بعيداً عن الذكاء والمنافسة… اضطراب الشخصية المنطقية INTP يجمع عباقرة العالم تحت سقفٍ واحد

بين غرابة الأطوار وتفرّد الأفكار، وبمعزلٍ عن القواعد المتداولة والقوالب المستهلكة بين عامّة الناس، ستجد كائناً غريباً من عالم آخر قد تحسبه مخلوقاً فضائياً من شدّة غرابته واختلافه عن البشر، أو ربّما قد يجول في بالك أن يكون فرعوناً مصرياً أو ملكاً خارقاً هرب من عصر أقرانه ليكون في زماننا هذا. وراء تلك الهالة من الغموض والسحر المتجسّدة في مظهرٍ هادئ متّزن وسلوكٍ لبق، يقبع عالمٌ من الضجيج الفكريّ وسعة الخيال في محاولةٍ لإخضاع الدماغ البشري بشقّيه الأيمن والأيسر في حالةٍ من اليقظة والهوس المختلط بالجنون والمفعم بالغرابة.

اقرأ أيضًا: دليل شامل في اضطرابات الشخصية: من أنت وفقًا لهذه المعايير!

(الانطوائي Introverted، الحدسي Intuition، المفكّر Thinker، المدرك perceiving) أربع كلماتٍ تختصر في مضمونها أحد أندر الشخصيّات وأكثرها عمقاً وتعقيداً بين 16 شخصيّة مدرجة على مقياس Myers-Briggs لاضطرابات الشخصية (MBTI).

تلك السلالة النادرة، التي تشكّل فقط حوالي 2-5% من السكان، ستترجم من خلال شخصية عاشقة لتحليل الأحداث والمعطيات من حولها، وتستمتع باستكشاف النظريات وفهم أسرار الكون. يمتلك صاحب اضطراب الشخصية المنطقية INTP قدرةً هائلة على الربط والاستنتاج والتحليل، بطريقةٍ مبتكرة وفريدة من نوعها للوصول إلى حلول عمليّة لأصعب المشكلات وأعقدها.

اقرأ أيضًا: تبدد الشخصية والاغتراب عن الواقع: أن ينفصل عقلك عن جسدك وتقع ضحية الاضطرابات التفارقية

إنّ امتلاك INTPs الكثير من نقاط القوّة قد يبدو محاولةً لتعويض نقاط ضعفهم. لكن هناك بعض القيود التي يجب تداركها والتعامل معها بحذر، نذكر منها:

إنّ INTPs مهووسون بالمعرفة واغتراف المزيد من الحقائق، وتوظيفها في تحليل الأحداث وحلّ المشكلات بدّقة من كلّ زاوية. ذلك الميل الفطريّ المتأصّل في شخصيتهم بأن يكونوا على صوابٍ في مختلف الأمور، من خلال التعامل مع جميع المشكلات بعقلانيّة ومنطقيّة. فكونك من أصحاب اضطراب الشخصية المنطقية INTP سيكون أمراً مخيفاً ومربكاً للآخرين من حولك في محاولة فهمك ومجاراتك، فهم لا يستطيعون الاحتفاظ بتفاصيل الحقائق والأحداث كما تفعل أنت، حتّى أنّهم لن يفهموا سبب تنظيرك وأسلوبك المتبع في المحادثات غير الرسمية، أو لماذا تتعنّت كثيراً بشأن أبسط الأشياء والمواقف.

من الرائع أن تكون قاعدة بياناتٍ ومعارف متنقّلة، تعنى وتهتم بتنوير الناس من حولك بما تحمله من شغف ونية صادقة، لكن احرص على تبسيط الحقائق وتسهيلها حتّى يتمكّن الآخرون من فهمها بشكلٍ أفضل. كما يتوّجب عليك أن تتعلّم التراجع والبعد عن التعنّت عندما يكون من الواضح أنّ الشخص أمامك يريد حلاً سريعاً سهل التطبيق، ضع بحسبانك أنّ الأغلبية العظمى من الناس لا تستطيع التعامل مع المفاهيم الباطنية والغوص في مداخل الوعي والإدراك العليا.

أكثر ما يزعج شخصيّة INTP هو الجهل من أيّ نوعٍ كان، أنت كـ INTP ستجد نفسك تنفصل فوراً عن الأشخاص الذين يدّعون معرفة كلّ الحقائق المتعلّقة بموقف ما، وفي الواقع هم لا يمتلكون أدنى تخيّلٍ عنها. بالتأكيد ستكون متسامحاً للغاية مع مفهوم الاختلاف لكن بلحظة انفعالٍ تصبح فظّاً بلا رحمة، بل أقرب إلى السخرية والاستهزاء مع أولئك الذين يبدون تحيّزاً شخصيّاً أو يطلقون أحكاماً غير عقلانيّة أو آراءً غير صادقة. إذا أزعجك شخصٌ ما بأسلوبٍ استفزازيّ، ستلجأ إلى تفعيل ميول عدوانيّة سلبيّة مثل فرقعة سماعات الرأس الخاصة بك وتجاهل المحادثة عمداً، أو عدم الرد على الهاتف لأيّام أو حتّى لشهور. سيجد الناس سلوكك غريباً بشكلٍ مذهل وسيفهمونه على أنّه إساءةٌ لشخصهم ونفورٌ منهم.

