تعليقًا على قضية كاميرون هيرين.. لماذا نتعاطف مع المجرمين الوسيمين؟
9 د
اتفق مجموعة من الأصدقاء على سباق السيارات فيما بينهم. كان بينهم شاب يُدعى كاميرون هيرين يبدو أنه متحمس للنصر. في مشهد آخر، تخرج السيدة جيسيكا مع طفلتها البالغة من العمر 21 شهرًا، ربما للذهاب في نزهة أو التسوق. لم تكن تعلم ما سيحدث.
أثناء القيادة، وبينما يركز كاميرون هيرين على الفوز، إذا بالسيدة جيسيكا تعبر الشارع مع طفلتها، لم تلتفت لهذا الشاب الذي يقود سيارته بسرعة مجنونة، أو ربما لأنها تسير في حي ممنوع فيه هذه السرعة، تمشي مطمئنة.
يحاول الشاب تفادي السيدة وطفلتها، لكنه يفقد السيطرة، ثم تُكتب النهاية المأساوية لها ولطفلتها المسكينة.
وكالعادة، أتت المحاكمة المنتَظرة، وحُكم على الشاب الوسيم بالسجن 24 عامًا، ما أثار سخط الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، واختلفت الآراء، هناك من رأى أنه شاب طائش في بداية حياته، ولا يجوز أن يُفنى عمره في السجن بسبب فِعل غير مقصود،وآخرون يرون أنه يستحق هذا وأكثر.
(قبل استكمال الموضوع، أود أن أنوه لشيء، وهو أنني لا أكتب هذا التقرير للتحقيق أو تحليل ما إذا كان الفتى يستحق السجن أم لا، هذا عمل القُضاه، لكن موضوعنا شيق، تقرير يتناول أسباب تعاطف الناس مع كاميرون أو أي مجرم عمومًا).
كاميرون هيرين ليس الوحيد: سيكولوجيًا لماذا نتعاطف مع المجرمين؟
حسنًا، تتلخص إجابة هذا السؤال في بعض الأسباب الرئيسية:
صدق أو لا تصدق.. إنه أمر طبيعي
نعم، تمامًا كما قرأت الآن. إنه أمر طبيعي أن تتعاطف مع المجرم.. لماذا؟ ببساطة لأنّ أغلب الناس يحبون قصص الجريمة والروايات البوليسية- وأنا منهم. مثلًا، سلسلة شارلوك هولمز العالمية لـ”آرثر دويل“، والرجل المستحيل لـ”نبيل فاروق” المشهورة عربية، فضلًا عن روايات سيدة الجريمة “أجاثا كريستي” وغيرهم الكثير والكثير.
شكلت كثير من هذه الأعمال علاقة عاطفية مع القراء، فأصبح لدينا دافع طبيعي للتعاطف مع المجرمين. حتى أولئك الذين لا يحبون القراءة، ربما شاهدوا أفلامًا ومسلسلات كثيرة تتناول هذا اللون من الأدب. وفي أغلب الأوقات، يدفعنا المخرج للتعاطف مع المجرم. وقد دفعتنا الصور المنتشرة لـ”كاميرون” وقصته للتعاطف معه أيضًا.
الشر يسيطر علينا
الفضول من أهم سمات الطفل، إنه المحرك الرئيسي الذي يدفعه لاستكشاف العالم من حوله. حتى إنه قد يجعل الطفل واقفًا في توتر بين الخير والشر، لا يعرف أي الطريقين يسلك، وغالبًا ما تقوده الظروف حوله إلى طريق ما دون الآخر.
الخير والشر بداخلنا، ويميل البشر في أوقات كثيرة إلى التعاطف مع الطرف الشرير، لأننا نجد الأفكار الشريرة تراودنا في بعض الأحيان، قد لا نُفصح عنها، لكننا نعلم جيدًا أنها بداخلنا، لكن الظروف المحيطة والسلوكيات الحميدة التي تربينا عليها، تجبرنا على اتجاه الخير.
أنت نفسك، ستصل إلى مرحلة ما من عمرك، عندما ترى مجرمًا، تتساءل ماذا حدث له ليصبح هكذا؟ لا بد من وجود شيء ما في ماضيه دفعه لهذا الاتجاه. هل يعاني من مشكلة نفسية؟ وهكذا. أي، باختصار شديد، نحن نعلم أنّ الشر داخلنا، لكن هناك محفز دفعه لدائرة الضوء في صورة جريمة بشعة، وسينال هذا المجرم عقابًا، فتشفق على مصيره. ربما تضع نفسك مكانه.
نشرات الأخبار.. الشر مهم كي نحيا
تحرص نشرات الأخبار على إذاعة حالات القتل والسرقة وغيرها من الجرائم البشعة، فإذا كنا مفتونين بالجرائم لأسباب طبيعية أو نفسية، فقد ساعدت نشرات الأخبار في زيادة هذا الافتتان قليلًا، فالجرائم تمثل من 25 – 30% من نسبة الأخبار المذاعة يوميًا. وللأسف الإعلام يؤثر بشدة على الناس. لكن ما علاقة هذا بموضوعنا؟
حسنًا، أريد طرح سؤال: كيف تستطيع التعرف على الشر إذا كان العالم كله خير؟ ربما تكون إجابتك من خلال وصف الشر، تمامًا كما نُعرّف الأعمى على الألوان التي لم يرها في حياته قط، من خلال الوصف. لكن هذا ليس كافيًا. لا بد من وجود شر ملموس، حتى تستطيع تمييزه عن الخير. ونحن ندرك أهمية وجود الشر في حياتنا، ما قد يدفعنا للتعاطف مع المجرمين، لأن وجودهم مهم. وتساعد نشرات الأخبار في تذكيرنا بوجودهم باستمرار، وهنا مربط الفرس.
الكوارث الطبيعية تثير إعجاب الناس.. كذلك الجرائم
البراكين، الزلازل، الفيضانات..إلخ، كلها كوارث طبيعية، لكنها مثيرة للاهتمام والإعجاب حقًا، أليس كذلك؟ نفس الأمر ينطبق على الكوارث التي ينفذها المجرمون، فمشهد رؤية مجرم يجره أفراد الشرطة في السلاسل جذاب لعين الجمهور، لدرجة أنهم قد يتركون كل ما في أيديهم ويذهبون لمشاهدته. إنها سيكولوجيا النفس البشرية يا صديق. كل هذا يثير الشفقة تجاه المذنب، لأننا لا ننظر إلا ليديه المكبلتين في السلاسل، لا إلى جريمته وما فعله.
الحاجة إلى التطور
داخل كل منا غريزة البقاء. ولأن حياة الإنسان غالية، يسعى دائمًا لحماية نفسه، وذلك من خلال متابعة استراتيجيات المجرمين في الجرائم المختلفة، ما يفسر اهتمام الناس بالحوادث والجرائم. إنهم يريدون معرفة الجديد لتفاديه في المستقبل.
في أغلب الأحيان، تهتم النساء أكثر من الرجال بتعلم طرائق الدفاع عن النفس المختلفة، ربما لأنهن أقل قوة جسمانيًا عن الرجال ويشعرن بالحاجة إلى التطور. عند متابعة أخبار الجرائم أو القراءة فيها بشكل عام، يتعرفن على تفكير المجرم جيدًا، فيستطعن التعامل معه بشكل أفضل.
إنه الفضول الذي يضيف خبرة أو معرفة جديدة لنا. أبسط مثال على ذلك، عندما تشاهد مشاجرة في الشارع الذي تقطن فيه، ستجد نفسك تلقائيًا تجري لمشاهدة ماذا يحدث. (ربما تريد مناداة المتشاجرين ليأتوا تحت بيتك لتشاهد جيدًا).
لأننا لسنا الضحية وبعض من الشماتة
في كثير من الأحيان، نقرأ عن الحوادث والجرائم أو ربما نشاهدها في التلفاز على هيئة أفلام ومسلسلات أو أخبار حقيقية. هذا يجعلنا نشعر بأننا في منطقة الأمان. أجل، هذه الحوادث بعيدة عنا، لا نراها ولا نسمع عنها إلا من خلال شاشات التلفاز، فنستبعد حدوثها. وهذا لا يعني أننا شخصيات سادية، لكنه مجرد ارتياح لأن هذا الأمر لم يحدث لنا.
بعيدًا عن مسرح الجريمة.. لست أنا الجاني!
أغلب الأحيان أو الطبيعي أن يتعاطف الناس مع الضحية، لكن التعاطف مع الجاني ليس غريبًا أيضًا. هل تعلم لماذا؟ حسنًا، فقط تخيل نفسك الجاني المكبل في السلاسل أو الذاهب لقضاء عقوبته في السجن مدى الحياة أو الذي يحضر نفسه لحبل المشنقة. صدقني، أغلبنا نتخيل هذا السيناريو عندما نشاهد مجرمًا، وننسى فِعله المشين، ونركز على المصير المنتظر. هذا يدفعك للتعاطف معه، وتقول بينك وبين نفسك: “هناك شخص قتل شخصًا آخر.. حمدًا لله أنني لست الجاني”.
أدرينالين هدية
ألا تشعر بالإثارة عند مشاهدة أفلام رعب؟ إنه الأدرينالين الذي يندفع إلى مجرى الدم ويعطيك شعورًا مثيرًا. بالمناسبة، هناك بعض الناس يدمنون الأدرينالين. بشكل عام، عند التعرض لمواقف صعبة مثل الجرائم، يندفع الأدرينالين، وهذا شيء يحفز الناس، حيث يكون إحساس الشخص تمامًا كالطفل الذي دخل الملاهي واستمتع بالألعاب المثيرة، إنها مخيفة، لكنه يستمتع بها، ربما لا يدري أنّ هذا الشعور وليد الأدرينالين المندفع في جسمه.
نحب لعب دور المحقق من على الأريكة
أيًا كان مجتمعك، بالتأكيد ينتشر حدث في وقت من الأوقات عن جريمة بشعة، وتُعرض مجموعة من الأدلة للعامة. ولأننا نحن البشر كائنات فضولية، نتعامل مع هذه الجرائم على أنها ألغاز، ونلعب دور المحقق ونبحث عن القاتل من خلال الأدلة المطروحة أمامنا ومن فوق الأريكة في بيوتنا، حيث الأمان والاستقرار.
سرد قصص الجريمة (من على الأريكة أيضًا)
نعم، نحن نفعل ذلك، نتفنن في سرد القصص المخيفة، لأننا نحب أن نخاف، ويتضح هذا في مشاهدتك أفلام الرعب وأنت تعرف أنها مرعبة أو قراءة قصص مرعبة أو التفكير في حلول لجرائم القتل والسرقة وغيرهم حولك. أنت فقط مطمئن أنك على الأريكة ولا يحدث لك شيء، لكنك في الحقيقة تستمتع كثيرًا بسرد هذه القصص لغيرك.
كل هذه الأسباب السابقة منطقية في حالة الجرائم عمومًا، لكن في حالة كاميرون، هناك شيء آخر إضافي ملحوظ ألا وهو..
سحر الجاذبية.. المجرم الوسيم
ربما تكون قد لاحظت في الصورة السابقة أنّ الشاب كاميرون وسيم وجذاب. حتى إذا قرأت بعض التعليقات حوله على وسائل التواصل الاجتماعي، ستُلاحظ الكثير من المعلقين قد أثنوا على وسامته. ما يجعلنا نلقي الضوء على هذه السمة تحديدًا. ونتساءل، هل كان لوسامته دور في تعاطف الناس معه؟
الإجابة ببساطة نعم، ويأتي هذا الجواب من دراسة نُشرت في “Scandinavian Journal of Psychology” عام 2013، أجرتها “Barbara Muller” ومجموعة من الباحثين في قسم علم النفس بجامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونخ بألمانيا. تفيد الدراسة بأنّ الناس يميلون لتقليد الأشخاص الجذابين دونًا عن غيرهم، ما يضيف بُعدًا جديدًا في سيكولوجيا الناس تجاه المجرمين.
أشارت الدراسة أيضًا إلى أنّ الناس يقيّمون الأشخاص في البداية بناءً على المظهر الخارجي، فالجاذبية صفة مؤثرة للغاية، ما يدفعهم للتعاطف معهم وتقليدهم، مثلما تعاطف الناس مع كاميرون.
جيريمي ميكس المجرم صاحب العين الزرقاء.. والسر هو تأثير الهالة
في يونيو 2014، قبضت الشرطة على “جيريمي ميكس“، بتهمة حيازة سلاح ومقاومة الشرطة عند الاعتقال، في الحقيقة لقد كان لـ”جيريمي” سجلًا في الجرائم، لكن في هذه المرة تحديدًا، انتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي. المفاجأة، حازت الصورة على إعجابات وتعليقات عاطفية كثيرة.
نقلًا عن تقرير منشور على موقع “Psychology Today“، فإن ما حدث في حالة جيريمي نتيجة تأثير الهالة للجاذبية، أي أننا نميل إلى الأشخاص الجذابين، فهم يبدون أكثر ذكاءً ولطفًا وصدقًا، حتى إن لم يكونوا كذلك حقًا، فهناك العديد من الأمثلة لمجرمين استغلوا وسامتهم في جذب الضحايا وقتلهم. أبرز الأمثلة على هذا رجل يدعى “بتيد بندي” الذي قتل أكثر من 30 فتاة بعد استدراجهن معتمدًا على جاذبيته.
نقلًا عن صحيفة “Daily Mail“، أشارت الأبحاث إلى أنّ المظهر الجيد للمجرمين، يتيح لهم فرصة الهروب من العدالة. وفي إحدى التجارب، كان المتطوعون يميلون لإدانة الأشخاص القبيحين في الجرائم.
أُجريت التجربة في جامعة “باث سبا” بالمملكة المتحدة. شارك في الدراسة 96 متطوعًا، أعطى لهم الباحثون ورقة فيها شرح لجريمة وهمية. بعد ذلك، جاء الوقت لتقرير المذنب، وعرضوا على نصف المشاركين صورة لشخص وسيم والنصف الآخر صورة لشخص ليس وسيمًا. وطلبوا من المشاركين جميعًا تقرير ما إذا كان صاحب الصورة بريئًا أم مذنبًا.
عند تحليل النتائج، اتضح أنّ أغلب المشاركين الذين حصلوا على صورة الشخص الوسيم، كانوا يميلون لبراءته، رغم عدم وجود أدلة كافية. أما عن الذين رأوا صورة القبيح، صمم أغلبهم على أنه مذنب! وهذا يفسر ما حدث مع كاميرون وجيرمي.
أخيرًا.. تنوعت الأسباب التي دفعت عدد كبير من الناس للتعاطف مع كاميرون، من ضمن هذه الأسباب جاذبيته ووسامته. في نفس الوقت، لا يمكننا غض الطرف عن سنه الصغير ومن خلال الأخبار المنتشرة، فهو ليس شخصًا سيئًا، حيث لم يقصد قتل السيدة جيسيكا وطفلتها، وحدث ما حدث بسبب تهوره واندفاعه بحكم حماس الشباب المتهور.
مع ذلك، السؤال الذي يراود للجميع، هل يستحق كاميرون هذا العقاب؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.