قد يختارك الإجرام لا أنت الذي تختاره: نظرة عن كثب على عالم الجريمة وسلوك المجرمين

الإجرام - الجريمة
آية سعيد
آية سعيد

9 د

هل تخيلت نفسك واقفًا وراء طفل صغير تضع علي رقبته سكينًا حادًا، تسمع صراخه يستغيث بكل من حوله، ترى الدموع تجري في عينيه كالنهر السائر بدون توقف، وصوت دقات قلبه تكاد من قوتها أن تهدم مدينة بأكملها في غمضة عين، وشعور الخوف والضعف يملأ كيانه؟

بالطبع مجرد هذه الخيالات تؤلمك للحد الذي يجعلك تشعر بالخوف والشفقة على هذا الطفل المسكين ولا تتجرأ على فعل هذا السلوك معه وتبتعد عن هذا الطريق، ولكن هذه الخيالات تؤلمك أنت فقط، لأن هناك من قتل مئات الأطفال والنساء دون رحمة، ليس القتل فقط بل قتل وسرق ونشر الخوف والذعر في قلوب الملايين، دون أن يتحرك له ساكنًا، ولكن هل فكرت يومًا ما الفرق بينك وبين هذا المجرم؟ لماذا اختار المجرم هذا الطريق؟! ولماذا لا يتألم مثلك ويرفض هذا الفعل؟! ما الذي يجعله يفعل كل هذا بدم بارد ودون تردد؟!

سنحاول معًا أن نجد إجابة لكل هذه التسأولات.

اقرأ أيضًا:  خطف الأطفال.. الجريمة الأكثر قسوة في العالم!

كيف يتحول الإنسان إلى مجرم؟

الإجرام

الكثير من المجرمين والأشرار حول العالم كانوا أخوة صالحين وأصدقاء مخلصين، عندما يقبض عليهم المحققون ورجال البوليس تسمع عبارات كثيرة مثل:

“لا يمكن أن يكون أخي القاتل …” .

” زوجي لا يسرق أبدًا ولا يخون أصدقاءه مهما حدث”.

“هذا جاري الودود لا يمكن أن يقوم بهذا العمل الإرهابي مهما حدث”.

” ابني لا يمكن أن يغتصب هذه الطفلة أو يقتلها، إنه ولدٌ صالح وبار ومحبوب”.

وفي كثير من المرات أيضًا كان المجرمون والقتلة أشخاص واضحين ومحددين كالشمس في وضح النهار، وكل من يعرفهم كان يؤكد أنهم بالتأكيد أصحاب هذه الجرائم البشعة دون تردد، وهنا يمكننا أن نصنف فئات المجرمين إلي نوعين:

الإجرام

الفئة الأولى من المجرمين

المجرمون الذين يتحملون كامل المسؤولية عن أفعالهم الإجرامية، وفي الغالب يكونون في المؤسسات العقابية وفي السجون التي تأوي المجرمين، أما إذا كان هؤلاء الأشخاص لم يبلغوا السن القانوني فيتم إيداعهم في مؤسسات الأحداث.

الفئة الثانية من المجرمين

هم الأشخاص الذين يفعلون الجرائم دون إدراكٍ ووعي منهم، لأنهم مصابين باضطرابات نفسية وعقلية، وهم في الغالب يكونون طلقاء، وفي أحيان أخرى يودعون في المصحات النفسية ليتلقوا العلاج اللازم.

اقرأ أيضًا: أفلام الجريمة2021 .. إليك قائمة مليئة بالقتل والسرقة وعالم العصابات المثير

الإجرام والجينات

لكن كثير من العلماء يؤكدون أن للعنف سبب جيني وأيضًا بيولوجي واضح، ويقومون بتصنيف المجرمين تحت واحد من اضطرابين أساسيين:

اضطراب الشخصية الحدّي

يفقد فيه الشخص قدرته علي التحكم في مشاعره بشكل كامل، فمن الممكن أن يرتكب جرائم ضد كل من حوله ولا يسلم من إجرائمه حتى أفراد عائلته.

اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع

هنا يفقد الشخص قدرته على الإحساس بأي مشاعر تجاه من حوله، فيرتكب كل الجرائم دون أن يشعر بالتردد أو الخوف أو أي مشاعر طبيعية، أو حتى الندم بعد ما يفعل.

على الرغم من اختلاف الأعراض بين الاضطرابين، إلا أن كلاهما يشتركان في أنهما مرض عقلي تعتل به وظائف الدماغ بوضوح، وتؤكد الدراسات أن الأشخاص المصابين بأي منهما يعانون من نقص في هرمونات معينة أو انكماشًا في مناطق بعينها في المخ أو مناطق أخرى، وأن اعتلال المخ هو الذي قاد الشخص إلي المجرم الذي يهدد كل من حوله.

ما الذي دفع المجرم لهذا الطريق؟ رحلة مع نظريات تشيزري لومبروزو

الإجرام

كان لـ”تشيزرى لومبروزو” نظرية مثيرة للجدل بصدد هذا الموضوع، وهو أول من حاول الربط بين الشكل الفيزيائي للمجرم وطبيعة إجرامه. أبرز معتقدات تشيزري لومبروزو كانت تتمثل فى أن المجرمين أشخاص لا يمتون للأخلاق بصلة، ولربط ذلك بالواقع أكثر أكد على كونه ينتمى لعائلة منحطة لها تاريخ يموج بالكحول، ويصاب أعضاؤها فى الغالب بالجنون أو الصمم أو الصرع أو الزُهرى، وتلك النظرية التى وضع أسسها تعرضت لعدة اعتراضات، لكونها تهمل الجانب البيئي الذى من الممكن أن يكون عاملًا مساعدًا لدعم عمليات إنتاج المجرمين.

وضع نظرية “المجرم وُلد ليكون مجرمًا”، وخلُصت النظرية إلى وجود عشرات الصفات التي تميز المجرم عن غيره، وتلك الصفات التى وصل إليها العالم عددها 21 صفة وهي:

(طول أو قصر غير اعتيادي، رأس صغير ووجه كبير، جبهة صغيرة ومنحدرة، خط شعر متراجع، بثور فى الجبهة والوجه، وجه وعر أو عميق التجاويف، آذان كبيرة ناتئة، ضربات على الرأس، وبالأخص فى المنطقة المهلكة الواقعة فوق الأذن اليسرى، ضربات فى مؤخرة الرأس وحول الأذن، عظام جبهة عالية، حواجب غزيرة تميل للالتقاء فوق الأنف، محاجر واسعة وعيون غائرة، أنف شبيه بالمنقار أو أنف مسطح،  خط فك حاد، شفاه ممتلئة مع كون الشفة العليا أنحف، أسنان قاطعة كبيرة وأسنان غير اعتيادية، ذقن صغير أو نحيف، أكتاف منحدرة مع صدر واسع، أذرع طويلة، أصابع مستدقة أو فطسة، وشوم على الجسد).

ظهر الجزء الثانى من نظرية العالم تشيزرى لومبروزو حول “الرجل المجرم” ودراسة مكنوناته، فى عام 1878 والتى تعمق فيها بدراسة معاني تلك الأوشام على أجساد المجرمين، حيث لاحظ أن السجناء على أجسادهم وشومًا تحمل دلالات غير أخلاقية بشكلٍ كبير جدًا مما لدى من يقومون بنقش تلك الأوشام من المواطنين الآخرين، وفى هذه الطبعة من النظرية درس لومبروزو أيضًا لهجة المجرمين والانتحار والدعاره بينهم، وحلل من خلالها ظاهرة الجريمة على أساس العمر والجنس والمناخ والغذاء والفقر.

وفى عام 1884 ظهر الجزء الثالث من نظرية “الرجل المجرم”، وفيها تطرق إلى الجنون الأخلاقي وهو أن المجرم الرجعي (الهمجي، البدائي) مصاب بالجنون الأخلاقي، والذى يعود به إلى أصله البدائي مجردًا المجرم من الشعور الأخلاقي.

طال الجزء الرابع من النظرية عدة انتقادات لاذعة تعرض لها العالم الإيطالي الذى كان يحاول تأسيس علم للقضاء على الجريمة، ومعرفة المجرمين فور رؤيتهم، وأضاف في الجزء الرابع ما يسمى “المجرم السياسي”، والذي ذكر فيه أنه يصعب تصنيف المجرم السياسي على أنه شخص مختلف جسمانيًّا عن الشخص الطبيعي، وهو ما يدفعه لارتكاب السلوك الإجرامي، وفسر ما يسمى (المجرم السياسي) بأنه من الناحية القانونية فقط وليس من الناحية الأخلاقية والاجتماعية، وهو شخص شهد التطور الإنساني، ولكنه فى نفس الوقت يمارس العصيان وهى ظاهرة جديرة بالدراسة.

