نيلز بور

نيلز بور، فيزيائي دنماركي، حاز جائزة نوبل في الفيزياء بسبب أبحاثه حول البنية الذرية. أسس معهدًا للفيزياء النظرية في كوبنهاغن، تحول فيما بعد إلى واحد من أهم المعاهد حول العالم.

ولد نيلز بور في كوبنهاغن بالدنمارك، وأصبح فيما بعد أحد أهم علماء الفيزياء في العالم. أجرى الكثير من الأبحاث التي قادته إلى وضع نظرية ثورية في البنية الذرية والإنبعاث الإشعاعي. تقلد بور العديد من المناصب الأكاديمية طوال مسيرته المهنية، كما حاز العديد من الجوائز المهمة مثل جائزة نوبل في الفيزياء، ووسام الفيل الذي منحه إياه ملك الدنمارك.

كانت حياة نيلز بور حافلة بالإنجازات والاكتشافات التي ساهمت في عملية التقدم العلمي، ولاسيما الفيزياء. وفي هذا المقال، نستعرض أهم المراحل في حياة هذا العالم الفذّ.

وُلد نيلز بور Niels Bohr في مدينة كوبنهاغن عاصمة الدنمارك بتاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر سنة 1885. كانت والدته، إلين أدلر، منحدرة من عائلة يهودية ناجحة في العمل المصرفي، أما والده، كريستيان بور، فكان أكاديميًا مشهورًا في الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء). انتسب بور في شبابه إلى جامعة كوبنهاغن، حيث حصل على شهادة الماجستير في الفيزياء سنة 1911.

وفي ذات السنة، انتقل بور إلى كامبريدج في إنجلترا، ليكمل أبحاث العالم ج.ج. طومسون في مختبر كافنديش Cavendish Laboratory. وفي عام 1912، تزوج بور من مارغريث نورلوند، ورزقا بستة أطفال توفي اثنان منهما، في حين برز الأربعة الآخرون في مجالات متعددة، ولعل أشهرهم هو آجي الذي أصبح عالم فيزياء مشهور، وتولى إدارة معهد الفيزياء النظرية على غرار والده.

في 1 أغسطس 1912، تزوج مارغريت نورلوند، شقيقة عالم الرياضيات نيلز إريك نورلوند. ورزقا بستة أبناء، وتوفي اثنان منهما في ظروف مؤسفة.

حصل شقيقه، هارالد بوهر، على الميدالية الفضية في دورة الألعاب الاولمبية عام 1908.
ساهم في إنقاذ اليهود الدنماركيين إلى السويد.
تمكن ابنه آجي من الفوز بجائزة نوبل للفيزياء.
منحه ملك الدنمارك، فريدريك، وسام الفيل سنة 1947.

كان بور مؤلفًا غزير الإنتاج، إذ بلغ عدد المنشورات التي حملت اسمه أكثر من 100. وقد توفي في مدينة كوبنهاغن بتاريخ 18 تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1962، نتيجة إصابته بسكتة دماغية. وأكمل ابنه آجي بور مسيرة والده العلمية، فحاز جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1975 بالمشاركة مع عالمين اثنين. وما يزال معهد بور حتى الآن أحد المراكز الرائدة في مجال الفيزياء النظرية حول العالم.

أجرى بور الكثير من الأبحاث العلمية التي قادته إلى تأليف سلسلة من المقالات التي قال فيها إن الذرات تطلق إشعاعات كهرومغناطيسية نتيجة لقفز الإلكترونات وانتقالها إلى مستويات مدارية مختلفة، وهو ما يختلف مع النموذج السابق الذي تبناه إرنست رثرفورد Ernest Rutherford. وعلى الرغم من قيام علماء آخرين بإدخال تعديلات نهائية على اكتشاف بور، فإن أفكاره ونظرياته قد شكلت أساس البحوث الذرية التي أجرت لاحقًا.

عمل بور في عدة مناصب أكاديمية من ضمنها التدريس في جامعة فيكتوريا في مانشستر، ولكنه عاد واستقر مرة أخرى في جامعة كوبنهاغن في عام 1916، حيث حصل هناك على درجة الأستاذية الكاملة. وفي عام 1917، قدّم بور إلى جامعته طلبًا يسمح له بإنشاء معهد للفيزياء النظرية.

وفي الخطاب الذي ألقاه بمناسبة افتتاح المعهد الجديد بتاريخ 3 آذار/مارس 1921، أكدّ على موضعين يتمثل أولهما في كون التجارب والاختبارات أمرًا لا يمكن الاستغناء عنه في معهد الفيزياء النظرية، لأنها تساعد في اختبار ما يقدمه المنظرون.

أما الأمر الثاني فيتجلى في طموحه الكبير لجعل المعهد الجديد صرحًا علميًا يوفر الإمكانيات اللازمة لعلماء الفيزياء الشباب، ويساعدهم في طرح أفكار ونظريات جديدة. وبالرغم من قلّة عدد العاملين في المعهد عند انطلاقته، فإنه تمكن لاحقًا من تحقيق جميع الأهداف التي سعى إليها بور.

حاز بور جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1922 نظير أبحاثه العلمية حول البنية الذرية، ولم يكتف بذلك، فاستمر في عمله بغية الوصول إلى نظريات ثورية.

عمل بور مع فيرنر هايزنبرغ وعلماء آخرين على وضع مبدأ جديد لميكانيكا الكم يكون مرتبطًا بمفهوم بور للتكامل، والذي طرحه خلال مؤتمر علمي عُقد في إيطاليا سنة 1927.

يؤكد هذا المفهوم أن الخصائص الفيزيائية على المستوى الذري ستبدو مختلفة اعتمادًا على المتغيرات التجريبية، وبالتالي يفسر ذلك السبب الذي يدفع الضوء إلى التصرف إما كموجة أو كجسيم، وعدم سلوكه الحالتين معًا في ذات الوقت.

وسيعمل بور فيما بعد على تطبيق فكرته في المجال الفلسفي، نظرًا لاعتقاده أن استنباط مفاهيم الفيزياء يؤثر بشدة على وجهات النظر عند الإنسان. مع ذلك، لم يكن جميع علماء الفيزياء موافقين بشكل كلي على إثباتات بور، ولعل المناظرات الشهيرة التي دارت بين بور وأينشتاين كانت أبلغ مثال على ذلك، حيث وصل الأمر إلى حد قول أينشتاين "الله لا يلعب النرد".

أكمل بور عمله مع مجموعة من العلماء الذين كانوا مشاركين في البحوث المهمة حول الانشطار النووي في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين، فساهم في ذلك عبر وضع نظرية قطرة السائل liquid droplet theory.

كان صعود أدولف هتلر في ألمانيا وتوليه مقاليد السلطة هناك، بمثابة الكارثة لعلماء الفيزياء اليهود، فاستغل بور علاقاته الواسعة وتمكن من توفير ملاذ مؤقت لهم في معهده في كوبنهاغن، حيث انتقل الكثيرون منهم عبره إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ولكن حالما نجحت القوات النازية في احتلال الدنمارك، قرر بور وولده إيج السفر إلى الولايات المتحدة. وهناك عمل بور في مشروع مانهاتن في منطقة لوس آلاموس بنيو مكسيكو، وهو المكان الذي شهد تصنيع أول قنبلة ذرية في العالم.

ونظرًا لمخاوفه الكبيرة المتعلقة باستخدام القنبلة الذرية في الحروب، فقد دعا إلى مراقبة عمليات التسلح الذري في المستقبل، بالإضافة إلى التعاون الفعال بين الأمم بشأن هذه الأسلحة، ولكن أفكاره لاقت رفضًا شديدًا لدى كل من ونستون تشرشل وفرانكلين روزفلت.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عاد بور مجددًا إلى أوروبا، وواصل توجيه دعواته الرامية لاستخدام الطاقة الذرية في المجالات السلمية. وقد بعث "رسالة مفتوحة إلى الأمم المتحدة" بتاريخ 9 حزيران/يونيو سنة 1950، بيّن فيها تصوره المستقبلي القائم على وجود "عالم مفتوح" بين الدول التي تخلت عن انطوائها وعزلتها، وتعاونت معًا للوصول إلى تبادل حقيقي للثقافة فيما بينها.

كذلك، ساعد بور عام 1954 في تأسيس المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، والمعروفة باسم سيرن CERN. وفي عام 1955، ساهم في عقد مؤتمر الذرات من أجل السلام، وقد حصل على جائزته السنوية نظير ما بذله من جهود دؤوبة تدعو لاستخدام الطاقة الذرية بمسؤولية ولدواع سلمية.

"بور هو أكثر الزملاء الذين عرفتهم لطفًا وتواضعًا، فهو لا يطرح آرائه بلسان الشخص الذي يخال أنه يمتلك الحقيقة، ولكنه يقدمها بصفته باحثًا عنها على الدوام" أينشتاين.