لم تُعتبر البلوكتشين ثورةً من وجهة نظر المؤمنين بها: الإجابة في كتاب ثورة اللامركزية والبلوكتشين للدكتور فادي عمروش
عمّقت الثورة الصناعية لاحقاً مركزية القرار عبر تسهيل التواصل بين مركز الدولة وأطرافها، حتى أتت الثورة التكنولوجية التي سمحت لمركز السلطة أن يراقب كل صغيرة وكبيرة تقع ضمن نطاق صلاحياته، نعم ساهم ذلك في تطور الحضارة البشرية إلى حد ما وساعدت بدفع عجلة الحداثة بسبب تركيز العقول والأموال باتجاهات محددة ضاعفت من قوة تأثيرها، وضاعفت أيضاً من الفساد الحكومي وبيروقراطية السلطة بل وأدّت في بعض أحيان المركزية المتطرفة إلى دمار اقتصادي ومجاعات وحروب لا مبرر لها، أضف إلى ذلك ضعف السياسات النقدية وعدم وضوحها ممّا أدى بشكل أو بآخر إلى إفراغ جيوب الشعب بسبب طباعة العملة والتضخم الذي رافق فساد المركز أو انهياره.
اقرأ أيضًا: المزيد من مصطلحات العملات الرقمية التي يجب عليك تعلمها
لكن هل المركزية سيئة على هذا الحد؟
لا نستطيع أن نقول ذلك صراحة لكن يمكن القول أنها لا تصلح في المجتمعات الكبيرة خاصةً مع سيطرة وسائل الإعلام والمؤثرين على وعي الشعوب حول العالم، مما أدى إلى وصول القادة غير الصالحين لمركز الحكم، لا نقصد طبعاً رؤساء الدول فقط بل صانعي القرار في كل مركز قرار سواء كان سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو تعليمي أو تقني أو أياً كان نوعه. زد على ذلك تكاليف الحوكمة العالية والمراقبة والإصلاح التي تفرضها علينا العمليات المركزية للحيلولة دون وقوع فساد أو اختلاس أو تزوير أو أخطاء فردية قد تؤدي لكوارث أحياناً.
لكن أي الحل؟
يناقش كتاب “ثورة اللامركزية والبلوكتشين” أحد سبل الحل الممكنة لمعالجة مشكلة المركزية المتفاقمة في العقود الأخيرة، يناقش الكتاب جوهر فكرة اللامركزية وهي تفتيت المركز إلى مراكز صغيرة جداً تتخذ القرار دون الحاجة لمركز رئيس ينظّم أمورها، ويمكن تطبيقها في جميع مراكز اتخاذ القرار سواء كانت حكومية أو مدنية بمختلف اختصاصاتها.
يطرح الكتاب ثورة اللامركزية وأداتها البلوكتشين كتقنية حل يمكن الاستفادة من نماذجها في تنفيذ الفكرة على أرض الواقع، ويوضّح لنا عثرات النظام المالي والرقمي التي خلقت الحاجة لهكذا تقنية فيعرّج على العجز في بنية الأنظمة الحالية والمشاكل التي تعاني منها وحلولها في التقنية الواعدة، ويلخص المشكلة الأولى في حاجة كل نظام تقني ومعلوماتي ومالي حالي إلى وسيط ينظّم العلاقة بين المتعاملين مما يخرق خصوصية بعض المعاملات ويزيد من كلفة معاملات أخرى دون حاجة ضرورية لذلك.
في حين أن الفكرة الثَّوريَّة المتمثلة بالبلوكتشين أو سلسلة الكتل تسعى إلى تحويل التَّبادل المعلوماتيِّ إلى شبكات النِّد للندِّ Peer-to-peer أي يكون التَّواصل بين كياناتٍ مباشرةٍ دون وسيطٍ بينها، دون سيرفراتٍ مركزيَّةٍ، وخوفٍ على البيانات من التَّزوير، أو مخاوف الخصوصيَّة.
تسلّط صفحات الكتاب الضوء على الحاجة الأساسية من المركزية وهي الحاجة لضامن يثق به المتعاملين ثمّ يوضح فكرة اللامركزية في سلسلة الكتل وهو أن يكون الضامن هو شبكة بأكملها مكونة من آلاف العقد تمثل مراكز اتخاذ قرار يشكّل كلاً منها جزءًا من القرار الأخير للشبكة وبالتالي ألغينا قدرة أي طرف في السيطرة على القرار وقللنا إمكانية الخطأ إلى معدلات صفرية فلا إمكانية لأن يسيطر أحد على الشبكة إلا إذا سيطر على 51% من العقد ولا إمكانية للخطأ إلا إن أخطأت 51% من عقد الشبكة، وزد على ذلك نزاهة بعض الشبكات في كودها البرمجي الذي يمنع أصلاً اتخاذ قرار يخالف هدف الشبكة حتى لو سيطر أحدهم- وهو امر مستحيل- على النسبة الأعلى من عقد الشبكة كما هو الحال في شبكات الأصول الرقمية التي لا تسمح- لو أراد مبرمجها- بطباعة أي أصول إضافية تحت أي مسبب.
لا أخطاء لا تزوير لا فردانية في اتخاذ القرار دون حوكمة ودون مراقبة ودون جهد أو كلفة مبذولة من طرف بعينه! تبقى لنا مشكلة الخصوصية والشفافية المتعارضتين، وهنا يطرح الكتاب ميزة سلسلة الكتل في دفتر الأستاذ المتواجد في كل عقدة الذي يسمح لكل المتواجدين على الشبكة في رؤية جميع المعاملات الجارية عليها مع محافظة تامّة على خصوصية كل مشارك وفق سياسة الخصوصية التي تتبعها الشبكة ويرضى بها المنضمين إليها.
لا يقف الكتاب على الحدود النظرية للامركزية وسلاسل الكتل بل يغوص عميقاً في الأساس التقني لها وأنواعها، وأشهر الشبكات الموجودة حالياً ويتطرق لمسألة العقود الذكية والفوائد الجمّة لاستخدامها ثمَّ يأخذ بيدنا إلى منبع الفكرة والتطبيق العملي الأول لها ألا وهو البتكوين.
شغف البتكوين جيوب الناس حُباً وعقولهم ندماً لأن لم يشتروه لمّا كان في سنتات وبشبه المجان، فأغدق الأموال على المحظوظين ممّن تعرف عليه بمحض الحظ لا أكثر، وعلى من آمن بها بالمقام الأول واستثمر فيها ماله ووقته، يقتبس الكتاب كلامه من “البتكوين الناشئ”، فيسهب في شرح بدايات ظهوره والمراحل التي مرَّ بها وميزاته التي جمعت ألباب المال والأعمال والتقنية حولها ليستثمروا فيه ويراهنوا على نجاحه، ويطرح بعض الحالات العملية التي أمكن ويمكن فيها الاستفادة من البتكوين في مجال حقوق الإنسان والاقتصاد ودعم الاقتصاد، وميزاته التي جعلت منه غطاءً للمدخرات لمنع فأر التضخم عنها وأدّت لتحويل محفظتك منه إلى محفظة استثمارية تضخم ثروتك إيجابياً وتزيد من قيمة أصولك.
يفنّد الكتاب في ختامه النقاط الشائكة التي يأخذها الناس على البتكوين، ويجيب عن أكثر الأسئلة طرحاً واستفساراُ حتى لا يترك أي بقعة عمياء قد تبقى في نظر القارئ مع نهاية الكتاب، ويقارن ويفاضل بين النظام المالي الحالي والبتكوين من نواح عدّة دون أن يغفل أي من المواضيع المهمة.
ختاماً لا يمكن الجزم بشبكات سلاسل الكتل وتطبيقاتها الحالية كرؤية مستقبلية كاملة بشكلها الحالي لكن يمكن التنبؤ أنها جزء من الحل للكثير من مآسي البشرية ومشاكل الاقتصاد وعدم شفافية الكثير من الأنظمة، بقي أن نقول أن سلاسل الكتل لا تعدو عن كونها تقنية … تقنية وأداة لا أكثر ولا أقل، فلا يجوز لنا أن نأخذ هذه التقنية ونطبّقها على كل مجال من حولنا بدعوى الحداثة واللحاق بالركب .. الأمر ليس كذلك بتاتاً بل ينبغي علينا أن نتأمل الوضع الحالي لأي نظام سواء كان مالي أو تقني أو سياسي ثمَّ نقارب بين المشاكل التي يعاني منها هذا النظام والحلول التي تقدمها سلاسل الكتل ونحسب التكاليف المترتبة على استخدامها، وجدوى إدخالها وسهولة تعامل المستخدمين معها.
اقرأ أيضًا: ما هي الأدوات والأجهزة التي قد تحتاجها لتعدين العملات الرقمية المشفّرة؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.