وجاء الجزء الخامس لنظرياته فى عام عام 1897، والذي كان عبارة عن طبعة من أربعة مجلدات واحدة منها تتضمن الكثير من الإيضاحات، وفيها درس السمات الإجرامية بالتفصيل وفصل صفات أنواع مختلفة من المجرمين مبنية على حسب اختلاف خصائصهم عن الشخص الطبيعي، ووفقًا للطبقة التي ينتمون إليها، وصنف فيها لومبروزو المجانين أخلاقيًّا والمجانين عقليًا والمجرمين المولودين فى نفس الفئة.

وأقر العالم الإيطالى (لومبروزو) فى ختام نظريته بأن أسباب الجريمة، ليست حصرًا البيولوجية والسمات الجسدية، وإنما أيضًا شملت تأثير المناخ والطقس والمنطقة الجغرافية والتلوث المحيط بالمواطنين، أما على جانب الجريمة النسائية وممارسة أعمال البغاء فاستنتج أنه لا توجد دلالات جسمانية فارقة على النساء لهذه الجريمة، موضحًا أن التفسير الوحيد لهذه الظاهرة هو أنها سلوك منحرف تقوم به بعضهن، ولكي ينهي وابل الانتقادات استبعد الجريمة السياسية من قائمة الجرائم الناجمة عن العيوب المتأصلة، وصنفها بأنها “جريمة عاطفية”.

اقرأ أيضًا: الجريمة والعقاب رائعة دوستويفسكي: التجول في خبايا عقل المجرم

رحلة في السجلات الإجرائمية حول العالم

سأعرض عليك الآن عددًا من أصحاب الجرائم الشهيرة والغريبة، منهم من لا يعرف كيف اقترف هذا الفعل ومنهم من برر ولم يهرب من مصيره أو عقوبته، لتتعرف على دوافعهم وأسبابهم أو ربما أمراضهم النفسية التي قادتهم لهذه الأفعال البشعة التي يرفضها أي شخص سوي.

إيسي ساغاوا

مجرم ياباني شهير قتل امرأة هولندية تدعي “رينيه”، كانت زميلته في الجامعة فقام بقتلها وأكل لحمها في عام 1981م أثناء زيارته لباريس، وحقق شهرة واسعة في العالم بفضل جريمته، خطط إيسي لقتل”رينيه” عام 1981م، حيث دعا رينيه لعشاء في منزله بحجة مساعدته في ترجمة الشعر وقتلها وأكل لحمها.

وقال إيسي :” إنه اختار زميلته لأكلها لأنها كانت تتمتع بصحة جيدة وجمالها أخاذ”، وكان قد أطلق النار على رقبتها وبعد موتها أكل أجزاء من جسدها وحفظ الباقي في الثلاجة، لكن اكتُشفت جريمته أثناء التخلص من الجثة وألقت الشرطة الفرنسية القبض عليه، وتم سجنه لمدة عامين دون محاكمة، ورأت المحكمة أنه ينبغي وضعه في مصحة عقلية.

بدأت شهرة إيسي عندما ظهرت قصته في كتاب “في الضباب” للكاتب “إينوهيكو يوموتا”، ومنذ أن قامت فرنسا بترحيله إلى اليابان، حل ضيفًا على العديد من البرامج التليفزيونية، وشارك في الأفلام وألف كتب عديدة عن جريمته.

تم تقديم قصة إيسي في فيلم وثائقي لعام 2007، ومن أشهر الحوارات التي أجريت معه مقابلة مع مجلة فايس في عام 2011 الذي قال فيها :” إنه لعقابٌ فظيع أن تُجبر على كسب لقمة عيشك بينما أنت معروف بأنك قاتل و آكل للحوم البشر”.

 تيد بندي

تيد هو سفاح وخاطف ومغتصب أمريكي ماهر، عام 1975 م تم القبض عليه عن طريق الصدفة، حيث تم القبض عليه بتهمة الاشتباه في السرقة. أدانته المحكمة وتم الحـكم عليه عام 1976 بخمسة عشر عامـًا، في عام 1977 حاول تيد الهروب مرتين، فشل في المرة الأولى ولكن نجح في المرة الثانية، وقتل 3 فتيات من “فلوريدا”، ثم تم القبض عليه مرة أخرى وحكم عليه بالإعدام بالكرسي الكهربائي.

عندما أجرى بندي مقابلة تليفزيونية ذكر أن حياته تغيرت وأصبح لديه هاجسًا للقتل بعد إدمانه للمواد الإباحية، وقد قرأ دراسات عديدة تتحدث عن علاقة المواد الإباحية والعنف، ومن أقوال بندي الشهيرة “نحن القتلة المتسلسلون أبناؤكم، أزواجكم، نحن في كل مكان، وسيكون المزيد من أبنائكم موتى بحلول الغد”.

 جيفري دامر

هو أشهر القتلة في التاريخ الحديث، فهو لم يقتصر على قتل ضحاياه بدم بارد، بل قام بتقطيع أوصالهم، واحتفظ بأجزاء منها كتذكار.

وفي مقابلة مع دامر في برنامج “Inside Edition”، كشف دامر كيف استدرج شابًا مثليًا إلى فندق، وخدره وانتهى الأمر بتنفيذ أول عملية قتل له.

على حد قوله، قال دامر بأنه كان مفتونا دائمًا بالجثث وإخراج أحشائها، وكان مدمنًا على مشاهدة المواد الإباحية، وبعد فترة وجيزة من المقابلة، تعرض دامر للضرب حتى الموت على يد زميل له في السجن.

 تشارلز ويتمان

عام 1966م قتل تشارلز أمه وزوجته و 16 شخصًا آخر في ساحة جامعة تكساس، تبدو لك هذه الحادثة رغم بشاعتها حادثة إجرامية عادية، ولكن الغريب في الأمر أن تشارلز طلب بعد انتحاره في رسالة أن يتم تشريح جثته لمعرفة السبب وراء القيام بهذه المذبحة.

ليس هذا فقط بل الأمر المحير أكثر أنه ترك هذه الجملة في رسالته: “لا أفهم نفسي. مؤخرًا أصبحتُ ضحية عدد من الأفكار الغريبة. تتكرر تلك الأفكار داخلي باستمرار، ويتطلب مني الأمر مجهودًا فظيعًا للتركيز على مهمة مفيدة.”.

بعد مقتل ويتمان علي يد الشرطة، قاموا بتشريح الجثة وهنا كانت الصدمة الكبيرة، اكتشف العلماء أنه مصاب بورم خبيث في المخ يضغط على منطقة تُعرف باللوزة الدماغية، وهي المسؤولة عن تنظيم السلوك العاطفي، وبخاصة العنف والخوف وكافة الأحاسيس السلبية. ويبقي السؤال المحير هنا هل كان لدى ويتمان القدرة على الاختيار وسلَك هذا الطريق؟!

اجتمع الأطباء على أن الورم كان من أسباب عدم قدرته على التحكم في مشاعره وأفعاله، وأنه لا ذنب له في هذه الإصابة، ولكن على كل حال أصبح ويتمان في تعداد الوفيات ولانملك من الأمر شيئًا.

أيلين ورنوس

كانت تُعاني من سوء معاملة والدتها في الطفولة حتى أنها تخلت عنها، ارتكبت أيلين الكثير من جرائم القتل البشعة حتى أصبحت أكثر السفاحات رعبًا في الولايات المتحدة الأمريكية.

قتلت أيلين سبعة رجال خلال عامين، وعند استجوابها في البداية قالت إنها كانت في حالة من الدفاع عن النفس بعد ما تحرشوا بها ولم يكن هدفها قتلهم، وبعد ذلك اعترفت أنها قتلتهم بدم بارد، وقبل إعدامها بعدة ساعات أجرت مقابلة ذكرت فيها أن الشرطة وحراس السجن تحرشوا بها، وانها تكره البشر ولو جاءت الفرصة وتم العفو عنها ستقوم بعمليات قتل أكثر ولن تندم، وبعد ذلك تم إعدامها بحقنة مميتة عام 2002 م، وآخر ما قالته : “فقط أريد أن أقول بأنني أُبحر كالصخرة، لكنني سأعود كيوم الاستقلال في 6 يونيو، حتمًا سأعود” .

نتفق في كل ذلك أو نختلف، لكننا في النهاية يمكننا القول إن القاتل والمقتول معًا ضحايا سوء الحظ.

اقرأ أيضًا: أفضل روايات الجريمة والغموض لعام 2020: قائمة لعشاق التشويق والإثارة

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة