اللؤلؤة رواية للكاتب الأمريكي جون شتاينبك: الجشع والطمع كمصدر لكل الشرور
5 د
ليس جيدًا أن ترغب بشيء أكثر من اللازم. فهذا أحيانًا قد يسوق الحظ بعيدًا. عليك أن تتوقف عن الرغبة فيه، وتكون واثقاً من رأفة الله. – من رواية اللؤلؤة للكاتب الأمريكي جون شتاينبك – John Steinbeck.
اللؤلؤة، رواية قصيرة للكاتب جون شتاينبك، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب لعام 1962، نُشرت في عام 1947، وتُرجمت للغة العربية ضمن مشروعي مكتبة الأسرة-القراءة للجميع في عام 2003، وتُعد إحدى روائع الأدب العالمي، تُنتشر الرواية بكثرة في حملات الدعوة للقراءة والمدارس المتوسطة لبساطتها، وسهولتها، ولعُمق معناها.
اقرأ أيضًا: خمس كلاسيكيات عالمية يجب أن تقرأها
رواية اللؤلؤة للكاتب جون شتاينبك
تتناول رواية “اللؤلؤة – The Pearl” للكاتب جون شتاينبك حكاية أسرة بدائية من الهنود الحمر في المكسيك تتكون من ثلاثة أفراد وهم: كينو، جوانا، والرضيع، لم يسترسل شتاينبك في تعريف الشخصيات، كأنه يرغب أن تصبح نظرة القارئ للحكاية بدائية كي تتناسب مع المشاعر الجارية بها، تعمل العائلة، كغيرها في تلك المنطقة، في صيد اللؤلؤ وبيعه، ولأنهم لم يكونوا تُجارًا، ولم يملكوا القدرة على أن يكونوا كذلك، فكانوا يبيعون اللؤلؤ الذي يحصلون عليه لبائعي اللؤلؤ في المدينة بثمنٍ بخسٍ لا يكفل لهم أن يشتروا به شيئًا من حاجتهم بالمدينة.
تبدأ أحداث الرواية عندما يُلدغ الطفل الرضيع بواسطة عقربٍ سام، تهرع جوانا لطلب الطبيب، ولكنه يرفض المجيء للأبوين الفقيرين، فيذهب كينو في رحلة للصيد ليحصل على بعض اللؤلؤ حتى يوفر ثمن الطبيب، تمنت جوانا وكينو وهو ذاهب أن يجد اللؤلؤة، تلك اللؤلؤة الضخمة التي توفر لهم الثمن الكافي لعلاج ابنهم، والغريب أنها ريثما كانت تُصلي، كانت تدعوا الله أن يحصلوا على اللؤلؤة الضخمة لعلاج ابنهم، بدلًا من أن تطلب مباشرة من الله أن يُعالج ابنها.
تحدث المعجزة، ويحصل كينو على ما تمناه، لؤلؤة ضخمة يمكنه بيعها ليوفر لابنه كل ما تمناه، سيسكنه في منزلٍ في المدينة، وسيذهب للمدرسة، “وسيقرأ الكتب”. ما إن حصل كينو على اللؤلؤة إلا وانتشر الخبر في المدينة كالنار في الهشيم، أصبح كل البائعين الذين كانوا يحتقرون كينو وعائلته، أعز أصدقائه الذين يبتغون مودته لبيع لؤلؤته، والطبيب الذي رفض مقابلتهم بحجة “الهنود الصغار؟ لا، أنا طبيب ولست بيطريًا” هرع إليهم ليعتذر حيال أنه لم يكن موجودًا المرة السابقة، فقد كان “مسافرًا” ليس إلا.
يجول شتاينبك في رحلة في عقل كينو، ينظر كينو لتقاليد المدينة التي سيتبعها حين ينتقل إليها، وتكون نظرته له بدائية مثله، إلا أنها بسيطة رغم ذلك، هذه النظرة تجرد تلك التقاليد التي تسمى بالتقاليد “الحضارية” من زيفها الحضاري، وتوضح تفاهتها وسذاجتها، كتقاليد الزواج في الكنيسة وما شابه.
اقرأ أيضًا: الرواية المرعبة The Invention of Sound: جديد العبقري الأمريكي تشاك بولانيك لعام 2020
أُسرة كينو والحياة الطبقية
وُلد شتاينبك لأسرة أمريكية محدودة الدخل، فشل في الجامعة، ودخل سوق العمل كبناء، هذه الأزمة المادية قد انعكست على أغلب أعماله، حتى نجد أن أشهر أعماله The Grapes of Wrath – عناقيد الغضب تتناول ظروف عائلة مُعدمة تكافح وسط الطبقة العاملة.
كذلك الأمر في حكاية اللؤلؤة، نجد شتاينبك قد ركز جيدًا على الجانب الطبقي، فقد قسم المدينة لقسمين على أُسس اقتصادية واجتماعية، وفي وصفه لعائلة كينو، تناول بوضوح الجانب الاقتصادي لهم، فكينو يأكل قطعة صغيرة من كعكة الذرة فقط على الإفطار، بينما سكان المدينة لديهم ما يكفي حاجتهم وفائض لحاجات غيرهم.
اقرأ أيضًا: رواية ملائكة وشياطين للكاتب دان براون: عن الصراع الشائك بين رجال الدين والعلم
الجشع والطمع كمصدر لكل الشرور
مجتمعات الهنود مؤمنة جدًا بالخرافات، انعكس هذا على زوجة كينو، جوانا، رأت جوانا أن كينو من بعد حصوله على اللؤلؤة بدأت كل الشرور، قد حصلت محاولات كثيرة لخداعه من قبل الصيادين، وبعد أن باءت كلها بالفشل وجدوا أن الحل الأمثل هو سرقة اللؤلؤة، وكذلك من الواضح أن العديد من الهنود الأخرين قد طمعوا فيما لدى كينو وحاولوا سرقته، يدخل كينو في صرعات عديدة يقترب فيها من الموت أحيانًا ومن القتل أحيانًا أخرى.
ولذلك اعتقد جوانا أن السبب في كل ما قد حل بهم هو اللؤلؤة الملعونة، فوجدت أن الحل هو التخلص منها، وتحاول ذلك مراتٍ عديدة، ولكنها تفشل في كل مرة، وفي كل مرة كذلك تزداد علاقتها مع كينو توترًا إلى أن يُخبئ كينو اللؤلؤة ويضرب زوجته.
قد تكون الزوجة قد أثبتت وجهة نظرها، فحصول كينو على اللؤلؤة (المال) كان سب الأعمال الشريرة: خداع بائعي اللؤلؤ لكينو، محاولة جيران كينو سرقت، كما أنها جعلت الطبيب المداوي لابنهم يعطيهم سم على أنه ترياق لعلاجه حتى يضمن طلبهم له!
أدى الجشع والطمع لكل هذه الشرور، وجعل الناس في الرواية يتحولون لآلات لا تبحث إلا عن المادة، وهم مستعدون للخداع، السرقة وحتى القتل كي يحصلوا عليها.
اقرأ أيضًا: أشهر روايات أجاثا كريستي: أعظم كُتّاب أدب الجريمة أو الأدب البوليسي في التاريخ
تحول كينو وتناقض المشاعر
ليس الناس وحدهم فقط من غيرتهم اللؤلؤة تاجه كينو، بل تبدل هو كذلك تجاه نفسه وتجاههم، نرى كينو في مطلع الرواية على أنه أبٌ طيب ومكافح لأسرته، يحب زوجته وابنه، ويريده أن يكبر ويتعلم ويقرأ الكتب، ويريد أن يوفر له المال فنكون متعاطفين معه، وعندما يحصل على المال ويحاول البائعون خداعه نعاطف كذلك لأن هدفه يظل نبيلًا على عكسهم.
كان كينو طيلة الرواية يحارب العالم، ليس فقط زوجته التي تحاول أن تتخلص من اللؤلؤة ولا بائعي اللؤلؤ الذين يحاولون سرقته فحسب، بل كذلك كان يقف ضد تيار شعبه، لم يحاول الهنود مرةً أن يوقفوا ما يحل بهم من سرقة وخداع في بيع لؤلؤهم بالثمن الرخيص، لذلك نجد أن رفض كينو للبيع لتُجار اللؤلؤ يقف ضد تيار المجتمع، قد يكون هذا هو سبب سخطهم عليه ومحاولتهم سرقته.
بعد فترة من حصوله على المال تبدأ شخصية كينو في أن تتحول شيئًا فشيئًا، حتى نجده لا يختلف كثيرًا عن بائعي اللؤلؤ الذين يحاولون سرقته وخداعه، فهو يتحول كذلك إلى وحش يحاول أن ينفذ باللؤلؤة بأية طريقة، فلا يجد مانعًا في أن يضرب زوجته أو أن يقتل من يحاول سرقته.
تختبر الرواية هنا الطبائع البشرية في الحكم على الأمور، هل سيظل القارئ متعاطفًا مع كينو الذي يضرب زوجته ويُعنفها ويقتل من يحاول أن يقترب من لؤلؤته أم سينفرُ منه ويقف ضده؟
تُظهر الرواية في شخصياتها المحدودة رمزيات صريحة للطبيعة البشرية الجشعة، تحتوي الرواية كذلك على أفكار جانبية عديدة تتناول مشاكل المجتمع، تحتوي الرواية على نوع من موسيقى خاصة وسرد جميل وسلس للأحداث، نجد أن كينو وجوانا صامتون طيلة الوقت إلا في مراتٍ قليلة كانوا ينطقون بكلماتٍ قليلة، وكأنهم يتواصلون معًا من خلال مشاعرهم، يتفق ذلك مع الطبيعة البسيطة والبدائية للرواية.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.