نحن نساء لا أشياء: عن الصور المبتذلة للنساء ضمن الإعلانات التجارية
11 د
تتجلى هذه الصورة النمطية السخيفة للمرأة بوضوح في المواد الإعلانية المختلفة، فالطريقة التي يتم بها تصوير النساء في الإعلانات التجارية (سواء التلفزيونية أو في أي وسيلة إعلانية أخرى) بشكل إيروتيكي تمامًا في أغلب الأحيان (لأنه يجذب الانتباه على الفور)، لم تخضع لتغيير كبير خلال سنوات العقود الماضية، بل تعمل على المزيد من تشييء النساء والتقليل من شأنهن باستخدام الصور المثيرة المبتذلة بلا هوادة.
فبينما تسارع الشركات أصحاب العلامات التجارية الشهيرة والمرموقة إلى الحديث عن “تمكين المرأة” ضمن الحملات الإعلانية الخاصة بيوم المرأة العالمي، هل يشعر السادة المعلنين وأصحاب وكلات الدعاية والإعلان بأن المرأة ممثلة بشكل أفضل اليوم في الإعلانات التجارية عما كانت عليه قبل عشر سنوات مثلًا؟
اقرأ أيضًا:
هل انتهى حقًا عصر الإعلانات التجارية التقليدية؟!
تشييء النساء في الإعلانات التجارية
منذ عدة عقود مضت، بداية من عصر حركة تحرير المرأة في السبعينات، وحتى اليوم في عصر حملة #MeToo، تظل الكليشيهات الجنسانية حاضرة بقوة وبصورة كريهة في عالم الإعلانات التجارية، يتحدثون عن تمكين النساء، لكنهم لا يريدون التغيير.
من الإعلانات المبكرة عن المنتجات في الأربعينيات إلى الصورة الأنثوية المفرطة في الجمال والزخرفة في التسعينات، لا تزال إلى يومنا هذا في القرن الحادي والعشرين، تنتشر عبر شاشات التلفزيون والإعلانات الرقمية واللوحات الإعلانية في الشوارع وصفحات المجلات اللامعة صورة بعيدة عن الواقع للنساء كمستخدمات فقط للمنتج، وفي حين يتم تقديم دور الرجل في منصب السلطة بين الجنسين، فإن النظير الأنثوي يتم تجاهله أو التقليل من قيمته.
الهدف الرئيسي للمعلن هو إقناع المستهلك بالسلعة أو المنتج أو الخدمة التي يتم الإعلان عنها، وهي شيء يحتاجه المستهلك فعلًا، وجذب انتباهه لها للحصول عليها في النهاية. للقيام بذلك يجب أن يجعل الإعلان دماغنا يتفاعل مع السلعة أو المنتج المراد الإعلان عنه، عن طريق دغدغة المناطق العاطفية في الدماغ.
دائمًا ما تكون النساء السلاح الأبرز في معركة المعلنين لكسب انتباه ونقود المستهلك، حيث تستخدم الإعلانات في الأغلب صورًا لنساء على قدر عالٍ ومبهر من الجمال، وعلى الأغلب يتم ذلك وفقًا لطرق لا علاقة لها بالمنتج الفعلي، حيث يتم تشييء النساء في الإعلانات التجارية وتقديمهن كسلع وأشياء جنسية بصورة إيروتيكية رخيصة وتمييزية، تنتهك وتهين كرامتهن الإنسانية لأبعد الحدود.
من هنا بدأت الدعاية الجنسية التي تحتوي على كل هذه المكونات والتوابل والمنكهات للتقليل من دور النساء وحصرهن في صورة الدمى، وانتهاك المحظورات ومناشدة الجنس ضمن الاحتياجات الأساسية الأكثر أهمية عند قاعدة هرم ماسلو الشهير Maslow’s hierarchy of needs، بشكل مقحم دون التركيز على عرض مزايا وفوائد المنتج ذاته أو حتى احترام الحاجة إلى تقدير الذات على قمة الهرم الشهير.
فنجد مع بداية ظهور الإعلانات التجارية في أشكالها المتعددة، تم تشييء النساء بشكل ممنهج، تركز الإعلانات التي تخاطب جمهور النساء على مجموعة محددة من الخصائص التي روج لها مجتمعيًا كخصائص أنثوية، مثل: (التبعية، والاهتمام الشديد بالجمال، والأدوار النموذجية كأمهات و ربات منزل). وفي بعض الحالات بشكل مهين، غالبًا ما يظهرن في المادة الدعائية (وبالتالي يُنظر إليهن) على أنهن أشياء وسلع مزينة مزخرفة (أدوات جنسية) أو أشياء وسلع مفيدة (ربات منزل وأمهات وزوجات)، ولكن نادرًا ما يُنظر إليهن على أنهن مهنيات أو زوجات عاملات أو نساء فاعلات في المجتمع.
