ما قبل المعركة: الأحداث التي جعلت أوروبا على صفيح ساخن قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى
8 د
الحرب العالمية الأولى، تلك الحرب العظمى التي أدت إلى مقتل 16 مليون شخص بين مدني وعسكري مع 20 مليون إصابة، واشتراك نحو 70 دولة بها وتجمع نحو 800 مليون شخصًا هم نصف سكان العالم في هذا الوقت، ومع الدمار الشامل الذي وقع على مستوى العالم، ومع حقيقة أن القنبلة الذرية لم تكن اُخترعت بعد، فإن هذه الدموية الشديدة والخسائر الفادحة من الصعب تصديق أنها كانت فقط ردًا على مقتل الأرشيدوق فرانز فرديناند ولي عهد النمسا وزوجته بالرصاص في سراييفو.
الحقيقة أن أوروبا كانت على شفا بركان يغلي قبل هذا بسنوات كثيرة، بل تجنبت حربًا محتمة بصعوبة شديدة عام 1908 عقب نجاح النمسا والمجر في ضم إقليم البوسنة العثماني مما أحبط صربيا بشدة والتي كانت ترغب في السيطرة على كل دول البلقان، وعلى هذا عملت على تعبئة جيشها بمساعدة روسيا إلا أن تدخل ألمانيا القويّة، والتي نجحت في توحيد أراضيها مؤخرًا أدى إلى تراجع روسيا وصربيا ولكن إلى حين، فما الذي كان يدور في أوروبا قبل سنوات من هذه الحرب الشاملة؟
8 أحداث أدت لاندلاع الحرب العالمية الأولى
ربما يعرف الجميع تقريبًا أن مقتل الأرشيدوق فرديناند في صربيا كان سبب اشتعال فتيل الحرب، ولكن على مدى أكثر من 50 سنة ماضية وتحديدا منذ توحيد ألمانيا عام 1870 وتغييرها لخريطة أوروبا، وبداية تراجع القوة العثمانية والصراعات بين الدول الاستعمارية على الإرث العثماني وظهور قوى وطنية مختلفة في البلدان المُستعمرة، كل هذا وأكثر أدى لحالة دائمة من الغليان مع سلام هش للغاية لم يكن يصمد مطلقًا في هذا العصر، ليأتي الاغتيال والذي كانت توجد معلومات مسربة ومؤكدة على حدوثه ليتوِّج هذه الأحداث، فقد أدى إصرار الأرشيدوق على استكمال زيارته المخطط لها لسراييفو رغم معرفته بالتخطيط لاغتياله، لإشعال فتيل المعركة وقتل وجرح وحُكم باليُتم على ملايين البشر في أحداث لم يُشفَ العالم من آثارها حتى الآن رغم مضي قرن من الزمان على اندلاعها.
فهيا نتعرف معًا على الأسباب الحقيقية التي زادت من تأجج الصراعات في أوروبا، وأخذت معها أكثر من نصف العالم في تلك الحرب العظمى أو الحرب العالمية الأولى.
التحالف الفرنسي الروسي عام 1894
تعرضت كل من فرنسا وروسيا لإذلال مهين في الحرب الفرنسية البروسية عامي 1870 و 1871 على يد قوّة ألمانيا الصاعدة، والتي شكلت تحالفًا قويًا مع كل من النمسا-المجر وإيطاليا، ولهذا قررت كل من روسيا وفرنسا التحالف بينهما لتوحيد قوتهما، وتوفير الحماية المُتبادلة وهو ما سوف يكون بداية إنشاء قوات الحلفاء بمشاركة بريطانيا فيما بعد.
فقد كان هذا التقارب الثلاثي سواء بين فرنسا وروسيا من جهة، ثم بين فرنسا وبريطانيا من جهة أخرى عام 1904 من أهم أسباب تعزيز قرار الحرب، خصوصًا مع الوفاق الأنجلو روسي عام 1907.
فقد خشيت كل من بريطانيا وفرنسا على مستعمراتهما من ألمانيا، لذلك قررا تنحية صراعاتهما جانبًا والحفاظ على ما لديهما، ومن ناحيةٍ أخرى فإن محاولات روسيا تحديد ألمانيا في البَلقان كانت تفيد الدولتين الاستعماريتين في تشتيت جهود العدو الجديد.
كان هذا التحالف حاسمًا في تشكيل الحرب فضلًا عن المساعدة في شنها، فمع مجموعة قوية من التوقعات وزيادة ترسانة الأسلحة والسباق الألماني البريطاني في تعزيز الأسطول البحري وتعبئة صربيا لجيشها، فإن الحرب كانت على وشك الاندلاع في أي وقت.
القانون البحري الألماني الأول عام 1898
كانت ألمانيا قوّة صاعدة بسرعة كبيرة وتمكنت من إذلال روسيا وفرنسا بالفعل لتستدير إلى بريطانيا، فقد كان معروفًا أن الأسطول البريطاني لا أول له ولا آخر، وأن المملكة المتحدة تحرص على أن تكون مُتفوقة في هذا الأمر مرتين ونصف على الأقل عن أي منافس لها، ليأتي تشريع القانون البحري الألماني الأول، والذي دعا إليه وزير البحرية الأدميرال ألفريد فون تيربيتز ليشكل تهديدًا مباشرًا لبريطانيا.
فقد كان هذا هو القانون الأول من بين 5 أخرى تستهدف التعزيز العسكري الألماني والتفوق البحري المطلق على المملكة المتحدة، ويؤكد أساتذة التاريخ أن هدف تيربيتز من هذا القانون كان إجبار بريطانيا على التحالف مع ألمانيا ولكن بشروط ألمانية.
ولكن ما حدث فعلًا كان العكس تمامًا، إذ أنهت بريطانيا العُزلة التي كانت تعيش فيها منذ ثمانينات القرن الـ 19 مكتفيةً بمستعمراتها التي لا تغيب عنها الشمس، لتقرر التحالف مع كل من اليابان وروسيا وفرنسا عدوتها اللدود في السيطرة على المستعمرات، وكل هذا لتقويض هذه القوّة الصاعدة بسرعة البرق.
الحرب الروسية اليابانية من 1904 إلى 1905
أدت هذه الحرب وعلى غير المتوقع تمامًا إلى دخول روسيا واليابان في التحالف الفرنسي البريطاني!
فقد كان نيقولا الثاني قيصر روسيا يرغب في الاستيلاء على ميناء في المحيط الهادئ ليمنح سفنه حرية الوصول إلى هناك، بالإضافة إلى ضمان سيطرته على كوريا، ولكن اليابان لم تستغ الأمر وشنت هجومًا مفاجئًا على أسطول روسيا في بورت آرثر في الصين وسحقته تمامًا مما أدى إلى تغير شامل في ميزان القوى في أوروبا.
فقد كانت كل من فرنسا وبريطانيا حليفتان لروسيا، وفي الوقت ذاته لديهما اتفاق مع اليابان، مما أدى إلى تدخلهما السريع لتجنب الاستمرار في الحرب في الصين وفي الوقت ذاته إرساء دعائم قوى الحلفاء، بالإضافة لتحويل أطماع روسيا من آسيا والشرق لتتجه إلى أوروبا والغرب وخصوصًا دول البلقان، لتعزيز القدرات القتالية الروسية بشدة في تلك الفترة والذي كان له دور في إشعال فتيل الحرب العالمية الأولى بعد هذا التحالف بأقل من عقد من الزمان.
ضم النمسا والمجر للبوسنة والهرسك عام 1908
كانت منطقة البلقان مشتعلة تمامًا في نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن العشرين، فرغم أن الإمبراطورية النمساوية المجرية كانت تحكم البوسنة والهرسك نظريًا منذ معاهدة 1878 إلا أنها فعليًا كانت لا تزال تابعة للإمبراطورية العثمانية والتي بدأت في الانهيار، لذلك قررت النمسا والمجر ضم أراضي البوسنة نهائيًا وأرسلت عددًا كبيرًا من الجنود لتثبيت حكمها والتأكيد عليه.
ولكن هذه الخطوة أثارت القومية الوطنية السلافية ضد الإمبراطورية النمساوية، فقد كان سكان البوسنة والهرسك يأملون في دولة مستقلة، فضلًا عن طمع السلافيين في صربيا لضم هذه الأراضي نفسها خصوصًا وأنها مأهولة بعدد كبير من السلافيين.
وانضم لهم السلافيون في روسيا والتي كانت تَعُد نفسها حاميةً لصربيا، مما أدى لعدة مواجهات مع النظام النمساوي المجري سواء من أهل البوسنة والهرسك أنفسهم أو من صربيا أو من روسيا.
الأزمة المغربية الثانية عام 1911
خامس الأحداث التي أسهمت في تأجيج نيران العداوة بين شعوب أوروبا المختلفة، أنه في عام 1911 ظهرت السفينة الألمانية الصغيرة SMS Berlin على شاطئ أغادير في المغرب لتعزيز الموقف الألماني، وهذا بعد إرسال القارب الحربي Panther، حيث الصراع الألماني الفرنسي على أشده منذ سنوات لفرض الحماية على المغرب.
