أهم 9 روايات ستعرفك على تاريخ وثقافة المغرب العربي

يُعد الأدب المرآة الحقيقة التي تُظهر عُمق الشعوب وثقافتهم وتميزهم، فنجد الدول تسعى دومًا إلى تدوين تاريخها وحاضرها عبر ما يخلقه الكُتّاب من مؤلفات وروايات. ولا شك أن أدب المغرب العربي بدأ يغزو الساحة العربية والعالمية خلال السنوات الأخيرة.

وللأدب المغربي أو المنطقة المغاربية باع طويل وتاريخ عريق، فهذه المنطقة تواترت فيها الكثير من الحقب والسياسات والأيديولوجيات والأحداث التي كان لها تأثير مباشر وغير مباشر على نسق هذا الإبداع، لكنه استطاع مع الوقت أن يحظى بالاعتراف وأيضًا الاحتفاء عربيًا وعالميًا.

وفي هذا المقال، سنعرض مجموعة من أهم روايات أدب المغرب العربي التي وصلت للعالمية في سبيل البحث عن التحرر، وأثرت في الأدب العربي ورسخت الهوية المغاربية.

إنها من الأعمال الواقعية المؤلمة جدًا. يروي سليمان، الطفل ذو التسع سنوات، ذكريات الصيف الذي معه تغيرت حياته، عندما تعرض والده للاعتقال السياسي خلال حكم القذافي، تطفل رجال المخابرات، ومواجهة والدته للأحداث التي عصفت بعائلتها، ليتحول سليمان من طفل بريء وبسيط إلى متورط في الأحداث، فيبدأ في التنمر والخداع والكذب.

قصة رواية في بلد الرجال مؤثرة، ترسم صورة لواقع القمع السياسي في ليبيا مركزًا على عمل المخابرات “اللجان الثورية”، من تعذيب وإعدام كل من تسول له نفسه بالانقلاب على حكم القذافي. كما تقدم لنا وجهة نظر إنسانية من خلال هذه العائلة الصغيرة، بشخصية أم سليمان وقصتها، والتي تمثل واقع المرأة المقموعة في بلد الرجال، حتى على أيدي رجال مؤمنين بالحرية، ورغم إدراكها بأن صراع زوجها مع النظام الشمولي هو معركة عقيمة ولا يمكن التغلب عليه إلا إنها تظل متمسكة بعائلتها وتقاتل من أجل إنقاذها.

رواية التبر للكاتب إبراهيم الكوني ترحل بك من صخب الحياة إلى سحر الصحراء الليبية، بأسلوب إبراهيم الكوني الممتع الذي يشدك لتقرأها وتغوص في أعماقها المنبثقة من عشق الواحات ولهيب الصحراء والبحث عن الحرية.

تركز القصة على بطلين: أوخيد والمُهري الأبلق، حكاية صداقة وصحبة روحانية، تشهد على حقائق الحياة وأوهامها، عن الصحراء ومكرها وقسوتها، حكاية إنسان وحيوان مرتبطان بشكل وثيق لم يفرقهما سوى الموت.

وفلسفتها مرتكزة على العلاقة بين الحرية والقيد، فلأوخيد كانت الواحة قيد، والناقة قيد بالنسبة للأبلق، ولكنهما يقرران قطع هذا القيد من أجل الحرية المطلقة والعزلة والاكتفاء فقط بعلاقتهما. هذه العلاقة برمزيتها تمثل قصة العالم، ارتباط الناس بالدنيا ومغرياتها من ثروة ونساء مقابل زهد الناس بها من أجل الانعتاق والتحرر. وإيمان الكوني بالخل الوفي، جعله في هذه الرواية هو الجمل وليس الإنسان، الذي كان شريكًا في بطولة الرواية، فالجمل يحس بصديقه الإنسان ويسعى لإنقاذه، والإنسان يبيع كل شيء في سبيل جمله “الأبلق”.

رواية فلسفية ومغرقة بالألم والحزن والسوداوية وتعاد عدة مرات لسبر كل معانيها، رواية “التبر” هي أسطورة ذهبية متألقة تحت شمس الصحراء، تدور حول الخطيئة والحب والتحرر، وعن الصراع الداخلي والجدال الدائم ضد العالم الخارجي.

رواية رمزية تحكي عن ظلم الواقع على أبناء الجزائر من قبل المحتل الفرنسي، والأوضاع المتردية والبحث المستمر عن الهوية الجزائرية. فلطالما استحوذ البحث عن الهوية الوطنية على اهتمام كاتب ياسين، وفي روايته “نجمة” التي كتبها سنة 1955 خلال الثورة الجزائرية، يحكي عن قصة أربعة شبان يقعون في غرام امرأة اسمها “نجمة”، المرأة التي تأسر عشاقها ولا تُسلم نفسها لأحد.

شخصيات الرواية مترابطة فيما بينها بالدم والقرابة، وتتقاطع دروب حياتهم رغم تيهانهم في دوامات الهوية والجذور والأحلام، مع أن كل شخصية تحاول أن ترسم سبيلها الخاص وسط عقبات الماضي والواقع والمستقبل.

