سلسلة روايات رجل المستحيل: رائعة نبيل فاروق بين الواقع والأسطورة
6 د
هذا الرجل قوي للغاية، يتقن العديد من الفنون القتالية، كما أنه ليس ذكيًا وحسب، بل داهية، يقود أي مركبة من الطائرة إلى الغواصة، هل هو خلوق؟ الحقيقة أنه قدوة للجميع! ببساطة هو رجل مستحيل الوجود، وبالفعل يحمل أدهم صبري هذا اللقب، رجل المستحيل.. أشهر شخصيات الكاتب الراحل نبيل فاروق.
سلسلة روايات رجل المستحيل -الصادرة عن المؤسسة العربية الحديثة– هي السلسلة الأطول في أدب الجاسوسية العربي وربما الوحيدة كذلك، تحمل الكثير من الأسرار عن في الخيال وفي الواقع أيضًا، وتستدعي سؤالًا منطقيًا: لماذا تعلق الجمهور بهذه الشخصية “المستحيلة” لـ 160 بالإضافة للأعداد الخاصة والكتابات العديدة الأخرى؟ حتى صارت الأعلى مبيعًا في التسعينيات متفوقة على بقية أعمال كاتبها.
جذور رجل المستحيل
من قريحة نبيل فاروق -الطبيب البشري في الأساس- خرج أدهم صبري ضابط المخابرات المحنك، وهنا نتساءل: ما الذي جمع الشامي بالمغربي؟ الإجابة قدّمها فاروق نفسه في كتابه “رجل المستحيل أوراق لم تنشر” الصادر عام 2008، والبداية من أولى سنوات نبيل فاروق في دراسة الطب أثناء السبعينيات.
يحكي المؤلف عن علاقته بشابين بريطانيين يسكنان مدينة طنطا، تعرفهما بعدما تعرضا لعملية نصب أثارت الكثير من التعاطف تجاههما من أهل المدينة، وبمجرد تطور الصداقة بين فاروق والشابين وجد استدعاءً من أحد الأجهزة الأمنية، ليتفاجأ بأن صديقيه مجرد جاسوسين، وبناءً على تكليف من الجهاز الأمني تابع فاروق اتصاله بالشابين، بل وسافر إليهما في لندن بعدما طلبا منه الحضور.
هذا السفر كان إكمالًا لمهمة أمنية قابل خلالها فاروق من سمّاه “السيد أ.ص” وهو ضابط مخابرات مصري حقيقي أبهر مؤلفنا باحترافيته الشديدة في قيادة السيارات وإتقان اللغات، لقد أوحى له مباشرة ببطله ليصبح “أ.ص” هو أدهم صبري، ويخرج العدد الأول من سلسلة رجل المستحيل بعد سنوات في عام 1984 باسم الاختفاء الغامض.
أوراق بطل
بالفعل.. رجل المستحيل شخصية حقيقية كان نبيل فاروق على موعد معها، لتلهمه بأهم أبطاله وتحدد مصيره الروائي بعيدًا عن تخصصه الطبي، فقد تفرغ للكتابة بعد نجاح سلاسله، ولم يفصح الكثير عن شخصية الضابط الحقيقي “أ.ص” في كتبه الأخرى التي تحدثت عن ذكرياته مثل “أوراق بطل” و”رجل المستحيل وأنا” فهي ما زالت أسرارًا أمنية لا يمكن نشرها بحد قوله.
في حواره مع مجلة آخر ساعة عام 2007، قال د.نبيل إنه أراد الكتابة عن بطل عربي معادل لأبطال الغرب مثل “أرسين لوبين” و”شيرلوك هولمز”، فهو يرى أن بعض صفات هؤلاء الشخصيات سلبية، لهذا جاءت أخلاق أدهم صبري لا غبار عليها، فهو لا يقرب الخمر، ولا يمس النساء خارج العلاقات الشرعية، ويحافظ على الصلاة دومًا.
أما عن مهارات أدهم صبري فشيء آخر، لم يكن حتى مثل معادله البريطاني “جيمس بوند” وإنما يمتلك العديد من القدرات الخاصة مع الكثير من النزعة الوطنية، منذ الأعداد الأولى نجده مفرطًا في قوته مثل الأبطال الخارقين في الكوميكس، لديه إمكانيات تنكرية هائلة في تغيير شكله وصوته، مما يذكرنا بشخصية “كايتو كيد” في مسلسل الأنمي الشهير المحقق كونان، في الواقع هو أقرب بالفعل لمسلسلات الأنمي المليئة بالمبالغات، التي لا تضايق الجمهور إذا أبقاها في ذهنه كقصص خيالية.
كل هذا وأدهم صبري ضابط مخابرات مصري في الظل، أطلق عليه جهازه اسم شفري “ن – 1″، حرف النون لأنه فصيلة نادرة ورقم 1 لأنه الأول من نوعه، وخلال 160 مغامرة لم تتأثر قدرات أدهم كثيرًا كما سنرى، أما السبب الذي طرحه المؤلف لكل هذه القدرات، فهو تدريب أدهم منذ صغره على العمل المخابراتي بواسطة أبيه الذي كان ضابط مخابرات بدروه، التفسير الذي لم يقنع قطاعًا كبيرًا من القراء، رفضوا أن يعتبروا أدهم بهذه الصفات الخارقة التي تجعل من قصصه “هزلية” وإن كان هذا لا يقدح فيها إذا وضعت في نطاقها.
اقرأ أيضًا:
الرقابة الأخلاقية وهوة الأدب النظيف: تحريف روايات أجاثا كريستي وشيرلوك هولمز عمدًا
مشوار أدهم صبري
من المستحيل قطعًا أن نستعرض تاريخ رجل المستحيل الثري في مقال واحد، لكن مرورًا عامًا على أهم محطاته سيفي بالغرض، خاصة الجوانب الإنسانية والعمق الأدبي في عالمه بغض النظر عن براعته المفرطة، وهنا لا بد أن نتكلم عن حبه وأصدقائه وأعدائه، وأهم حروبه الاستخباراتية، دون الحرق قدر الإمكان.
لنبدأ من الحب الحقيقي منى توفيق التي شاركته مهماته ومشاعره كثيرًا، كانت ضابطة مخابرات هشة في البداية ثم صارت أكثر حنكة تدريجيًا، ولكنها كالعادة رفضت الارتباط بأدهم طويلًا، لأنها ترى نفسها غير أهل له، بكل ما يحمله جسدها من آثار المعارك والندوب، وبخلاف منى توفيق تشمل قائمة زملاء أدهم الكثير من خبراء العمل الاستخباراتي، أهمهم قدري خبير التزوير.
يمكن القول إن أدهم تعامل مع أغلب المنظمات الاستخباراتية في العالم، العربي منها والأجنبي، سواءً كانت دولية أو خاصة، وبالطبع المنظمات الإجرامية النظامية مثل المافيا، وكان له في كل بلد صديق وعدو، كما أنه مر بالفترات الهامة للصراع العربي الإسرائيلي، النكسة وحرب الاستنزاف وأيضًا انتصار أكتوبر، لذا كان عدوه الأهم وأبرز شخصيات الرواية -ربما تفوق أدهم على نفسه- هي ضابطة الموساد سونيا جراهام.
سونيا جراهام
الشراسة والاحترافية والإخلاص لعملها، مع جمال أخاذ يجذب أعتى الرجال، هذه هي سونيا الإسرائيلية أشد أعداء أدهم صبري، لكنها -كالمعتاد- تعشقه سرًا، لدرجة تمكنها من كشف تنكره المتقن وحدها عن طريق حفظها لشكل أذنيه المميز، ولأجل هذا كانت النقطة المفصلية في القصة، حين فقد أدهم ذاكرته فقررت سونيا الزواج به بدلًا من قتله!
دخلت سونيا مع أدهم حروبًا لا نهاية لها، ذاقت فيها مر الهزيمة التي انتهت بفصلها من الموساد، لتعمل لحسابها في حرب جديدة مع أدهم وسادة عالم الجاسوسية، وتظل سونيا أحد أعقد الشخصيات بالسلسلة، والأقرب للواقع بعيدًا عن أسطورية ومثالية رجل المستحيل، ومؤخرًا ذكر د. نبيل فاروق أن سارة عمرام الجاسوسة الأفغانية هي ملهمته في الجمال وحتى الاسم لسونيا جراهام.
رجل المستحيل شاشة وإذاعة
لأعوام طويلة دأب القراء على الانتظار المحموم لتحويل سلسلة روايات رجل المستحيل لأفلام أو مسلسلات، وفي كل مرة يظهر الخبر كالزوبعة في الفنجان ويختفي، كانت البداية عام 2008 من خلال شركة روتانا للإنتاج، لكن الأزمة العالمية وقتها حالت دون اكتمال المشروع، تبعتها تعاقدات عديدة لم تحقق شيئًا.
آخر المحاولات كانت مع الكاتب أحمد مراد الذي سيتولى كتابة السيناريو، ولكن ما أخّر التنفيذ هو موافقة الجهات الرقابية على المشروع، لأن أي سيناريو في عالم الجاسوسية يتطلب إشراف رقابي حتى لو كان خياليًا، وربما يأتي كل هذا التأخير في مصلحة أدهم صبري ليجد التجسيد اللائق به.
بخلاف هذا ظهر رجل المستحيل في فيلم رسوم متحركة لإحدى شركات الإنتاج العربية باسم “المهند وفريق النينجا” بتحريف كبير في النص والأحداث، ليصبح رجل المستحيل هو المهند، ويخلو الفيلم من أي شخصيات نسائية أو موسيقى تصويرية، وفق رؤية الشركة.
أيضًا ظهر رجل المستحيل في معالجة إذاعية بعنوان “العملية شبل” من بطولة حسن الرداد في دور أدهم ولفيف آخر من الممثلين، وإن كان رأي الجمهور يتأرجح غالبًا بين يوسف الشريف وأحمد عز في تجسيد أدهم صبري على الشاشة.
اقرأ أيضًا:
نبيل فاروق مؤلف سلسلة رجل المستحيل: كاتب شعاره ثقافة الغد لشباب اليوم
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.