عشوائية الطبيعة أم غضب السماء.. لماذا تحدث الزلازل على الأرض؟
5 د
لماذا يُسلِّط الله الزلازل على المسلمين، وكيف يكون رحيمًا ويترك الأطفال والأبرياء والمؤمنين به تحت الأنقاض في مشاهد تفزع لها القلوب، وكيف يحرم رضيعًا من والدته أو أبًا من ابنته؟
أسئلة واستفسارات واعتراضات لا نهائية طرحها المئات والآلاف سرًا أو جهرًا بعد زلزال سوريا وتركيا المدمِّر، وعلى الرغم من أنه لم يكن أول زلزال على مستوى العالم أو منذ خلق الله البشرية ولن يكون بالطبع الأخير، فضلًا عن البراكين والفيضانات والفيروسات التي يتزايد عددها كل عام، إلا أن حجم التدمير الشامل به وتزامنه مع الكثير من علامات قيام الساعة جعل الكثيرين يتساءلون هل الله تعالى غاضب علينا؟ أم أن ما حدث هو من الأمور العادية في الطبيعة؟
وفي الحقيقة فإن الإجابة مزيج بين هذا وذاك..
فيقول ابن القيم إنه من تأثير معاصي الله في الأرض ما يحلّ بهم من خسف وزلازل.
وذكر ابن أبي الدنيا حديثًا مرسلًا إن الأرض قد تزلزلت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فقال إن ربكم ليستعتبكم فأعتبوه، وتزلزلت مرة أخرى في عهد عمر بن الخطاب فقال للناس إن هذه الزلزلة إنما لشيء قد فعلتموه فإذا عادت لن أساكنكم فيها.
وورد عن أنس بن مالك أنه دخل على السيدة عائشة مع رجل آخر وطلبوا منها الحديث عن الزلزلة فقالت إن الناس إذا استباحوا الزنا وشربوا الخمر وضربوا بالمعازف فإن الله يأمر الأرض أن تتزلزل بهم فإن تابوا هدأت وإلا هدمها عليهم، وعندما سألوها هل هذا عذاب، قالت لا وإنما هو موعظة ورحمة من الله تعالى واستعتاب ليعود المؤمنون إلى الطريق القويم قبل يوم الحشر العظيم.
لكن إذا كان الأمر من هذه الناحية فقط، وأن الزلازل والبراكين عتاب من الله تعالى للمؤمنين به تعالى وتذكيرهم به، فلماذا يُصاب بها الكافرون والملحدون على مستوى العالم، ألا يتعرضون للزلازل والبراكين والفيضانات أيضًا؟
بالتأكيد يتعرضون، ولكن لهذا قصة أخرى.
فقد مرّ الرسول عليه الصلاة والسلام على جنازة فقال مستريح ومستراح منه، فقالوا يا رسول الله ما المستريح وما المستراح منه؟ فقال إن العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها وينعم برحمة الله، ولكن العبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد.
فكما خسف الله تعالى بقارون الأرض وأهلك فرعون بجيشه وسلّط الطوفان على قوم نوح فأهلكهم إلا قليلًا، فهو أيضًا تعالى يضرب من لا يؤمنون به حتى لا يكونوا فتنة للمؤمنين من ناحية وليذكرهم بضعفهم من ناحية أخرى، وأنه مهما تقدم الإنسان واكتشف من العلوم ما يتنبأ به بالكوارث فإن خلق الله أشد وأكثر قوّة دائمًا.
لكن ماذا عن الرُّضّع والأبرياء، ما ذنبهم في هذه الكارثة؟
يشاء الله العليّ القدير أن يردّ بشكل عملي على المشككين في رحمته تعالى، فيخرج رضيع بعد أكثر من 120 يومًا سليمًا مُعافى من تحت الأنقاض وهو يضحك ويبتسم ويخطف القلوب.
ويشاء أيضًا برحمته وقدرته أن تولد جنين أنثى بحكمة إلهية بالغة وتتوفى والدتها لتعيش هي وتتلقى آلاف الطلبات للتبني، ويشاء أيضًا أن يتوفى أطفال لعلهم يكونون سببًا في دخول والديهم للجنة إذا صبروا، وهكذا كل يوم نكتشف آيات ومعجزات لا حصر لها من جراء زلزال مكث 40 ثانية فقط ولكن تأثيراته قد تمتد إلى سنوات لمن يعقل ويتعظ ويتأكد أن زمن المعجزات لم ولن ينتهي.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جيشًا يغزو الكعبة فإذا كانوا ببيداء الأرض يُخسف بأولهم وآخرهم، فقالت: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ فقال:"يُخسف بأولهم وآخرهم ثم يُبعثون على نياتهم".
إذًا، فإن الموت ليس شرًا إلا للعبد العاصي أو الكافر أو الملحد، ولكنه للمؤمن والمُطيع قمة النعيم والرحمة، فمن رأى الزلازل ونجا منها يذكر الله ويتصدق ويزداد اقترابًا، ومن لم ينجُ فهو في رحمة الله عز وجل ويُبعث على نيته وقيل إنه يكون من الشهداء.
هل كثرة الزلازل من علامات اقتراب الساعة؟
من لا يُشككون في رحمة الله تعالى عز وجل وعلى يقين بأن فعله كله خير لا يستطيعون على الإطلاق مقاومة هذا التساؤل.
فقد شهد العالم في عام 2020 نحو 1400 زلزال متوسط القوة، ولكن في عام 2021 ارتفع العدد إلى 2200 زلزال، كما تزايد بشدة شعور الناس في المنازل بالزلازل البسيطة حتى التي لا تتسبب في أي تدمير أو خسائر في الأرواح.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج أي القتل وحتى يكثر المال فيكم فيفيض".
ويقول الكثير من الفقهاء إن كثرة الزلازل والأوبئة والبراكين هي بالفعل من علامات يوم القيامة ولكن من العلامات الصغرى، والتي قد تستمر لمئات أو آلاف السنوات، فيوم عند الله تعالى كألف سنة من حسابات البشر "وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ". وفي حين اختلفت التفسيرات لمعنى ألف سنة وهل تعني العذاب أم الأيام الستة التي خلق الله تعالى بها الكون أم أيام الحساب في الآخرة، إلا أنه من المؤكد أن ظهور العلامات الصغرى تعني اقتراب يوم القيامة، ولكن هل في هذا العقد أم بعد ألف أو مليون عام آخر؟ فلا أحد يمكنه أن يعلم.
فيقول الله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)".
أي أنه مهما كثرت العلامات والتنبؤات فإن يوم القيامة سوف يأتي بغتة، وقد ظهرت علامات صغرى بالفعل منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أي منذ مئات السنوات، وقد يكون أمام البشرية مئات السنوات الأخرى أو ساعات أو أيام، لا أحد يمكنه أن يعلم.
فالزلازل من آيات الله تعالى التي يرسلها تخويفًا وتذكيرًا، وهي ضرورية للتنفيس عن الأرض ومن خصائص الطبيعة الأساسية، وهي موجودة منذ خلق الله تعالى الأرض ومن عليها. وقد يكون عددها ارتفع، أو القدرة على قياسها والشعور بها فقط هي التي تطورت مع تقدم الوسائل التقنية.
فإذا رغبت في أن تكون بأمان منها أو لا تضرك في شيء فعليك فقط بالأخذ بالأسباب والرضا بقضاء الله وقدره والتأمل في خلقه وفي آياته، وبعد هذا لن يضرّك شيء إذا اهتديت.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.