كسرت رواية نجمة الشكل النمطي للرواية الكلاسيكية، وأسست منهجًا مبنيًا على الخلط والتعقيد والفوضى، دون أن تسمح للقارئ معرفة مصير الشخصيات، وما الذي ترمز إليه شخصية “نجمة”، وفتحت المجال أمام تأويلات لامتناهية.

ريح الجنوب هي أول رواية جزائرية مكتوبة باللغة العربية، كتبها عبد الحميد بن هدوقة عام 1970. المقصود بـ “ريح الجنوب”، الرياح القادمة من الصحراء الكبرى خلال الصيف، وهذا العنوان يرمز للارتباط الخفي بين هذه الرياح الحارة الساخنة وحالة الفقر والعوز التي كانت تعيشها القرية التي تدور فيها أحداث الرواية خلال الفترة التي أعقبت خروج الاحتلال الفرنسي.

كتب بن هدوقة روايته لتكون انعكاسًا لهموم شعبه بعد الاستقلال، لأحلامه في عيش أفضل، للمشاكل المجتمعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. وسلط الضوء على مجموعة من النماذج العادية من المجتمع الجزائري، منتقدًا رضوخ الشعب لحكامه، واتساع الهوة بين جيل الشباب وجيل الشيوخ، ووضع المرأة الريفية وكيف تجد المرأة الطموحة والثائرة نفسها سجينة لعادات وتقاليد المجتمع الذكوري المنافق.

ستنتقل بك الرواية من أب محب للسيطرة، إلى حب التحرر لدى البنت، من شيخ البلدية وصراعه مع شباب القرية، إلى السحرة والمشعوذين وتكبر حفظة القرآن واحتكارهم للمعرفة، من المقبرة إلى الحياة، من الاستسلام إلى المقاومة.

“ريح الجنوب” رواية البحث عن الذات عند أبسط نماذج المجتمع الجزائري، تلك الذات التي تحطمت بعد فترة استعمارية طويلة جدًا.

اقرأ أيضًا:

إحدى أهم روايات الجابري، كتبها سنة 1982، ورواية ليلة السنوات العشر مهمة جدًا لفهم المراحل الأولى من عمر الثورة التونسية وفهم الأوضاع والسياقات التاريخية التي سبقت أحداث 26 يناير 1978. تحكي عن قصة لقاء ثلاثة أصدقاء جمعتهم الدراسة ثم أحلام الثورة ضد المحتل، بعد 10 سنوات من الفراق، ليسردوا لنا عن حياتهم وعن الأحداث التي عاشها الوطن وتراجع أحلام الثورة التي جمعتهم أمام الحالة الاجتماعية المتردية التي تعيشها البلاد، وعن حالة الكآبة التي تصاحبهم بعدما حادت الثورة عن الأهداف التي قامت من أجلها.

ويعتبر محمد الصالح الجابري، من الكتاب الأوائل ما بعد الاستقلال، وأغلب مؤلفاته كانت عن تاريخ تونس قبل وبعد الاستقلال. ولم يكن فقط روائيًا بل كتب أيضًا مسرحيات ودراسات وأبحاث خصوصًا في الشعر والأدب التونسي.

اقرأ أيضًا:

رواية اجتماعية للكاتب التونسي محمد العروسي المطوي، تدور أحداثها أثناء الاستعمار الفرنسي في الجنوب التونسي. تروي القصة محاولة ثلة من الشباب مقاومة الاحتلال الفرنسي عبر محاربة تفشي مشكلة الإدمان على “التكروري” وهو نوع من المخدرات سمح الاستعمار بالمتاجرة به وزراعته.

تصف رواية التوت المر واقع المجتمع التونسي من خلال عائلتين، الأولى عائلة هربت من ليبيا بسبب الاحتلال الإيطالي، والعائلة الثانية من سكان القرية تربطها علاقة جيدة مع العائلة الأولى رغم التفاوت الاقتصادي. وتتعقد الأحداث عندما يتعاطى “عبد الله” ابن العائلة الثانية المخدرات وتأثيرها الكارثي على حياة العائلتين.

بلغتها البسيطة، ناقشت الكثير من القضايا الاجتماعية كمعاناة البحث عن لقمة العيش والفقر والبؤس والنضال ضد المخدرات والبحث عن الأمن والاستقرار. والمميز في هذه الرواية هو تواجد المرأة المحوري، فرغم بساطة تعليمها إلا أنها تميزت بشخصيتها القوية.

الرواية قصة ملحمية، وظف فيها الكاتب عنفوان وطاقة الشباب المجازف والمليء بالإصرار، في البحث عن جذور المشكلة والتعامل معها، في قرية يسودها البساطة في الحياة اليومية.

تعتبر رواية لعبة النسيان باكورة أعمال محمد برادة الروائية، صدرت سنة 1987، وهي من أهم روايات أدب المغرب العربي التي وصلت للعالمية وتمثل وسيلة سردية للتعرف على الثقافة المغربية، فهي تعرض أوضاع المجتمع المغربي في أواخر فترة الاستعمار وبداية الاستقلال، وما تلاها، كالتفاوت الاجتماعي الصارخ بين فئات المجتمع المغربي، وذلك من خلال رصد حياة ثلاثة أجيال داخل العائلة الواحدة، حياة عائلة “للا الغالية”.

