“جمالنا يسيطر على أقدارنا!” هل يؤثر الجمال حقًّا على تحيزاتنا وقراراتنا اليومية؟

نغم حسن
نغم حسن

5 د

للجمال سلطة عليا، وسحر خاص يمارسه علينا كبشر، وبنسبة كاسحة ترجح الكفة دائما لجهته شئت ذلك أم أبيت. جرّب أن تدهس صرصارًا يمشي بسلام في الشارع وأن تقتل فراشةً في نفس الوقت، لست بحاجة لأن اسئلك عن مشاعرك، غالبًا سوف تشعر بالقرف والاذدراء نحو الصرصار المسكين، أما الفراشة ستحظى بالحزن والتعاطف، لأنها جميلة طبعًا، برغم أن الفراشة والصرصار حشرتان، وكلاهما لا نفعٌ ملموسٌ لهما ولا ضرر.

جرب أن تزور حضانة أطفال لاتعرف أحدًا منهم، كلهم أطفال أبرياء يلعبون، إلا أنني لن أستغرب عندما تشعر بالحب والانجذاب نحو الطفل الأجمل بينهم وربما تحضنه وتقبله من بين الكل، إنها حقيقة موجودة بنسبة كبيرة رغم عدم عدالتها الظاهرية.

عندما تسأل شخصًا عن أول ما جذبه  لشريك حياته سيقول لك، أوه كانت تمتلك عينان ساحرتان، شعرًا طويلًا حريريًا، صوتًا موسيقيًا، أو كان يمتلك ذقنًا جذابة وجسدًا مثيرًا ، حتى لو طلبت منه أن  يصف لك روح شريكه سيقول: روحه جميلة! وهنا نحمد الله على نعمة تعدد الأذواق. 


كيف يؤثر الجمال على حياتنا الإنسانية والمهنية؟

تُظهر أبحاث العلوم الاجتماعية أن المظهر الجسدي للشخص له تأثير ملموس على تجاربه الحياتية وفرصه بشكل عام،  لكن القصة أكثر تعقيدًا مما قد يتوقعه الناس.

في أغلب الأحيان، يتمتع الأشخاص الجذابون بالكثير من الامتيازات. على سبيل المثال: هناك مفهوم نفسي يسمى “تأثير الهالة” يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالجمال. فعند الانطباع الأول، يفترض الآخرون أن الأشخاص الجذابين للغاية لديهم مجموعة متنوعة من السمات الشخصية الإيجابية، مثل الإيثار والاستقرار والذكاء والقوة والخصوبة، مقارنة بالأشخاص الأقل جاذبية، كما لو أن "هالة" غير مرئية تشرق على الجميل. يساعد هذا في تفسير التمييز المتفشي في المظهر في مكان العمل.

ديفيد هامرميش يعتبر أن الأشخاص الجذابين هم أكثر عرضة للتوظيف، ويحصلون على أجور أعلى، وأكثر عرضة للموافقة على الحصول على قرض، والتفاوض على القروض بشروط أفضل، ولديهم أزواج أفضل مظهرًا ومكانة أعلى حتى أن المجرمين الجذابين يحصلون على أحكام مخففة! نعم لا تستغرب.


آليات الجاذبية في الدماغ البشري.. من الوراثة إلى التقييم في مراحل الطفولة المبكرة

تقول هيلين فيشر عالمة الأنثروبولوجيا البيولوجية التي تدرس الجاذبية في معهد كينزي: "عندما ترى شخصًا جذابًا، فإن المنطقة السقيفية البطنية اليسرى من الدماغ تنشط وتفرز الدوبامين". إذ يستخدم الدماغ ثلاث وحدات على الأقل، تتألف من مناطق دماغية مترابطة، للحكم على جاذبية الوجه: واحدة لتحديد الهوية، وواحدة للتفسير، وواحدة للتقييم. 

العناصر الأساسية التي تدخل في الحكم هي العمر والصحة، بالإضافة إلى التماثل والمتوسط ​​ونسب الوجه والجسم ولون الوجه وملمسه. هذه العناصر كلها إشارات مكلفة على اللياقة الإنجابية. كما تتشابه تقييمات الجاذبية بشكل مدهش بين الرجال والنساء وبين مجموعات من الناس. إذ أفادت الدراسات أن الناس يتفقون عبر الثقافات على جاذبية أشخاص محددين، ويشير هذا بقوة إلى أن الأحكام المتعلقة بالجاذبية الجسدية متأصلة في علم الوراثة البشرية، ومن المحتمل أنها ثابتة في مرحلة مبكرة من تطورنا.

والمدهش أن أدوات التقييم هذه متاحة في مرحلة مبكرة جدًا حيث يحدق الأطفال البالغون من العمر ستة أشهر لفترة أطول في الوجوه التي يعتبرها البالغون جذابة ويقضون وقتًا أقل في النظر إلى الوجوه التي يعتبرها البالغون غير جذابة .


كيف يرتبط الجمال والجاذبية بالخصوبة؟

 في الواقع، في العالم الحديث، ترتبط الجاذبية الجسدية بشكل كبير بالنجاح الإنجابي، إن المرأة التي تختار شريكًا ذكرًا لا يساهم فقط بالمواد الوراثية الجيدة، بل يوفر أيضًا الموارد الآخرى. وبالتالي ستكون في المتوسط ​​أكثر نجاحًا من المرأة التي ليس لديها مثل هذا الدعم. وهذا يعني أن الجاذبية والقدرة على اكتشاف الجاذبية بدقة تقع تحت ضغط انتقائي تطوري. لذلك، ليس من المستغرب أن يقوم الدماغ بتطوير أنظمة متخصصة لتقييم خصائص الجاذبية بدقة، مثل العمر والصحة والقدرة الإنجابية.

تتناغم النساء مع ملامح وجه الرجال لدرجة أنه بمجرد النظر إلى صورهم، يمكنهم ترتيب مجموعة من الرجال بشكل صحيح بناءً على مستوى هرمون التستوستيرون في اللعاب!  ومن المثير للاهتمام، أنه في حين أن المرأة تميل إلى تفضيل رجل ذو هرمون تستوستيرون مرتفع في علاقة غرامية، فإنها تفضل كمية أقل من هرمون التستوستيرون لرفيق طويل الأمد "زوج"،  إن المبالغة في ذكورة صور الرجال تجعلها في الواقع أقل جاذبية.

في دراسة آخرى، حصلت النساء ذوات مستويات هرمون الاستروجين الأعلى على تقييمات أعلى للأنوثة والجاذبية والصحة. ومن المثير للاهتمام أنه عندما ارتدت النساء مستحضرات التجميل الملونة أدى ذلك حرفيًا لتعويض انخفاض مستويات هرمون الاستروجين لدى بعضهن!


هل نستطيع أن نصبح أكثر جاذبية وجمالًا؟

هل سمعت المثل القائل"اهتم بمظهرك طالما أن الناس لا يحكمون عليك إلا من خلاله"

للأسف إنه الواقع، ولكن الجمال يأتي في أشكال متعددة. جميعنا نمتلك جمالًا فريدًا، وإذا أردت تعزيز ذلك الجمال الذي في داخلك، فابدأ بتطوير شخصيتك، قوتك، وثقتك. فالجمال ليس فقط في المظهر الخارجي، بل أيضًا في العمق والمحتوى الذي نحمله.

لقد وجدت العديد من الدراسات أنه عندما يُطلب من الرجال والنساء مقارنة إصدارات الوجوه الأكثر تناسقًا مقابل الأقل تناسقًا، فإن الوجوه المتناظرة تحصل على تقييمات أعلى بكثير من الجاذبية والهيمنة والجنس والصحة، و في إحدى الدراسات، اقترب الرجال من النساء اللاتي يضعن الماكياج بشكل أكبر، وبشكل أسرع، في الحانة مما كن عليهن في الليالي بدون مكياج، وقد عوّض المكياج الصحيح قلّة التناسق في الوجه

الحصول على قسط كافٍ من النوم هو شيء يمكن لأي شخص القيام به لزيادة حاصل جماله. أجرت مجموعة من الباحثين السويديين والهولنديين تجربة قام فيها المراقبون بتقييم جاذبية  للمشاركين الذين تم تصويرهم بعد فترة من الحرمان من النوم وبعد ليلة نوم جيدة  وليس من المستغرب أن الأفراد الذين حرموا من النوم تم تصنيفهم على أنهم أقل جاذبية كما تم تصنيفهم على أنهم أقل صحة.

 ليس من المستغرب أيضًا أن المشاعر الإيجابية تزيد من الجاذبية، فنحن ننجذب إلى أولئك الذين يبتسمون دائمًا.

، هنا نكتشف حقيقة المقولة "لا وساطة أفضل من وجه حسن" نعم ربما الحياة ليست عادلة، لكن الجمال لا يعتبر مؤشرًا قويًا على السعادة ونجاح العلاقات الانسانية أو الرضا عن الحياة.

ذو صلة

 الأشخاص الرائعون ليسوا أكثر سعادة من الأشخاص العاديين بل إن عقودًا من الأبحاث الاجتماعية والنفسية تخبرنا أن أكبر مؤشر منفرد لسعادة الإنسان هو نوعية العلاقات الاجتماعية للشخص.

 بمعنى آخر، إذا كنت تريد أن تكون أكثر سعادة ورضا عن حياتك، عليك أن تعمل على تحسين صحة علاقاتك، وليس مظهر جسدك، قد يسهّل الجمال حياتك ويفتح كثيرًا من الأبواب لك لكنه حتمًا لن يبقيها مفتوحة طويلًا إذا اعتمدت عليه وحده.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة