قصص العائدين من الموت أو تجارب الاقتراب من الموت (Near-Death Experience)… حقيقة أم خيال؟
4 د
“فجأة، وسط كل هذا الألم -كنت لا أزال في الظلام- رأيت ضوءًا خافتًا جدًا وبعيدًا. اقترب مني، وكان كل شيء هادئًا للغاية، وكان دافئًا، وكنت دافئة، وبدأ الألم يتلاشى. عندما وقفت أخيرًا من الظلام وفي هذا الضوء، كان أجمل شيء رأيته على الإطلاق، ناعمًا، دافئًا، شفافًا. كنت أخيرًا هناك، وشعرت وكأن أحدهم قد وضع ذراعيه من حولي. كنت آمنةً، لا مزيد من الألم، لا شيء، فقط هذا الإحساس الجميل الجميل…”
كانت هذه كلمات امرأة تبلغ من العمر 48 عامًا، كادت أن تموت في إحدى المرات بسبب مضاعفات مرتبطة بورم في العمود الفقري.
ما الذي حدث؟ وما تلك التجربة الغريبة التي مرت بها تلك السيدة؟
لطالما كان الموت لغزًا غريبًا؛ لم يكتشف هذا اللغز إلا الأموات أو العائدين من تجارب قريبة من الموت. لسنوات طويلة حكى الذين عادوا إلى الحياة عن تجاربهم وذكرياتهم وتعامل معها بعض الأطباء على أنها نوع من الهلوسة، ولكن يا تُرى ما السر؟
ماذا حدث في سربرنيتسا؟ القصة الكاملة لمذبحة كان مخرجها الوحيد “طريق الموت”
ما هي تجربة الاقتراب من الموت؟
تجربة الاقتراب من الموت (Near-Death Experience) هي تجربة ذاتية الطابع عميقة مرتبطة بالوفاة أو الموت الوشيك، يظن الباحثون أنها تشترك في خصائص مماثلة للموت.
قد تشمل هذه التجارب مجموعة متنوعة من الأحاسيس تتراوح بين الرهبة والسعادة؛ فإذا كانت مشاعر إيجابية تشمل انفصال الروح عن الجسد، والشعور بالرفع، والصفاء التام، والأمن، والدفء، ووجود ضوء؛ ولكن عندما تكون سلبية، قد تتضمن هذه التجارب أحاسيس الكرب والضيق.
تم اقتراح المصطلح لأول مرة من قبل عالم النفس وعالم المعرفة الفرنسي فيكتور إيغر نتيجة للمناقشات في تسعينات القرن التاسع عشر بين الفلاسفة وعلماء النفس فيما يتعلق بقصص المتسلقين لمراجعة الحياة بشكل بانورامي أثناء السقوط.
كيف يشعر من يمر بتلك التجربة؟
السمات العامة المشتركة للتجربة تشمل انطباعات الخروج من الجسد المادي، ورؤى الأقارب المتوفين والشخصيات الدينية، وتجاوز الحدود الزمانية المكاني، إحساس بالسلام والرفاهية والألم، شعور بالابتعاد عن العالم والذهاب إلى النعيم السماوي.
“تجربة نفق” أو دخول الظلام، إحساس بالصعود أو المرور عبر ممر أو سلم، الانغماس المفاجئ في ضوء قوي، مراقبة المهنيين الطبيين الذين يقومون بجهود الإنعاش، رؤية وميض حياة المرء أمام عينيه.
المفارقة؛ أن تفسير الشخص لهذه الأحداث يتوافق في غالب الأمر مع معتقداته الثقافية أو الفلسفية أو الدينية، لذا أصبحت التجارب ذاتية بحتة، على سبيل المثال، الهندوس غالبًا ما يحددونه على أنهم رسل إله الموت، في حين أن في الولايات المتحدة- حيث يؤمن الكثير بالملائكة الحارسة- يتم تحديدهم على أنهم ملائكة.
كيف يمكننا تفسير تلك الظاهرة؟
تتراوح تفسيرات الاقتراب من الموت ما بين المنظور العلمي والمنظور الديني. تشير أبحاث علم الأعصاب إلى أن تجربة الاقتراب من الموت ظاهرة ذاتية قد تنتج عن “اضطراب التكامل الحسي الجسدي” الذي يحدث أثناء الأحداث التي تهدد الحياة، في حين أن بعض المعتقدات الدينية حول الحياة الأخرى تتضمن أوصافًا مماثلة لأحداث الاقتراب من الموت.
بمرور الوقت، زادت الأبحاث العلمية التي تحاول تفسير تجارب الاقتراب من الموت نتيجة للتغيرات الجسدية في الدماغ المحتضر. تشمل الأسباب المطروحة نقص الأكسجين، والتخدير الناقص، واستجابات الجسم الكيميائية العصبية للصدمة.
يرفض البعض هذه التفسيرات؛ لأن الظروف الطبية التي تحدث فيها التجارب متنوعة للغاية لتفسير تلك الظاهرة واسعة الانتشار.
إحدى التفسيرات ترجع للتوقع؛ يلعب التوقع بالتأكيد دورًا في تجربة الاقتراب من الموت بشكل عام؛ الاختلافات بين الثقافات المذكورة أعلاه هي شهادة على ذلك.
تفسير آخر لظاهرة الخروج من الجسد المادي أنها لا تحدث فقط على فراش الموت؛ فقد يشعر الشخص برؤية جسمه من الأعلى إبان نوبات شلل النوم، حيث يستيقظ الدماغ جزئيًا بينما ما يزال الشخص في مرحلة نوم حركة العين السريعة.
بالإضافة إلى ذلك، من المعروف أن الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر وباركنسون Parkinson Disease لديهم هلاوس حية للكيانات الشبيهة بالأشباح؛ حيث أفاد البعض برؤية أقارب ميتين في منازلهم.
كما يعتقد بعض العلماء أن هذه التجارب هي انعكاس تأثير بعض العقاقير على كيمياء المخ؛ نتيجة لتشابه قصص متعاطي العقار مع ذكريات الاقتراب من الموت. أظهرت أحد التجارب أن عقارًا معينًا أدى إلى نتائج شبيهة للغاية بتجارب الاقتراب من الموت وهو “الكيتامين”.
كل هذا يجعلنا نفكر في تلك التجربة الروحية، فربما تكون التجربة الوحيدة التي لدينا الفرصة للتحقيق فيها بطريقة علمية شاملة. وتعطينا تلك التجربة درسًا لاستكشاف الاعتقاد الإنساني القديم أننا أكثر من مجرد لحم، واستكشاف الوعي؛ أحد الألغاز العظيمة للوجود الإنساني.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.