اقرأ أيضًا: أشهر الاضطرابات النفسية المستوحاة من الأدب العالمي: عقدة أوديب في المقدمة

بصفته شخصاً انطوائيّاً، يفضّل INTP قضاء أغلب وقته بمفرده. وعلى عكس الشخصيات المنفتحة، التي تميل إلى اكتساب الطاقة من التفاعل مع مجموعة كبيرة من الناس، سنجد الشخص الانطوائي يجاهد ويبذل قصارى طاقته ليتأقلم ويتفاعل في المواقف والمناسبات الاجتماعيّة. بعد التواجد حول الكثير من الناس، سيشعر INTP بحاجة ملّحة إلى قضاء بعض الوقت بمفرده لإعادة الشحن وإيجاد التوازن من جديد.

مقابل تلك المعاناة من الخجل والإحراج حول الأشخاص الذين لا يعرفونهم جيّداً، تميل شخصية INTP إلى أن تكون دافئة وودودة مع دائرة محدّدة وضيقة من العائلة والأصدقاء، وبالتالي انفتاحهم وتفاعلهم مرتبطٌ بتواجدهم حول أشخاص مألوفين لديهم ومرتاحين معهم.

لا عجب أن تكون العواطف والمشاعر أكبر عائقٍ ومقيّد لشخصيّة المنطقي، فتركيزه الدائم بشكلٍ كبير على العقل والتحليل ينسيه تماماً العامل البشري، ليقع ضحية تفسير العاطفة بمنطق منفصل مجرّد. إذا كنت من ذوي هذه الشخصية ستجد نفسك غير قادرٍ على تحمّل مشاعر الغضب أو العار أو خيبة الأمل، ستخوض حرباً ومعارك يوميّة بين حقيقة مشاعرك الصادقة وتضارب أفكارك المنطقيّة، لأنّ عقلك سيكون في حالة تأهب مستمرّ لتبرير تلك المشاعر، وبحثٍ دائم لإيجاد تفسيرٍ عقلانيّ لها.

يمكن تشبيه عملية تعبيرك عن مشاعرك بفيضان مياه السدّ وانهياره من بعدها، ذلك في حال فقدت سيطرتك على نفسك وأطلقت العنان لعاطفتك، أو قد تلجأ إلى أسهل الطرق وأسلمها لك المتمثلّة بالانسحاب والانزواء في الظّل عندما تستشعر نسائم المشاعر ودقّ طبول الحبّ في قلبك، ممّا سيكسبك سمعة الانعزال وتهمة انعدام المشاعر التي ستلاحقك مدى حياتك.

إذا تمكّنت العواطف والرومانسيّة من امتلاك قلب هذه الشخصية ستكون العلاقة مليئة بالإثارة والمفاجآت السارة، في سياق تقديس الرابطة الزوجيّة والمضي في علاقة شديدة الالتزام والوضوح والصّدق، لا مجال للخوض في الألغاز والتلاعب بل الصراحة ثم الصراحة. كلّ ما يحتاج إليه أن يكون شريكه مباشراً معه بشأن ما يحتاجه ويتوقّعه منه في صدد علاقتهما.

إذا كان طفلك من ذوي اضطراب الشخصية المنطقية INTP، فمن المهم أن تدرك وتتفهم أنّه قد يستجيب بشكلٍ أفضل للعقل والمنطق عند التعامل معه بدلاً من مناشدة العاطفة لديه. يبرز دور الأهل في تشجيع طفلهم على تنمية اهتماماته الفكريّة واستيعابه قدر الإمكان، إلى جانب حثّه على الانخراط في المواقف التي قد تساعده في تعزيز الصداقات وتكوين العلاقات. سيكافح طفلك ويقاوم محاولاتك في جعله اجتماعيّاً مع أقرانه ومحيطه، ولكن قد يكون من المفيد إبقاؤه على اتصالٍ مع الأطفال الآخرين الذين يشاركونه نفس الاهتمامات والهوايات.

اقرأ أيضًا: 6 علامات تدل على إصابتك باضطراب في الشخصية

نظراً لاستمتاعهم بالمفاهيم النظريّة المجرّدة، غالباً ما يكون أداء INTP جيّداً بشكلٍ خاصّ في الوظائف المتعلّقة بالعلوم. فتبنّيهم للمذهب المنطقيّ العقلاني، وامتلاكهم مهارات التفكير القويّة التي يعلوها التفكير الإبداعي، بالإضافة إلى تقديسهم للحرّية والاستقلاليّة سيفتح أمامهم أوسع المجالات المهنيّة ليجدوا ضالتهم وشغفهم في التخصّصات التالية:

اقرأ أيضًا: لا تبذل نفسك على مذابح الآخرين: انصحهم بطبيب نفسي وتخلص من عقدة المخلص