هوس المشاهير: عندما تقطع بلدانًا وتفعل المستحيل لأجل حبٍّ من طرفٍ واحدٍ
7 د
في ظل انشغال البشر الدائم بتسيير حياتهم اليومية، نجد أن الترفيه وعبر مرّ العصور كان ولا يزال حاجة نفسية أساسية لحياة الإنسان، ولذلك راقب المشاهير عن كثب. لربما أدمغتنا تعتقد دومًا أنه يجب علينا احترام القادة أو المبدعين، لكن الأمر تحول أخيرًا من ترفيه أو إلهام إلى انشغال هوسي بتفاصيل حياة المشاهير اليومية.
حبٌّ من طرفٍ واحدٍ
لم تكن سولين لوري Soléne Lory تتوقع ما سيحصل في الحفل الذي أحياه مايكل جاكسون في ميونخ 1977، تلك المعجبة المهووسة المجنونة كما تمّ وصفها، في لحظة لم تكن في الحسبان لم تجد نفسها إلا في أحضان مايكل جاكسون تعانقه بشدّة وهو يغني You Are Not Alone وتأبى إفلاته.
أن تكون إنسانًا، يعني أن تحيا دون أن تكون مستعدًا على الدوام للحظاتٍ استثنائية تحمل سيلًا لك من المشاعر الغامضة التي يصعب وصفها تعتريك دون سابق إنذار، والكثير من المشاعر المتناقضة التي تثبت لنا يومًا بعد يوم أن الحياة وعلى الرغم من قسوتها أحيانًا، تستحق أن تُعاش بكلّ تفاصيلها، يمكنني أن أقول باختصار أن حياتك هي اللحظات الجميلة التي تحياها؛ وهذا ما أكدته لوري عندما وصفت لحظات عناقها مع جاكسون على أنها أجمل لحظات حياتها، لكن هل كان جاكسون يبادلها ذات المشاعر؟ 😓
القصة كاملة
في البداية اتُّهمت سولين لوري بأنها معجبة مدفوعة الأجر، لكن وبعد إجراء مقابلة معها في مجلة بلاك أند وايت عام 1998 تبيّنت القصة كاملة. تقول لوري أنها قابلت مايكل جاكسون لأول مرة عام 1972 في تولوز- فرنسا، وهناك بدأ إعجابها به عندما أخذها والداها لمشاهدة إحدى حفلاته هناك، لم تنتظره حتى يعود إلى فرنسا، بل ذهبت لتشاهده في سرقسطة- إسبانيا، وبعدها شاهدته مرتين في باريس واثنتين أيضًا في ميونيخ ومثلهما في لندن وأيضًا مرة أخرى في إسبانيا.
أما عن الحفل الثاني في ميونيخ 6 تموز/ يوليو 1977 والذي جرى فيه ما جرى، كانت سولي في طريقها إلى ميونيخ، لا مشكلة لديها أن تقطع بلدانًا وتفعل المستحيل لحضور حفلٍ لجاكسون، لقد خططت لذلك مرارًا. في الملعب كان الانتظار مزعجًا للغاية، وحاولت بشتى الطرق الحصول على مقعد في المقدمة، وبدأت بالتفكير، هل ستكون الفتاة المنتقاة من قبل مرافقي جاكسون؟ كانت ننتظر بفارغ الصبر.
وفجأة! ومع بدء الحفل أخرجها رجلٌ منهم بعد أن راقب انفعالاتها من بداية العرض، أخرجها من الحشد إلى خشبة المسرح فركضت إلى مايكل مسرعة، كان جلّ همها احتضانه بين ذراعيها، حاولت تقبيله وقالت له بالفرنسية أنها تحبّه، وبعدها ركعت أمامه وقبّلت يديه.
