إذا كان العيش على أسطح الكواكب الأخرى حلمًا بعيد المنال.. لماذا ينفق البشر مليارات الدولارات في أبحاث الفضاء؟
9 د
بينما كنت أقرأ في سلسلة ما وراء الطبيعة للكاتب المصري الراحل “أحمد خالد توفيق”، تحديدًا في عدد “أسطورة أرض أخرى”، حيث يتقابل شخصان (سالم وسلمى)، أما عن الأول، فهو شاب يعيش على كوكب الأرض حياة طبيعية إلى أن أتت الأخيرة سلمى، وهي فتاة من كوكب آخر يشبه الأرض معها جهاز يساعدها على التنقل من كوكب لآخر. تساءلتُ، لماذا تسيطر على البشر فكرة التنقل من الأرض إلى الأجرام الفضائية الأخرى؟
ليس توفيق فقط، فمن ناحية أخرى، صدرت العديد من الأفلام والروايات تحكي قصصًا عن حياة البشر خارج الأرض. كم من مرة شاهدت فيلمًا سينمائيًا أبطاله رواد فضاء يذهبون إلى الكواكب البعيدة بحثًا عن الحياة، لربما يعثرون على جُرم سماوي مناسب لحياة البشر بعدما أفسدوا الأرض!
حسنًا، هذه الأفلام والروايات من خيال كُتَّاب يتمتعون بخيال خصب ولا أنكر أنني استمتعت كثيرًا بكل هذه الأعمال الرائعة. لكن منذ فترة قصيرة، تشرفت بحضور محاضرة للعالم المصري الكبير الدكتور “عصام حجي”، وسُئل، هل سيستطيع البشر العيش على القمر أو المريخ في وقتٍ ما؟
أجاب حجي بأننا لن نعيش على أي كوكب، ولكننا في محاولة لفهم ظروف الحياة على هذه الكواكب – التي يحاول العلماء استكشافها – فقط من أجل حماية حياتنا على كوكب الأرض. وأضاف أنّ وجود الإنسان على القمر أو المريخ- مثلًا – ليس له قيمة علمية في الوقت الراهن، لقد اضطر البشر للذهاب إلى القمر في القرن الماضي لجمع العينات ودراستها جيدًا، أما الآن، يستطيع الروبوت فِعل ذلك بسهولة. كما لم تصرح أي وكالة فضاء سواء ناسا أو وكالة الفضاء الأوربية أو غيرهما بأنّ البشر سيذهبون للعيش في الكواكب الأخرى.
للوراء قليلًا.. المغامر الأمريكي
عام 2017، صرح رجل الأعمال الأمريكي “إيلون ماسك” عن إرسال سفن فضائية إلى المريخ عام 2022. وبعدها بعامين، سينتقل البشر إلى هناك. وفي يناير 2020، قال ماسك أنه بحلول عام 2050، سينتقل مليون شخص إلى المريخ. لكن يبدو أنّ الخطة الزمنية لماسك قد فسدت، ففي أكتوبر 2020، صرح بأنّ هناك فرصة لإرسال سُفن الفضاء إلى المريخ في 2024 ثم ستُرسل بعثة مأهولة بحلول 2026 (يبدو أن ماسك مغرمًا بالفضاء)، لنعد إلى الزمن أكثر، تحديدًا في الوقت الذي قرر فيه البشر أخذ خطوات جادة.
عندما قرر البشر غزو الفضاء
تُشير الأدلة التاريخية إلى أنّ الريادة في هذه الخطوة الجريئة كانت للاتحاد السوفيتي في عام 1957، عندما أطلقوا القمر الصناعي “سبوتنيك 1” في الفضاء، تبعه عدد من الأقمار الصناعية الأخرى، ثم جاء دور اختبار الحيوانات والكائنات الأخرى، فأرسلوا مركبة فضائية فيها الكلبة “لايكا”، التي أثبتت قدرة الثدييات على التعايش مع ظروف الإطلاق للفضاء، أعلن المسؤولون عن وفاة لايكا بعد عدة أيام، لكن عام 2002، كُشف عن أنها ماتت بعد عدة ساعات من الإطلاق لظروف درجات الحرارة والإجهاد، ربما كان وراء هذه الكذبة أسباب سياسية، ولعل السبب يكمن في المعلومات الآتية..
