بحث حول السهول الفيضية
مال الإنسان منذ القدم لاستيطان السهول الفيضية القريبة من المجاري المائية لما تُقدمه من هباتٍ مثل امكانية الزراعة بالاعتماد على فيضان الأنهار في مواسم وانحسارها في مواسم أخرى، فما هي السهول الفيضية وكيف تنشأ؟
تعريف السهول الفيضية
السهول الفيضية هي الأراضي المنخفضة المُتاخمة للأنهار، والتي تتشكل من ترسيب الأنهار للمغذيات العضوية والطمي بعد موسم الفيضانات الناتجة عن العواصف والأمطار الغزيرة أو ذوبان الثلوج وانحسارها، عادةً ما تكون السهول الفيضية أراضي مُسطحةً وبالغة الخصوبة بسبب تلقيها الرواسب المغذية نتيجة تكرر الفيضانات على مدى آلاف السنين، ومن الجدير بالذكر أن أغلب الأنهار الحالية كانت منذ القدم أكبر وأعرض وأكثر غزارةً، لكن انخفاض معدلات الهطول المطري وزيادة الجفاف مع الزمن، أدى لتراجع مستوياتها حتى في مواسم الفيضانات وهو ما خلّف وراءه العديد من السهول الفيضية.
تأثير السهول الفيضية على الإنسان
بالعادة تكون الفيضانات موسمية الحدوث ومن الممكن توقع حدوثها قبل عدّة أشهرٍ، لذلك يمكن استغلال السهول الفيضية في تطوير الحضارة البشرية، فمياه النهر تخدم كشبكةٍ للنقل الداخلي بالقوارب وري المحاصيل الزراعية، ويمكن استخدام المناطق المُسطحة القريبة في الزراعة أو كمواقع للسكن.
تطورت أقدم ثلاث حضاراتٍ على الإطلاق في مناطق قامت على السهول الفيضية حيث ازدهرت الحضارات الأكادية والسومرية والآشورية والبابلية على السهول الواقعة بين نهري الفرات ودجلة في بلاد ما بين النهرين، بالإضافة لحضارة الفراعنة في وادي النيل، والحضارة التي قامت في سهول نهر السند حيث قامت حضارة هاربا.
تأثيرها على الزراعة
عادةً ما تكون السهول الفيضية مناطق زراعيةً عالية الخصوبة لكون النهر يحمل الترسبات الغنية بالمغذيات والطمي إليها ليوزعها على منطقةٍ واسعةٍ خصوصًا كونها مسطحةً ونادرًا ما تحوي على الصخور الكبيرة وغيرها من الكتل التي تعيق الزراعة. في الأرجنتين يُطلق على السهول الفيضية التي توجد في مامباس بسلّة خبز الأرجنتين لغنى الأرض بالمحتويات الغذائية حيث تُشكّل مزارع الحبوب والماشية الأكثر ربحًا في أميركا الجنوبية.
دورها في النقل
تُشكّل التضاريس المسطّحة في السهول الفيضية أرضيةً ممتازة لبناء الطرق والجسور والمطارات كما أن الأنهار بطيئة التدفق تلعب دورًا مهمًا في نقل البضائع بوساطة السفن والعبارات المائية بطريقةٍ أكثر فعاليةً وكفاءةً من وسائل النقل البري التقليدية، على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية شكّلت السهول الفيضية لنهري المسيسيبي وميسوري ممرات نقلٍ حيويةٍ لعدة قرونٍ مما سهّل التجارة بين شرقي وغربي الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت المدن الواقعة فيها مثل ميسوري وسانت لويس وممفيس مراكز تجاريةً وثقافيةً مهمةً.
فوائد السهول الفيضية
توفر السهول الفيضية العديد من الفوائد البيئية للوسط البيئي والمجتمعات الإنسانية وتتمثل أهميتها في النقاط التالية:
- استيعاب المياه الناتجة عن الفيضانات بما يُقلل من سرعة المياه الجارية ويُخفف من تعرية التربة.
- المحافظة على جودة المياه من خلال ترسيب الرواسب وترشيحها وتقليل الأحمال عن المياه والمحافظة على درجة حرارة المياه.
- رفد مصادر المياه الجوفية.
- زيادة خصوبة التربة وتوفير تربةٍ ملائمةٍ للزراعة ولزيادة الغلّة من المحاصيل ومُلائمةٍ لنمو الغابات.
- تخدم كموئلٍ وموطنٍ للعديد من الكائنات الحية البرية والأسماك وخصوصًا بعض الأنواع المُهددة بالانقراض.