لعبة النسيان هي محاولة بطل الرواية “الهادي”، مواجهة النسيان عبر سرده لذكرياته وخصوصًا للحظتين مركزيتين في حياته، الأولى موت والدته والثانية سفره إلى فرنسا. حاول الكاتب فيها استرجاع الذكريات، فعندما تنبثق بعض اللحظات من منطقة النسيان، تبدأ ديناميكية التذكر ويبدأ الخيال في تشخيص كل ذكرياتنا.

تتميز الرواية بلغتها الجميلة، وثورتها على القوالب الروائية التقليدية، واستخدام تقنية الرواية متعددة الأصوات وحسها النقدي الذي يحاول إخضاعها للتشريح والتحليل، وكذا قطيعتها مع القضايا المغرقة في الحماسة الوطنية والتشبث بالهوية، وذلك عبر استعراض المتناقضات التي يعيشها الراوي، كالقبضة الحديدية للسلطات الحاكمة والظلم وانعدام العدالة الاجتماعية وترداد الشعارات السياسية الجوفاء، وتغلغل السلطة ونماء جبروتها على حساب حقوق الشعب.

واحدة من أشهر الروايات الموريتانية بل من أهم روايات أدب المغرب العربي، صدرت في عام 1982، ويعد أحمد بن عبد القادر من مؤسسي الرواية الموريتانية.

رواية القبر المجهول هي رواية رمزية عن العلاقة الوطيدة بين المجتمع القديم، والمجتمع المدني بالعاصمة نواكشوط في نهاية الثمانينات من القرن العشرين. هي كشّاف على الحياة الموريتانية القديمة في أغلب عناصرها من خلال حكايته عن صراعات كل فئة من فئات المجتمع وإبراز أسوأ ما في هذا المجتمع آنذاك. إنها تحكي عن أرض فوضوية يأكل القوي فيها الضعيف وتسن فيها قوانين لا ترحم إلا ذا البأس الشديد، وحتى هم يتناحرون بينهم كالوحوش في حروب لا تنتهي، لتفاجئك في النهاية بحبكة مذهلة تخلط الأوراق وتظهر مدى معرفة الكاتب الكبيرة بتاريخ بلده وبتطور مجتمعه.

تمكن الكاتب في وصف التفاصيل بدقة متناهية، وعرضه للتراث الحساني وتاريخ بلاده المليء بالآمال والآلام، بأسلوب يتماوج مع السراب والرمل، وسط صحراء تلهو فيها العواصف والبشر.

رواية مدينة الرياح للكاتب الموريتاني موسى ولد إبنو، نشرت عام 1996. الرواية رحلة في الزمان والمكان، تأخذنا إلى أماكن جديدة بالنسبة إلينا لم نسمع عنها سابقًا، من خلال حياة طفل يقع في أسر العبودية، ليمقت الظلم الإنساني والجنس البشري، لكنه يظل مؤمنا بالوجه الآخر من الصورة، مؤمنًا بالتمرد والثورة، حتى إن لم تؤتِ ثمارها وتكتمل، فرغم الظلم المستمر والقوي فإن الثورة ستبقى مستمرة مهما كانت وسائلها ضعيفة.

يسرد الراوي وقائع حياته وأفكاره وتنقلاته عبر المكان والزمان، من العصور المظلمة، عصور استعباد الإنسان، إلى عصر النهضة الأوروبية عندما تمكن الإنسان من تطوير إمكانياته والسيطرة على بقية الجنس البشري، لينتقل بنا إلى مستقبل البشرية عندما تصبح الأرض مجرد سلة قمامة نووية كبيرة لبقية كواكب المجموعة الشمسية.

تَنقل الراوي عبر مسارين زمنين، الأول يرى أن التاريخ لا يتغير ويعيد نفسه، فالبطل خلال تنقله من عصر لآخر يجد أنه لا شيء تغير في طبيعة البشر، وبالتالي عدم وجود الأمل في البشرية، أما المسار الثاني، ففكرته تستند إلى أن التاريخ يمشي إلى الأمام في خط مستقيم، وليس بالضرورة نحو الأفضل، فالبطل يكتشف أن الإنسان يُطور وسائل الشر بشكل يفوق الخيال.

براعة الروائي في وصف الصحراء وعلاقتها بأبطال الرواية، واستعماله أساليب عدة في لغته السردية، والغوص في كل تفصيل داخل الرواية، جعلت لغة الرواية كلغة فلسفية وأقرب إلى التصوف، تجعلك تبتعد عن الواقع وتأسرك داخل حدود الصحراء ورغبة الإنسان في الخلوة والسلام.

كانت هذه جولة سريعة مع أهم روايات أدب المغرب العربي التي وصلت للعالمية.. فهل قرأت أيًا منها؟

نرشح لك قراءة: