نظرية المعنى عند فيتغنشتاين: قبل أن تسأل عن المعنى اسأل عن الاستخدام
4 د
هل تساءلتم يوماً ما عن السبب الكامن وراء تغيير المعنى لأي مصطلح نستخدمه في حياتنا؟ هل فكرتم لمرة أننا نغيّر المعنى حسب السياق الذي ترد فيه الكلمات، وأحياناً حسب ما نريد إيصاله للآخرين؟ كيف يمكن للمعنى أن يتبدل ويتغير دون أن تفقد الكلمات وقعها علينا؟
أهمية المعنى...
لطالما سعت الفلسفة عبر تاريخها لدراسة المعنى، وقد اصطدمت النظريات عبر التاريخ بصعوبة أساسية، ألا وهي الوصول إلى معنىً ثابتِ ومحدد للكلمات والعبارات والجمل.
ويرجع اهتمام الفلاسفة والمفكرين عبر التاريخ بدراسة المعنى، إلى تدخله في كافة التفاصيل التي نحياها ونعيشها، فمن دون المعنى لا يمكننا القيام بأي شيء، فهو يحدد طبيعة سلوكياتنا وكيفية قيامنا بهذا السلوك، فنحن إن لم نفهم المعنى المطلوب فإن سلوكنا سيكون غير مفهوم للآخر، مما قد يدفعه للقول لنا: أنت لم تستطع أن تفهم عليّ ما أريده حقاً.
ويعد الفيلسوف الألماني فيتغنشتاين، واحداً من أهم الفلاسفة الذين استطاعوا أن يحدثوا ثورة في فكرة المعنى، بعد أن قدم نظرة مخالفة لما كان سائداً في النظريات التي تقول بالمعنى الثابت.
ينطلق فيلسوفنا من فكرة أن للكلمة الواحدة طرائق متعددة للاستخدام لا يمكن حصرها، وهذا يعني أن لها أيضاً معانٍ متعددة، فالمعنى حسب تعريفه: (هو الجو المحيط أو المصاحب للكلمة، والتي تحمله معها في كل أنواع الاستخدام).
لا تسأل عن المعنى وإنما اسأل عن الاستخدام...
شعار فيتغنشتاين المعروف، والذي يؤكد من خلاله الطبيعة الاسفنجية للغة، وهذا يعني أن المعنى يتغير لعدة أسباب: فهو يتغير أولاً بناء على استخدامنا للكلمة، ويتغير أيضاً بناء على دلالتها كالأسماء، كما يذهب أنصار المذهب الاسمي، ويرتبط المعنى أيضاً بالقصد، ذلك أن ما نقصده بالعبارة هو ما يعطيها معنىً معيناً.
هنا لا بد أن نشير إلى أن فكرة القصدية التي يطرحها فيتغنشتاين حول المعنى، تأتي متأثرة بقصدية الفيلسوف الألماني هسرل، حيث المعنى لا يقارن إلا بالوعي.
في سياق بحث فيتغنشتاين في المعنى ينتقد الكثير من النظريات الفلسفية، كنظرية الفيلسوف أوغسطين التي تقول أن معنى الكلمة هو الشيء الذي تشير إليه، وفي هذا قصور للمعنى فأوغسطين حسب رؤية فيتغنشتاين لم يفكر إلا في الأسماء من خلال طرحه هذا، وأهمل الاستخدامات الأخرى للغة كالأمر والاستفهام والتعجب وغيرها، والتي قد تشير إلى معاني متعددة ومتنوعة حسب استخدام الكلمة وحسب السياق الاجتماعي والاستعمالي في حياتنا اليومية، كقولنا: ما هذا؟ فإجابة هذا السؤال لا تظهر إلا إذا عرفنا إلام نشير في تساؤلنا.
ولذلك تتلخص نظرية المعنى في الاستخدام كما يشير فيتغنشتاين في أن معنى أي كلمة أو عبارة يتمثل في طريقة استخدامها في سياق معين، وعندما يقال عن شخص ما أنه يعرف كيف يستخدم هذه الكلمة فإن ذلك يشير إلى أنه يعرف معناها.
ألعاب فيتغنشتاين اللغوية
يقدم لنا فيتغنشتاين شرحاً وافياً لنظرية ويؤكدها من خلال ألعاب لغوية على اعتبار أن اللغة لعبة كما يرى، وكما أن لكل لعبة قواعد تحددها، فإن للغة قواعد تحددها ولا بد من مراعاتها، وإذا لم تراعى فإننا سنقع في سوء استخدام اللغة.
ويرد في كتاب البحوث بعض الأمثلة حول استخدامات اللغة، ومنها عندما يكون لدينا عمال بناء ويستخدمون الألفاظ الخاصة بالبناء (بلاط) (دعامات) (قوائم) فإن العاملين في البناء سيفهون هذه الكلمات ضمن الموقع الذي يعملون به، ولكننا إذا استخدمنا هذه الكلمة خارج إطار العمل في البناء فإن الآخر قد لا يفهم معنى الكلمة، فهي لا تكون ذات معنى خارج موقعها، ولذلك فإن الظروف المرافقة لنطق أي كلمة هي ما يساعدنا على الاستخدام الأمثل للغة، كما أن طريقة نطقنا لأي عبارة هو الذي يعطيها المعنى المطلوب، فإذا قلنا لأحد ما: عليك أن تفعل هذا؟ يظهر التساؤل فيما إذا قيلت هذه العبارة على سبيل التوقع أو الأمر، فإذا قيلت على سبيل الأمر ستحمل معنىً مختلفاً عما إذا قيلت على سبيل التوقع.
كل ما سبق يؤكد بالنسبة لفيتغنشتاين أنه لا يوجد مظهر موحد للكلمات، فالكلمات في وظائفها العديدة الأدوات الموجودة في صندوق العدد، وعند استخدامنا لهذه الكلمات فإنها تكتسب رونقها وحياتها ومعناها.
في النتيجة...
لم يرفض فيتغنشتاين الوظيفة التقريرية للغة، وإنما حاول أن يقدم لنا وظائف متنوعة ومتعددة لها، وتظهر الوظائف المتعددة للغة في اللغة العادية اليومية.
مما سبق قد تكون النصيحة الآتية مفيدة في حياتنا: علينا أن ننتبه لاستخدامات اللغة في حياتنا، ولكيفية توظيف الكلمات التي نعرفها في سياق أحاديثنا، فاستخدام الكلمات فن بحد ذاته، قد يجعلنا ننقل أفكارنا بوضوح ودقة، ودون إساءة للآخرين، وقد يحولنا لأشخاص نقول له في اللغة الدراجة: إن فلانًا لا يعرف كيف يتكلم.
وربما تعود أغلب أسباب سوء استخدامنا للغة إلى أننا لا نعرف كيف ننقل ما نشعر به بدقة، وكيف نوظف كلماتنا في العبارات التي نقول، وأحياناً يعود السبب إلى قلة الكلمات التي نمتلكها في قاموسنا اللغوي، فهناك فرق كبير بين أن نقول لشخص ما: أنت لا تفهم، فتبدو عبارتنا غليظة ومؤلمة، وبين أن نقول له: أعتقد أنك فهمتني خطأ، وفي هذا نقل مختلف للمعنى، قد لا يكون مؤذياً أو مسيئاً في حياتنا اليومية.
اقرأ أيضًا: كيف نقرأ الفلسفة؟ ترشيحات أراجيك للقراءة في شهر أبريل 2021
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.