وفي عام 1905 أو في الأزمة المغربية الأولى أبحر القيصر الألماني فيلهلم الثاني إلى طنجة لدعم السلطان المغربي ضد فرنسا، إلا أن بريطانيا تدخلت ودافعت عن الفرنسيين مما أدى لتراجع القيصر.
وقد تكرر التدخل البريطاني في الأزمة الثانية عند إرسال القطع البحرية الحربية بحجة إخماد ثورة قَبَلِيّة في المغرب كان الألمان يعتقدون أنها مدعومة من فرنسا، إلا أن المساندة البريطانية أدت بألمانيا للاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب، كما أدت لتأجيج العداء ضد ألمانيا وتسريع المواجهة النهائية معها.
الغزو الإيطالي لليبيا عام 1911
لم تدخل إيطاليا في الصراع على المستعمرات مثل بريطانيا وفرنسا، فهي لم تظهر على الساحة كدولة حديثة مُوحدة حتى عام 1861، وقد كان العالم يحكمه في هذا الوقت الإمبراطورية العثمانية والتي بدأ نجمها في الأفول لصالح بريطانيا وفرنسا، وقد قررت إيطاليا غزو ليبيا تلك الدولة على الأطراف والتي لم يُطالب بها أحد من القوى الاستعمارية.
إلا أن تركيا قاومت الأمر بشدة مما دفع إيطاليا لإعلان الحرب على اسطنبول لينتهي الأمر بمعاهدة سلام إيطالي تركي غادر على إثرها الجيش العثماني لليبيا ليتركها لإيطاليا تستعمرها، وقد كان هذا الاستعمار بداية لتحالف آخر على الجهة المقابلة من الحرب ودعم لإمبراطوريات يسعى بعضها للتوسع وأخرى ترغب في الحفاظ على ما لديها بالفعل.
حروب البلقان 1912-1913
يَعُدها الكثير من المؤرخين هي البداية الحقيقية للحرب العالمية الأولى، فإذا كان الغزو الإيطالي لطرابلس أعلن انتهاء عهد الإمبراطورية العثمانية تمامًا، إلا أن انفصال كل من صربيا وبلغاريا والجبل الأسود واليونان عن الإمبراطورية منذ القرن الـ 19 أشعل فتيل المقاومة ضد رجل أوروبا المريض.
فقد انفصلت هذه المقاطعات وكوّنت تحالفًا اسمه رابطة البلقان ودُعم من روسيا التي كانت تهدف للاستيلاء على المزيد من أراضي البلقان المملوكة للأتراك.
ووقعت حربين في البلقان خلال عامين، فجاءت الأولى بتحالف صربيا واليونان والجبل الأسود ضد القوات العثمانية وهزمتها وأجبرتها على عقد هدنة.
إلا أن البلقان سريعًا ما تفككت ودارت الحرب بين المقاطعات المستقلة لتدخل بلغاريا في مواجهة ضد اليونانيين والصرب للاستيلاء على مقدونيا، وسريعًا ما حاربت الإمبراطورية العثمانية ورومانيا ضد بلغاريا أيضًا مما انتهى بهزيمة الأخيرة وترك المنطقة في حالة من الاضطرابات الشديدة وفراغ كبير في السُلطة عقب انهيار العثمانيين.
اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند
وأخيرًا جاءت الشرارة التي أطلقت بركان الحرب والتي أكدت سيطرة النزعة القومية بشدة في الإمبراطورية النمساوية المجرية وفي أوروبا عمومًا، فقد كان فرديناند معتدلًا في توجهاته القومية، وكان السلافيون في صربيا يخشون من شعبيته ومن قدرته على إقناع السلافيون في البوسنة والهرسك بالتعايش السلمي والتوزيع العادل للسُلطة وبالتالي إنهاء أي أمل للشعوب السلافية في التوحد.
وقد أصرّ فرديناند على زيارة سراييفو وتفقد أحوال الإمبراطورية رغم وجود أنباء مؤكدة بالتخطيط لاغتياله، فقد كان يعتقد أن شعبيته سوف تحميه.
وهكذا انطلق المارد، فقد أدى الحادث لمواجهة مباشرة بين روسيا والنمسا- المجر، وقد كانت الأخيرة مدعومة من ألمانيا والتي منحتها الإشارة الخضراء للحرب، ثم دخلت إيطاليا الحليف الجديد لألمانيا، وبمعاونة الإمبراطورية العثمانية التي كانت تأمل في الحفاظ على ما لديها تكوّنت قوّات المحور ضد قوات التحالف والتي ضمت كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا وأيرلندا في الأساس مع الكثير من الدول المحتلة في هذا الوقت والتي خاضت غمار حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.