عليه فجلوس الطلاب داخل الصفوف الدراسية أمام المعلمين لأوقات طويلة لا يعد تعليماً وإنما كل تفاعل فيه، سيكون لدينا بيئة يحكمها التعاون ومساحات رحبة لتشجيع الطلاب على التشارك في العمل سواء بالبحوث العلمية أو لبناء فكرة جديدة مبتكرة سيكون معيارنا الحقيقي للنجاح حين يحتفل أحد طلابنا بابتكار تقنية المستقبل القادمة” وعبّر أيضاً عن طموحه بأن يصبح التعلم المستمر مدى الحياة عنصراً أساسياً في نيوم.

جافين فان رئيس قطاع مستقبل المياه في نيوم يشرح “عملت في قطاع المياه لأكثر من عشرين عاماً فقد ساهمت في تطوير مصانع ومنشآت حول العالم من الصحراء في الهند حتى التكتلات الصناعية الكبرى في الصين، تجاربي في قطاع المياه ومعالجتها ساعدتني في معرفة الأفضل منها والأسوأ، لكن أن نطبق أحدث التقنيات في مشروع يبدأ من الصفر، ذلك ما أسميه فرصة العمر، ولهذا السبب انضممت إلى نيوم، لقد بدأنا بالفعل إذ أطلقنا محطة لتحلية المياه تنتج حالياً 50,000 م3 من المياه يومياً، وذلك بعد تحويل مياه البحر إلى ماء عذب ثم إعادة استخدام المياه بالكامل بلا أي تلوث على الإطلاق، وبذلك نوقف استخراج المياه من الآبار الجوفية حتى نعيد المياه إلى سطح الأرض في المستقبل كما أننا نستفيد من مخلفات المياه في توليد الطاقة المتجددة بمنهجية مستدامة إلى أن تصل تكلفة إنتاج المياه إلى الصفر لأن الماء من الموارد المهددة بالنضوب فإن شغفي به لا ينضب وبالرغم من ذلك فإن هناك ما يمكننا فعله لتغيير هذا الواقع، بل إن هناك طرقاً أخرى تتيح لنا تحلية المياه دون إلحاق الضرر بالبيئة الوصول إلى حل هذه القضية تحديداً يعني الوصول لحل إحدى أكثر قضايا العصر إلحاحاً”.

ماذا لو كان الخيار بيدك؟ حدثني عن أفضل مدينة تتمنى وجودها، شاركنا اهتماماتك ألديك هدف أسمى من تحقيق الاستدامة؟