في 12 أبريل عام 1961، حلق أول إنسان إلى الفضاء ودار في مدار الأرض على متن مركبة الفضاء “فوستوك 1”. بعدما عاد إلى الأرض، صار واحدًا من المشاهير، إنه “يوري جاجارين“، لكن- للأسف- لقى حتفه أثناء التدريب على إحدى المركبات عام 1968، وفي عام 1971، وُضع اسمه في لوحة “رائد الفضاء الفقيد” على سطح القمر. (بالمناسبة، إنها لوحة مصنوعة من الألمنيوم بطول 8.5 سم، فيها قائمة بأسماء رواد الفضاء الذين فقدوا حياتهم أثناء رحلات الفضاء ومحاولات استكشاف الكون، وُضعت على جبل “هادلي ريلا” على سطح القمر، بواسطة طاقم رواد الفضاء لرحلةِ أبولو 17، في 1 أغسطس عام 1971.)
في يونيو 1963، انطلقت مركبة الفضاء الروسية فوستوك 6 بقيادة أول وأصغر رائدة فضاء قضت فيها 3 أيام تدور في مركبتها حول الأرض (أكرر، كانت وحدها تمامًا)، إنها “فالنتينا تيريشكوفا”. على الصعيد الآخر، بدأت وكالة الفضاء الأمريكية الشهيرة بـ “ناسا” في تجهيز روادها للانطلاق في هذا الفضاء الفسيح، وحققت نجاحات هائلة إلى أن وصل الإنسان إلى القمر على متن أبولو 11.
(قبل استكمال التقرير.. هل فهمت قصدي بخصوص عدم التصريح بموت الكلبة لايكا بعد الانطلاق بعدة ساعات؟ حسنًا، لتجنب الألغاز، ربما أرادوا الاحتفاظ بحبل الأمل لتحقيق حلم البشر للوصول إلى الفضاء، وعدم تثبيط الناس.. هذا مجرد استنتاج، يحتمل الصواب أو الخطأ).
اقرأ أيضًا: عندما يكون رصد السماء أكثر من مجرد هواية.. استعد لعطلة الصيف بألوان علم الفلك هذا العام!
أليست الأرض أولى بتلك الأموال لحل مشاكلها؟
يطرح العديد من الناس خارج الوسط العلمي هذا السؤال. لا أكذب عليك يا صديق، لديهم وجهة نظر تستحق الانتباه إليها والبحث عن إجابة منطقية لها. إنّ فكرة البحث في الفضاء فقط من أجل إشباع الفضول نحو العالم الخارجي لا تروق لبعض الناس، ليس الجميع مولعًا بالفضاء وما وراء النجوم.
في ظل الظروف الحالية التي تعاني فيها الأرض من الزيادة السكانية وتغيرات المناخ وانتشار الجوع والفقر في كثير من دول العالم. تقترح بعض الآراء استخدام هذه الأموال الموجهة لأبحاث الفضاء لحل هذه المشكلات. وللإجابة على سؤال “أليست الأرض أولى بتلك الأموال لحل مشاكلها؟”، حسنًا، ربما يجيب معظم الناس بـ “نعم”، لكن مهلًا، هناك العديد من التحديات التي تحجب عن الناس رؤية الأغراض الهادفة من أبحاث الفضاء هذه، إنها تخدم الحياة على الأرض في الأساس. كيف ذلك؟ لنرى ماذا يحدث داخل محطة الفضاء الدولية أولًا.