تنعكس هذه الممارسات الإعلانية على المجتمع سلبًا، على الطريقة التي يعتقد بها أفراده أن هذا هو المعيار المثالي للذكورة والأنوثة، وينطبق أيضًا على العديد من الصور النمطية الشائعة المتعلقة بدور ووظائف المرأة والرجل في المجتمع بشكل عام، على غرار المقولة السخيفة المنتشرة: “يلا على المطبخ”، وربما أدى ذلك جزئيًا إلى الطريقة التي ينظر بها الرجال إلى النساء كأشياء في بيئة العمل.
منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي، كافحت الحركة النسوية والكثير من الأشخاص المعنيين بوضع النساء المجتمعي؛ لجعل المعلنين يغيرون هذه الصورة المسيئة والتمييزية ضد المرأة، وعلى الرغم من كل هذه الجهود التي وصلت للذروة في أواخر عام 2017 مع ولادة حركتي #MeToo و#Time’sUp، من أجل فضح ممارسات التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي في هوليوود، وما تبعه من حراك في مختلف بيئات العمل التي تضم النساء، وبالتالي في الثقافة المجتمعية السائدة، فمن الواضح أن المجتمع لا يزال يرى نفس أنماط التشييء والاستخدام الطائش للجسد الأنثوي مع ظهور شخصيات النساء اللواتي يستخدمن إيحاءات جنسية ضمن مواد الحملات الإعلانية التجارية.
شركات تجارية تستخدم إعلانات إيروتيكية
تلجأ بعض الشركات للجنس ضمن إعلاناتها بشكل إيروتيكي، مستندة على انتشار ثقافة أن الجنس يبيع دائمًا، فنجد عددًا منهم يستخدم الصور الجنسية لعرض منتجات الملابس الداخلية أو المنتجات الطبية كالواقي الذكري، وهذا قد يبدو استخدامًا طبيعيًّا دون إقحام نظرًا لطبيعة المنتج، لكن هناك شركات تقحم الجنس بلا مبرر منطقي لمجرد جذب انتباه المستهلك.
على سبيل المثال، في بداية عام 2012، لجأت سلسلة هارديز عملاقة الوجبات السريعة لعرض إعلان مثير جنسيًا تظهر فيه فتاة الإعلان تأكل شطيرة برجر بالجبن بإغراء وهي ترتدي ملابس مثيرة، لتندلع عاصفة من النقاشات عن علاقة هذا النهج في الدعاية بجودة المنتج.
وفي عام 2014 أطلقت شركة COCA-COLA العالمية العلامة التجارية FAIRLIFE للحليب الفاخر المعبأ، مستخدمة حملة إعلانية تظهر مجموعة نساء عاريات يغطيهن الحليب بشكل يحاكي لقطة مارلين مونرو الشهيرة في إيجاء جنسي صارخ ليس له أي علاقة بصميم المنتج.
وتشير إحدى الدراسات التسويقية إلى أن القطاعات الأكثر استخدامًا للصور الجنسية في الإعلانات التجارية هي: قطاع الصحة والنظافة بمعدل 38% وقطاع الجمال بمعدل 36% وقطاع الأدوية بمعدل 29% وقطاع الأزياء بمعدل 27% وقطاع الرحلات والسفر بمعدل 23% وقطاع الترفيه بمعدل 21%.
جهود جيل النسويات الأوائل
فيما مضى كانت الرائدة Betty Friedan – بيتي فريدان، مع الرائدة Gloria Steinem – غلوريا ستاينم مؤسستان للحركة النسوية، وتعملان بجد نحو الوصول لعالم مستنير تسوده المساواة بين الجنسين، ويقدر النساء ويدعم وجودهن بحلول القرن الحادي والعشرين. لكن هذا لم يحدث حتى الآن رغم تعدد حركات حقوق النوع الاجتماعي.
عندما نُشر كتاب Our Bodies, Ourselves في عام 1970، كان كتابًا ثوريًا رائدًا في هدفه المعلن، والمتمثل في محو وتبديد الجهل المنتشر بشأن المرأة وثقافة النظر إلى جسد الأنثى بشكل مهين، وحث عموم النساء على حب أجسادهن كما هي على طبيعتها وتكريمها، والاعتزاز بها دون حالة لزخرفة أو روتوش، مع الإشارة إلى المعاملة الرافضة والمضرة أحيانًا التي يمكن أن تتلقاها النساء من الشركات والمؤسسات التي يسيطر عليها الذكور، سرعان ما أصبح الكتاب من بين أكثر الكتب مبيعًا، بل وجزءًا لا يتجرأ من البيان النسوي العام.
ومع ذلك، وبالرجوع إلى موضوعنا الأساسي، وعلى فرض نجاح جهود قادة الحركة النسوية فعلًا في تحقيق أهدافهم المنشودة بعد كل هذه الجهود على مدار العقود الماضية، فإن ممارسات المعلنين والقائمين على وكالات الإعلانات التجارية القادمة من عصور الظلام والغارقة في الكليشيهات الجنسانية، لن تجعل النساء تتقدم نحو الأمام.
والدليل المادي على ذلك، نجده ضمن مواد المعرض الجماعي Women on View: Aesthetics and Desire in Advertising الموجود في معرض Chaussee 36 في برلين، والذي هدف إلى عكس التأثير الاجتماعي والثقافي للصور التسويقية.
حيث يستعرض المعرض الكيفية التي تم بها تشييء النساء بإضفاء الإثارة الجنسية على الجسد الأنثوي في التصوير الإعلاني، باستخدام استراتيجية بيع الجنس بدلًا عن المنتج في الإعلانات التجارية على مر العقود، بدءًا من زمن الإعلان المبكر في الأربعينات، وحتى عصر الإثارة الجنسية المفرطة في التسعينات، إلى الأدوار المعاصرة للنساء في التصوير الإعلاني بعيدًا عن كافة المكتسبات المجتمعية التي تحققت للنساء.
اقرأ أيضًا:
أبرز الإعلانات التجارية الإبداعية خلال 2020 الأكثر جرأة وتأثيرًا في العالم
الترويج للنموذج المثالي الزائف
إن صناعة الإعلان تخلق بيئة ثقافية تجبر النساء على السعي إلى الكمال الجسدي، باعتباره الميزة والأهمية الوحيدة لهن، فتركز على جسد المرأة وجاذبيتها، ولكنها تتجاهل كفاءاتها وأهدافها ومهاراتها، وفي كثير من الأحيان، تبتعد الإعلانات عن البيع الصريح لأحد المنتجات، وتروج لنمط حياة مثالي بدلًا من ذلك.
ففي التصوير الفوتوغرافي لصناعة الأزياء وصناعة الدعاية والإعلان على وجه الخصوص، كان هناك تحول ملحوظ في النموذج من بيع المنتجات إلى بيع أنماط الحياة، حيث تعمل المواد الإعلانية كصورة معكوسة للمواقف الاجتماعية، وبالتالي فهي مؤثرة في تحديد صورة النماذج التي يحتذى بها وترسيخ مفاهيم الجمال.
فنجد أن صناعة الإعلان تعتمد صورة (المرأة المثالية) أو أفروديت كرمز للجسد والجنس في بيع جميع أنواع المنتجات، من العطور ومستحضرات التجميل إلى السيارات والعقارات، وقدمت تاريخيًا النساء على أنهن أشياء للشهوة والرغبة، المظهر المثالي هو لشابة غالبًا أقل من 24 عامًا، طويلة، نحيفة جدًا، جميلة المظهر، وذات بشرة فاتحة، مغرية بدون أي عيوب (بدون ندوب، نمش، تجاعيد)، ومعدلة الهيئة بالبرامج الرقمية Photoshop إلى أبعاد غير واقعية أكثر من أي وقت مضى، وكأنه الشكل الوحيد الصالح للهوية الأنثوية، وتحمل هذه الصورة رسالة للنساء مفادها: كن شابات وجميلات فقط، وغير ذلك عليكن الشعور بالذنب!
في صيف عام 2015، أطلقت العلامة التجارية Protein World إعلانًا مطبوعًا في مترو أنفاق لندن عن مكملات غدائية لإنقاص الوزن تظهر فيه امرأة ترتدي زي الشاطئ المثير (البكيني)، وتنظر بشدة إلى الكاميرا، مع عبارة: Are You Beach Ready، أثارت الحملة عاصفة عنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي اتهمت الحملة بالترويج لصورة غير صحية لجسد الأنثى، وتجبر النساء على مقارنة أنفسهن بعارضة البكيني، وتم حظر الإعلان في النهاية.
غالبًا ما يزعم الناس تجاهل الإعلانات، لكن الرسائل تصل إلى مستوى اللاوعي، بما يخلق بيئة ثقافية سامة، فقد أظهرت الدراسات أن استهلاك الإعلانات التي تحتوي على صورة مثالية للجسد يؤدي إلى زيادة المشاعر السلبية والشعور بعدم الرضا عن الجسد عند معظم النساء، خاصة عند المراهقات الصغيرات، ويعتقدن أن مظهرهن الجسدي أهم من الشخصية أو التطور الفكري، نتيجة الضغوط النفسية وتأييد معتقدات المجتمع.
قام بعض الباحثين بفحص العلاقة بين صورة المرأة في الإعلانات وهوس النساء والفتيات باتباع نظام غذائي صارم وبين صورتهن الذاتية، حيث يتم إلقاء اللوم على الإعلانات في اضطرابات الطعام الشائعة بشكل متزايد، والتي تهدد الحياة بين الشابات مثل فقدان الشهية العصبي والشره المرضي.
نحن نساء لا أشياء
على خلفية الضجة المتزايدة، لجأت بعض الشركات العاملة في مجال الموضة ومنتجات التجميل إلى بدء حملات ترويج باستخدام صور لنساء حقيقيات أكثر تنوعًا في إعلاناتها بعيدًا عن المثالية الزائفة، فبدأت شركة Dove عام 2004 حملتها الدعائية: “الجمال الحقيقي“، وقد امتد تأثير الحملة إلى ما هو أبعد من الترويج، بعدما قفزت مبيعات Dove من 2.5 إلى 4 مليارات دولار في السنوات العشر الأولى من الحملة.
في حين أن بعض أكثر الصور إثارة تنتمي إلى عالم الموضة، جاءت Madonna Badger – مادونا بادجر، المؤسس والرئيسة الإبداعية لشركة Badger & Winters، من قلب عالم صناعة الإعلانات التجارية في مهمة لتغيير فكر صناعة الإعلان، بعدما بحثت مع شركتها في تأثير تشييء النساء وتسليع الجسد الأنثوي على الأفراد والعلامات التجارية، ووجدت أن هذا النهج يمكن أن يكون له تأثير سلبي كبير على نية الشراء وسمعة العلامة التجارية.
بناءً على النتائج التي توصلت إليها، لم تكتفِ شركة Badger & Winters بتعهدها بعدم إنشاء وإنتاج إعلانات تعتمد على تشييء النساء فقط، بل طورت التزامها إلى أبعد من ذلك، من خلال تدشين حملة #WomenNotObjects لتشجيع الوكالات الإعلانية الأخرى على أن تحذو حذوها.
تمكين النساء أم تشييء النساء
الخلاصة، يجب على الجمعيات الأهلية المعنية بوضع المرأة وهيئات ومؤسسات المجتمع المدني، أن تحث الدول على تغيير قوانينها لتجريم التحريض على التمييز ضد المرأة في أي وسيلة إعلانية، وإعطاء الجمعيات النسائية الحق في رفع الدعاوى القضائية، مع وضع إجراءات لتعزيز المواقف النقدية تجاه الإعلانات التجارية.
كما ينبغي أن توصي الجامعات الإدارية والتجارية بإجراء دراسة أكاديمية شاملة لصورة المرأة والرجل في الإعلانات، وعلى أساس النتائج، يتم وضع مدونة سلوك للقواعد الجيدة الواجبة في صناعة الإعلان، تشجيع المعلنين على تقديم صور للنساء تحترم كرامتهن.
في الوقت نفسه، يجب أن نؤكد على أن حرية التعبير هي القاعدة، ويجب أن تظل كذلك، لكن احترام كرامة الإنسان هو نقطة مرجعية يجب عدم المساس بها أبدًا.
وبالنسبة لك عزيزي القارئ، إليك الطريقة:
- استخدم قوتك الشرائية وارفض تمامًا الشراء من العلامات التجارية التي تهين النساء في موادها الدعائية.
- التقط صورًا لإعلانات المسيئة للنساء، وانشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، مع التوعية والتنويه بخطورة الأمر.
- ادعم العلامات التجارية التي تمكّن المرأة، فنحن في القرن الحادي والعشرين.
لك أيضًا:
ألا أونا، ألا دو، ألا تري: مناورات المزاد العلني تقتحم المأدبة الاقتصادية لجائزة نوبل 2020
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.