من حسد القضيب إلى الرغبة الجنسية في الأبوين!.. ما هي أكثر نظريات فرويد المثيرة للجدل؟
6 د
أعاد كل مشكلة أو مرض نفسي إلى كبت الغرائز المختلفة، فهذا من وجهة نظره يستهلك الكثير من الطاقة، إذ لا يمكن للمرء بعدها أن يقوم بأي شيء. ورغم الجدل الكبير حول نظرياته سابقًا وحاليًا إلا أنه أبو علم النفس الحديث وواحد من أشهر مؤسسيه. فقد انطلق به من الخرافات الشعبية والتصورات الخيالية واتهامات السحر والشعوذة إلى النظريات العلمية، ورغم رفض المجتمع العلمي لمجموعة من نظرياته فيما بعد، إلا أن أفكاره كانت لبنة مهمة في هذا العلم وأُثبتت صحة الكثير منها.
سيجموند فرويد، الطبيب النمساوي من أصل يهودي والمختص في طب الجهاز العصبي ومبتكر فكرة التحليل النفسي عبر الحوار والحديث. ما هي أكثر نظرياته المثيرة للجدل؟ ولماذا اعتبر الجنس هو المحرّك الأساسي للأفراد؟ وهل بالفعل كبت الغرائز يُعيق تطور الإنسان؟ هذا ما سوف نتعرف عليه الآن.
غضب المرأة من القضيب ورغبتها في إنجاب الذكور
يعتبر حسد القضيب Penis Envy واحدة من أكثر نظريات المثيرة للجدل على الإطلاق والتي أطلقها عام 1908، فقد أعلن أن نمو المرأة وإدراكها مع الوقت أنها لا تملك قضيبًا يدفعها للسخط على والدتها وبالتالي جنسها كله، فبسبب هذه العقدة تحتاج دائما إلى إنجاب طفل ذكر لتشعر بنوع من التعويض وأن شيء منها يمتلك القضيب المفقود!!
حسد القضيب من النظريات التي دُحضت بقوًة في العصر ذاته، وخصوصًا من المحللة النفسية كارين هورني والتي أسست حركة علم النفس النسوية فيما بعد، لتؤكد أن غضب القضيب كان رمزيًا بحتًا، معترفة أن هناك غضب من المرأة بالفعل ولكن تجاه مكانتها في المجتمع وليس نتيجة تشريحها الجسدي. فهي تشتاق إلى المكانة التي يتمتع بها الرجال وتشعر بالنقص نتيجة الحرية والمكانة الاجتماعية الممنوحة لهم، والتي حُرمت منها نتيجة جنسها وليس لافتقارها الحرفي إلى القضيب.
ومن ناحية أخرى لم يفسر فرويد رغبة الآباء أيضًا على مدى عقود طويلة من الحصول على طفل ذكر، والذي ارتبط أيضًا بالطبع بالقدرة على العمل والإرث والكسب المادي الذي كانت تفتقر له المرأة تمامًا في هذا العهد وحتى وقتنا هذا.
وقد أدت هذه النظرية لظهور فكرة "غضب الرحم" أو حسد الرحم على اعتبار أن الرجال يتأثرون سلبًا بعدم قدرتهم على الحمل والإنجاب والرضاعة، وهي النظرية التي لم تأخذ أي قدر من الاهتمام، لأنه كان يُنظر إلى هذه الوظائف في الأصل نظرة دونية لم يُفكر فرويد في تحليل أسبابها.
عقدة أوديب والرغبة الجنسية في الوالدين
افترض فرويد أن الغريزة عمومًا سواء الجوع والعطش وغيرها وتحديدًا الجنس هو المحرّك والدافع الأساسي للإنسان، وأن الكبت وعدم النمو الجنسي السوي في الطفولة هو المسبب الرئيسي للأمراض النفسية والعصبية.
وأطلق نظريق عقدة أوديب والتي تتمثل في رغبة جنسية لاواعية للطفل الذكر في والدته، وأنه ينظر إلى والده كمنافس له، عليه التخلص منه أو منع ملامسته لوالدته، وهي حالة قد تظهر في الارتباط الزائد بالأم والإصرار على النوم في غرفة الوالدين، وتمني الطفل أن يسافر أبيه ليستأثر باهتمام والدته. ولأن بعض الأطفال الذكور يكون لديهم ارتباط أكثر قوة بالأب وليس الأم، ففسر فرويد هذا بأنها عقدة أوديب سلبية، أي رغبة الطفل في العلاقة الجنسية مع أحد الأبوين من نفس الجنس.
ظهرت نظرية أخرى مشابهة للفتيات هي عقدة ألكترا، ترغب فيها الابنة من الزواج بأبيها، إذ تعود إلى أسطورة إلكترا الإغريقية الشهيرة والتي أقنعت أخاها بقتل والدتها وعشيقها انتقاما لمقتل والدها، في حين تعود عقدة أوديب إلى الأسطورة الإغريقية والتي قرر فيها ملك طيبة أن يدق مسامير في قدم طفله الوليد ويلقيه فوق الجبل بسبب نبوءة عرّاف أنه سيُقتل على يد ابنه، ولكن بعض الرحالة وجدوا الطفل وقاموا بتربيته ليُنازل أباه فيما بعد ويقتله دون أن يعرف أنه أبيه ويتزوج والدته ويُنجب منها طفلا.
استقى فرويد نظرياته النفسية من هاتين الأسطورتين متخليًا عن دور الآباء والأمهات في التربية الجنسية للأطفال وتأثرهم سلبًا أو إيجابا بهذه التربية.
تشجيع ممارسة الأطفال للجنس لمنع صدمات الاعتداء الجنسي
من نظريات فرويد شديدة الإثارة للجدل والتي تخلى هو نفسه عنها في حياته في محاولة منه لإنقاذ حياته المهنية، هي محاولة انخراط الأطفال بشكل ما في العلاقة الجسدية..!!
بالطبع الآن هناك الكثير من الآراء التي تشجع زيادة الثقافة الجنسية للأطفال وعدم الخجل من أسئلتهم وتقريب مفاهيم العلاقة الحميمة لهم وفقا لعمرهم، ولكن ليس هذا ما قصده فرويد.
فقد ركّز فرويد قبل عام 1900 على مرض الهيستريا والذي وجدت دراساته وأبحاثه أنه مرض يصيب النساء فقط، وشملت أعراضه الهلوسة والعصبية الشديدة، بالإضافة إلى الانفجارات العاطفية غير المبررة والتي لم ينجح في تفسيرها حتى عام 1900، فمن خلال الاستماع إلى مريضته التي تعرضت للتحرش على يد والدها تبيّن له أن هذه الهستيريا يمكن أن تكون نتيجة الاعتداءات الجنسية في الطفولة.
وقد بدأ فرويد كمؤيد للمضطهدين وبدأ يسلِّط الضوء على دور الاعتداء الجنسي في الطفولة في التسبب في الكثير من الأمراض العقلية فيما بعد، خصوصًاوأن الاعتداء والتحرش غالبًا ما يتم في نطاق الأسرة، وحدد بشكل خاص الإخوة والأعمام والعمات وغيرهم من أفراد العائلة.
وحتى هذه اللحظة كان فرويد ينطلق من مسؤولية أخلاقية عن مرضاه رغم رفض الكثير من زملائه لأقواله، والتأكيد أن الاعتداءات الجنسية في الأسر مجرد ادعاء خيالي من فرويد، الذي سريعا ما تخلى عن أفكاره بعدما اكتشف أن أحد أصدقائه المقربين يقوم بهذا الفعل بنفسه، بل والكثير من أصحاب النفوذ.
وبدلًا من الكشف عن الأمر والتأكيد عليه فضّل فرويد إنقاذ حياته المهنية، فقدّم نظريات مثل عقدة أوديب وغضب القضيب لتبرير "تخيلات" المرضى في أنهم تعرضوا لاعتداء جنسي في الطفولة ومن ثم بدأ الدعوة إلى ادخال الأطفال البالغين في الممارسات الحميمة بحريّة لعدم تعرضهم لأمراض الكبت، وهذا أدى ليس فقط لانتكاسة قوية في الحركة النسوية وفي ممارسة الجنس، بل أيضًا لإساءة تفسير مفهوم ما بعد الصدمة.
فأدى إذعان فرويد وفقا لرأي الكثير من المختصين إلى تأخير فهم إساءة الأطفال مئة عام على الأقل، كما أعاق فهم الصدمات التي تعرّض لها الجنود في الحرب العالمية الأولى نتيجة هذا التستر الفرويدي ومحاولات واهية لتبرير حالات الهيستيريا بالكبت الجنسي.
نظريات فرويد عن الدين وإنكار دوره في المجتمع
افترض فرويد أن المعتقدات الدينية ما هي إلا وهم كبير، وأن الابتعاد عن الدين هو أفضل الأيديولوجيات، وقد أدت هذه الأفكار إلى تصنيفه كعلماني، حيث بيّن أن الآراء الدينية لأي شخص تأتي من تأثره بوالده، سواء إيجابًا فيفعل مثله أو سلبًا فيفعل عكس ما يقوم به الأب.
بل كان يعتقد أن الناس يميلون إلى تصوير فكرتهم عن الإله بناء لصفات وسمات شخصية الأب في حياتهم، وأن هذه الصفات الإلهية تتغير مع تغير علاقة الأشخاص بآبائهم. وطبّق فرويد الأمر على نفسه مؤكدا أن تربيته يهودية، وأنه لا يرغب في تغييرها، ولكنه في الوقت ذاته بعيد تمامًا عن دين آبائه وعن أي دين آخر.
بالطبع تعرضت نظريات فرويد لانتقادات واسعة سواء في عصره أو العصور التالية، ولكن تبقى إسهاماته محلّ دراسة وتدقيق. فقد أثبتت التجارب الواقعية أهمية العلاج بالكلام، والذي أرسى دعائمه مع مرضى التحرش الجنسي في الطفولة قبل أن يتنازل عن نظرياته، كما أن أفكاره حول الشخصية وانقسامها إلى الأنا والهو والأنا العليا لا تزال محل تقدير واحترام.
صمدت أفكاره بشأن تأثير اللاوعي على السلوك وطريقة ظهوره في الأحلام وفي زلات اللسان، بالإضافة إلى نظرياته عن آليات الدفاع التي يلجأ إليها الفرد لصد الضرر النفسي من إنكار وإسقاط وغيرها. مع إسهاماته القوية في تسليط الضوء على دور التربية في نشأة الأمراض النفسية. وعلى الرغم من إخفاقاته إلا أن دوره فعّال في زيادة فهم النفس البشرية وعلاج الاضطرابات النفسية وطريقة تفسيرها بوسائل مختلفة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.