من داخل محطة الفضاء الدولية
تدور محطة الفضاء الدولية فوق الأرض على ارتفاع 390 كيلومتر بسرعة 28 ألف كم/الساعة وتكمل دورتها حول الأرض مرة كل 90 دقيقة. هناك مختبرات متقدمة ومزودة بأحدث التقنيات، توفر للباحثين والعلماء بيئة فريدة لإجراء أعقد التجارب العلمية بعيدًا عن جاذبية الأرض. بالمناسبة، لا يمكن إجراء أي من هذه الأبحاث في أي مكانٍ آخر.
من ناحية أخرى، لا تقتصر نتائج الاكتشافات العلمية الناتجة على استكشاف النظام الشمسي، لكنها كذلك ستؤدي إلى تحسين الحياة على سطح الأرض. قد لا يقتنع بعض القراء مع الجملة السابقة ويتساءلون، كيف ستحسن أبحاث تُجرى في الفضاء الحياة على الأرض؟ سؤال منطقي وسنحصل على إجابته الآن.
أبحاث الفضاء في تحسين حياة البشر على الأرض
الأقمار الصناعية
قد تكون هذه المعلومة بديهية لبعض الناس، لكن عزز الوصول إلى مدار الأرض فهم ومعرفة البشر للتغيرات المناخية وحالات الطقس وبناء معرفة جيدة بالغلاف الجوي للأرض. كما تطورت الملاحة باستخدام الأقمار الصناعية، فبعد إطلاق “سبوتنيك 1” عام 1957، أطلقت 40 دولة أعدادًا مهولة من الأقمار الصناعية لأغراض مختلفة، منها: البث الإذاعي والملاحة والاتصالات والأغراض العسكرية.
في عام 2019، أعلن مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي “UNOOSA” عن وجود نحو 5074 قمرًا صناعيًا في مدار الأرض، ومن المتوقع ارتفاع أعداد هذه الأقمار في السنوات القادمة. علمًا بأنّ هذه الأقمار الصناعية لها دور فعّال في خدمات الإنترنت، وهي واحدة من أهم الخدمات للبشر في عصرنا هذا، إن لم تكن الأهم. وفقًا للإحصائيات، بين عامي 2005-2017، ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت من 1 إلى 3.5 مليار شخص على مستوى العالم، وهي نسبة تُقدر بـ 16-48% من سكان الأرض.
النظام البيئي.. فرضية غايا
استطاع البشر فهم نظام الأرض المعقد والمتآزر، وعليه وضع عالم الكيمياء البريطاني “جيمس لوفلوك” فرضية “غايا”. وهي تقترح أن كوكب الأرض عبارة عن نظام معقد، نتيجة تفاعل الكائنات الحية مع المواد اللاعضوية، ما يجعل النظام أكثر تماسكًا، واجهت هذه النظرية نقدًا عندما طُرحت في سبعينات القرن العشرين، لكن سرعان ما ثَبُتت صحتها وأصبحت واحدة من أهم الدعامات للحركة البيئية الحديثة، كما ساعدت في تقدير ما إذا كانت الحياة على سطح المريخ ممكنة أم لا، من خلال دراسة الظروف على أسطح الكواكب الأخرى ومعرفة مدى تشابهها بالحياة على الأرض.
اختراعات في مختبرات الفضاء
(شاهد هذا الفيديو لـ Ron Garan، رائد فضاء تابع لوكالة ناسا، إنه يلخص ما يحدث داخل محطة الفضاء الدولية..👇)
توفر بيئة الفضاء فرصة لتعزيز المواد الجديدة والأدوية الضرورية للبشر. كما تساعدنا في التوّصل إلى طرق فعّالة للحصول على مياه نظيفة وزراعة محاصيل تسد الحاجة الغذائية للسكان في ظل هذه الكثافة السكانية التي تعاني منها الأرض. علاوة على ذلك، تقدم لنا دراسة الفضاء فهمًا أفضل لأجسامنا البشرية عندما يقيم رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية ويعملون ويعيشون حياتهم وفق احتياجاتهم الطبيعية، وهذا مفيد في حماية البشر من الأمراض.
من ناحية أخرى، يحاول عدد كبير من مهندسي وكالة ناسا الفضائية توظيف خبراتهم في تطبيق تكنولوجيا برامج الفضاء المتقدمة في حل المشكلات التي تواجه العالم. فمن المعلوم أنّ التكنولوجيا المستخدمة في المجازفة بحياة إنسان وإرساله إلى الفضاء الفسيح، هي متقدمة بما فيه الكفاية ولها قدرات فائقة ستقدم حلولًا قوية.
لتقريب الصورة أكثر، في كل عام، تحتفل ناسا باختراع جديد، وهو بمثابة اختراع ناسا التجاري للعام، على سبيل المثال، في عام 2011، كان اللقب للثلاجات التي تعمل بالطاقة الشمسية، وهي مصممة خصصيًا لدعم الحياة على سطح القمر. في نفس الوقت، لديها العديد من التطبيقات المفيدة على سطح الأرض، إذ تشير التقديرات إلى أنّ هناك ما يقرب من 2 مليار من سكان الأرض يفتقرون للكهرباء.
ومن المتوقع أن توفر مثل هذه التكنولوجيا فرصة لتحسين حياة مليارات من البشر. خاصة في المراكز الطبية في المناطق النائية، ما يقلل تكلفة الكهرباء المُنفقة لحفظ اللقاحات والأدوية، وتزيد فرص تقديم اللقاحات للمناطق الفقيرة. كما سيساعد هذا الاختراع في تبريد المنتجات الغذائية، ما يعزز الاقتصاد لكثير من بلدان العالم.
استطاعت ناسا تطوير العديد من الأجهزة مثل: الثنائي الباعث للضوء “LED” وأفران الميكروويف والمكانس الكهربائية اللاسلكية المحمولة والتصميم بمساعدة الحاسوب “CAD” وأنظمة تحليل الفيديو، إضافة إلى أجهزة المساعدة البطينية “VADs” والأطراف الصناعية وتقنية التصوير بالرنين المغناطيسي، كما أصبح لدينا معرفة أقوى بهشاشة العظام والاضطرابات الوراثية والأمراض الأخرى. كل هذا من خلال تمويل ناسا لأبحاث الفضاء.
عن ذلك الكون الفسيح
استطاع البشر دراسة الكون جيدًا من خلال العمل على الأبحاث خارج الغلاف الجوي للأرض، حيث تصبح الرؤية والرصد أكثر وضوحًا، وأبرز الأمثلة على ذلك، تلسكوب هابل الذي استطاع خلال 30 عامًا رصد أكثر من مليون صورة للكون، وهذا ساعد في دراسة علم الفلك بتوسع والتأكد من صحة نظرية النسبية العامة لأينشتاين، كما ساهم ذلك في دراسة الكواكب الأخرى، ما دفع العلماء للبحث في كيفية نشأة الحياة على الأرض من خلال هذه الأجسام الفضائية.
معلومة ربما تهمك
في عام 2002، أشارت التقديرات إلى أنّ ناسا تُعيد ما بين 7-21 دولارًا للولايات المتحدة الأمريكية مقابل كل دولار تنفقه الوكالة في أبحاث الفلك، أي لا يوجد خسائر كما يفهم معظم الناس.
وأخيرًا.. للرد على السؤال المطروح في عنوان المقال “لماذا ينفق البشر مليارات الدولارات في أبحاث الفضاء؟”، ستجد الإجابة عندما تسأل أنت هذه الأسئلة.. كيف سيكون العالم إذا لم يشهد ثورة الاتصالات الأخيرة؟ ماذا لو لم يتقدم الطب للمستوى الحالي؟ هل كنا سنفهم تغيرات المناخ والطقس والنظام البيئي على الأرض كما عرفناه اليوم؟ ماذا عن مصير علوم الفلك والطب والحوسبة؟ عند الإجابة على هذه الأسئلة، ربما ستُدرك إجابة العنوان.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.