تقول سولين أنها لم تخطط لهذه اللحظة إطلاقًا وأن في مثل هذه لحظات سينسى المرء كل ما خطط له، وبعد مقاطعتها الحفل لدقائق قام الحارس الشخصي لجاكسون بأخدها بعيدًا، وحاولت بشراسة أن تبقى لمدة أطول، مما تسبب لها بكدمة في الورك من قبل المرافق منعتها من المشي لأيامٍ بعد الحفل، وبعدها تم عرض الحفل على التلفزيون ليضج به العالم. أما رسالة تولين ذات التسعة عشر عامًا إلى جاكسون:
“مايكل، عندما كنت في ذراعيك في 6 يوليو 1977 في ميونخ، قضيت أجمل أوقات حياتي، شكرًا لك على هذه القصة السحرية، أنا أحبك من كل قلبي، أنت لست وحدك“
سولين لوري
لماذا يسحرنا المشاهير إلى حدّ الهوس؟
ارتبط الانبهار والتطرف في المشاعر بشكلٍ وثيق بمعجبي المشاهير في فترات زمنية متتالية، هذا الحب الهوسي دفع العديد من مشاهير العالم للتنكر وإخفاء شخصياتهم الحقيقية لأجل الحفاظ على خصوصيتهم. هناك الكثير من القصص الغريبة، مثل السيدة التي رمت نفسها أمام السيارة التي حملت تابوت إلفيس بريسلي، وحالات الإغماء من قبل المعجبات في حفلات فرانك سيناترا، أما عندما كان فريدي ميركوري يعتلي المسرح مع سوارٍ على زنده الأيمن، فتلك حكاية أُخرى.
وبالعودة إلى عالمنا العربي، كانت قصة الفتاة المراهقة التي انتحرت بعد وفاة عبد الحليم حافظ قد أدمت القلوب، أما كوكب الشرق أم كلثوم حاولت بحرجٍ كبيرٍ منع أحد المعجبين من تقبيل حذائها وسط دهشة الجميع.
يقول علم النفس إننا نحن البشر مخلوقات اجتماعية، ونشأنا ولا نزال نعيش في بيئةٍ تتوجه بها الأنظار دومًا إلى الأشخاص المبدعين أو أصحاب الكيانات القوية، قد يكونوا فنانين أو علماء أو رياضيين أو زعماء أو شعراء أو… ، كما إننا نميل بطبعنا للانتماء لزمرٍ أو مجموعات. وفي سياقٍ آخر اكتشف بعض الباحثين أن هذا الهوس له علاقة بماضينا التطوري، وبحسب عالم الأنثروبولوجيا جيمي تهراني Jamie Tehrani: تشير النظرية الأكثر إقناعًا إلى أن هذا الهوس تطور كجزء من عدة التكيفات النفسية للتعلم الثقافي، والذي سمح لأسلافنا بالتعرف على الأشخاص ذوي المهارات والتعلم منهم وتكريمهم“.
وساهمت وسائل الإعلام بمختلف أشكالها في ذلك، من المذياع إلى التلفزيون إلى وسائل التواصل الاجتماعي في أيامنا هذه والتي قلصت الفجوة بين المشاهير ومعجبيهم، ومؤخرًا أصبح الناس مهووسين بالمشاهير أكثر من أي وقت، وأصبح هذا الهوس جزءًا أساسيَّا من حياتهم؛ والذي يعود لأسباب نفسية واجتماعية، كما لو كنت تجد أن هناك نوع ما من التواصل مفقود في حياتك، كأن تكون مهمّشًا، أو تشعر أن الآخرين لا يفهمونك، أو أنه ليس لديك شيء جدير بالاهتمام لتتحدث عنه وتنتمي إليه، أو أن يكون لديك تعطّش عاطفي.
تقول الدكتورة روث سيمز Rose Smith أخصائية علم النفس الاجتماعي بجامعة ديربي: “الأمر معقّدٌ للغاية، وبعضه يتعلّق بسد فجوة وسد حاجة ما مفقودة لدى الشخص في حياته“.
بشكل عام يميل الناس إلى الأشخاص الذين يجدون فيهم السمات الجذابة، وعادة مايكون الصغار والمراهقين الأكثر تأثرًا بهذه الظاهرة، لكن اليوم بات الأمر مختلفًا، فالشركات الصخمة لا تتوقف عن استخدام وسائل الإعلام للترويج للمشاهير ورفع شأنهم بغرض مسح أدمغة الجماهير المستهدفة وبالنهاية كسب المال، كل ذلك من خلال مجلات ومواقع القيل والقال والإعلانات الزائفة التي تفضي جميعها إلى الانشغال الهوسي بتسريحة جاستن بيبر! و مؤخرة كيم كاردشيان!و إطلالة جورجينا رودريغيز المثيرة للجدل! وجعل الأحداث من هذه النمط فحوى أحاديثهم مع الأصدقاء وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضًا: معاناة مخملية: ميريام فارس، ميغان ماركل والأمير هاري يعلمونك ما الفرق بين المعاناة والدراما
هوس المشاهير بين الإيجابيات والسلبيات
بصرف النظر عن نمط حياتك وطبيعة عملك فإنك تحتاج بين الفينة والأخرى إلى بعض الأخبار المسلّية بعيدًا عن الأخبار السياسية، وأخبار المآسي والكوارث والأوبئة، وبذلك يكون الانشغال بالمشاهير بمثابة أخذ قسطٍ من الراحة، كما يمكنه حثك على المساعدة بمختلف أشكالها.
على سبيل المثال: ليوناردو ديكابريو لطالما اهتم بالبيئة ولفت الأنظار إلى ظاهرة الاحتباس الحراري عند استلامه جائزة الأوسكار، كان هذا استثنائيًا، ولدينا أنجلينا جولي سفيرة النوايا الحسنة، بعد أن اكتشفت أنها تحمل الجين المسؤول عن سرطان الثدي، قررت إجراء استئصال وقائي لثدييها، أصبح الكثير من معجبيها مهتمين بذات الأمر، وأيضًا المشاهير الذين يتبرعون دومًا للأعمال الخيرية ويهتمون بالمبادرات الإنسانية، وعلى وجه العموم فإن الكثير من الناس وفي مختلف أنحاء العالم يجدون في المشاهير مصدر إلهامٍ لهم، ليس لمجرد الشهرة فقط بل للإبداع الذي أغنى حياتنا على مر العصور.
في معظم الأحيان، لايشكل الإعجاب بالمشاهير مشكلة كبيرة، فالكثير قد يرغب بالحصول على تواقيعهم أو أخذ صورٍ تذكارية معهم وهذا الأمر طبيعي، لكن وصول الموضوع إلى حد التعصب يجعل من الأمر معضلة حقيقية.
غالبًا ما يحدث الهوس كما قلنا في مرحلة تكوّن الهوية، في المرحلة الحرجة التي تكون بها المشاعر في حالة استثنائية، قد يؤدي ذلك إلى صدامات بين الفاندومات، يمكن القول إن الهوس والتعصب الزائد لمشهور معين قد يفضي إلى اضطرابات عقلية وتدني تقدير الذات وخلافات مع العائلة والأصدقاء، ومحاولة تقليد المشاهير بشكلٍ أعمى فتتولد لديهم نزعات انتحارية مثلًا أو ميول للإدمان وتعاطي المخدرات، ورغبة كبيرة بإجراء عمليات التجميل، وهذا يرجع بالنهاية إلى درجة الوعي واختيار المثل الأعلى في الحياة، ولا يمكن أن ننكر أن للعائلة دورٌ مهمٌّ في توجيه ميول أبنائها.
في الختام نجد أن وسائل الإعلام مسؤولةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ عن خلق المشاهير الذين هم في بعض الأحيان مجرد سلع، لا مشكلة في إن عدت للزمن لفترة الخمسينات من القرن الماضي ولاحظت الفرق بين المشاهير في ذلك الزمن والمشاهير في أيامنا هذه! من الأجدر؟ ومن الأكفأ؟ سأترك لك الإجابة وحرية الاختيار.
اقرأ أيضًا: المشاهير والسوشيال ميديا: كفاكم عبثًا بواقع معجبيكم (¬_¬ )
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.