- تدعم الاقتصاد من خلال العديد من النقاط مثل دعم الانتاج الزراعي، ودعم قطاع النقل، وتوفير فرصٍ مناسبةٍ للاستثمار.
مخاطر الحياة في السهول الفيضية
يحمل العيش في السهول الفيضية بعض المخاطر الناتجة عن الاحتمال الدائم لحدوث الفيضانات من أهمها:
- خسارة الأرواح البشرية: على الرغم من أن أكبر الأضرار المتوقعة هي أضرارٌ ماديةٌ بحتةٌ إلا أن الكثير من الوفيات تحدث بسبب الفيضانات سنويًا حول العالم أكثر من أية كارثةٍ طبيعيةٍ أخرى لأن الناس تستهين بمخاطرها.
- تدمير الممتلكات: يمكن أن تُسبب الفيضانات الكثير من الأضرار الاقتصادية بما فيها تدمير الممتلكات الشخصية كهدم وانجراف المنازل أو دخول المياه إلى المنازل وتخريب أغلب محتوياته كما يمكن أن تقوم بجرف السيارات وتدميرها.
- مخاطر صحية: تتمثل بمخاطر مباشرةٍ نتيجةً للبكتريا والأعفان التي من الممكن أن تحملها مياه الفيضانات، ومخاطر غير مباشرةٍ بسبب تفشي الإصابات والأمراض في المناطق المنكوبة بسبب تخريب الممتلكات والبنية التحتية وصعوبة وصول فرق الإنقاذ لإجلاء المصابين جميعًا.
أشهر السهول الفيضية في العالم
سهل المسيسيبي
تحيط بنهر المسيسيبي مجموعة من السهول الفيضية الواسعة المساحة التي تُغطي مساحةً كبيرةً من ولايات الغرب الأوسط، ولكن وبسبب العديد من السدود والبحيرات الصناعية التي أُنشأت على مجرى النهر، تراجع مستوى الفيضانات بشكلٍ كبيرٍ ولم تعد 90% من السهول التي كانت تغطيها المياه تُغمر بالمياه ولم تعد تتلقى المزيد من الرواسب والمغذيات. يمكن أن يتسبب تدمّر أحد السدود على مجرى النهر بكارثةٍ نتيجةً الفيضانات الجائحة كما حدث في العام 2011.
سهل بانتنال
يمتد هذا السهل على مساحة 77000 ميلًا مربعًا في دول البرازيل والبارغواي وبوليفيا على ضفاف نهر البارغواي، ويعتبر من أكثر الأوساط البيئية تنوعًا بالكائنات الحية نظرًا لغناه بالمغذيات الناتجة عن الفيضانات الكثيرة المتتالية، حيث يضم المستنقعات والأراضي العشبية والغابات التي يعيش فيها أكثر من 700 نوعٍ من الطيور والثديات الكبيرة وبعض الأنواع الحيوانية المُهددة بالانقراض والتي لا تتواجد إلا في هذه السهول.
أكبر السهول الفيضية في الوطن العربي
سهول نهر النيل
تُعتبر السهول الفيضية لنهر النيل الذي ينبع من هضبة البحيرات ويجري شمالًا حتى يصبّ في البحر الأبيض المتوسط من أطول السهول الفيضية في العالم مسافةٍ، وإن لم تكن الأكبر من ناحية المساحة ففي حين تكون عريضةً ومُتشعبةً في السودان لكثرة الأنهار والروافد التي ترفد نهر النيل، فإن مساحتها تقلّ في مصر، حيث تمتد على جانبي نهر النيل ولا يتجاوز عرضها في أغلب المناطق في مصر 16 كم، تشكلت عبر ملايين الفيضانات المُتتالية لنهر النيل كلّ عامٍ وكانت أهم الأسباب التي ساهمت في استيطان البشر لوادي النيل قديمًا وسببًا رئيسيًا لظهور حضارة الفراعنة في مصر.
السهول الفيضية لبلاد الرافدين
ينبع نهري الفرات ودجلة من تركيا ويمران عبر الجزء الشمالي الشرقي من سوريا وعبر العراق، يلتقي النهران في شط العرب ويصبان في الخليج العربي، ويمتد مجراهما لمسافةٍ تقارب 650 كم ويحددان بينهما وعلى جوانبهما الخارجية سهولًا فيضيةً كبيرةً تمتد على عرضٍ يُقارب 250 كم، وتُعتبر من أقدم السهول الفيضية التي استوطنتها الحضارات القديمة ونشأت عليها العديد من أقدم الحضارات البشرية مثل الآشوريون والكلدانيون والسومريون وغيرهم.