خزعبلات كتب التنمية البشرية: وجهان لعملة واحدة غرضها البيع ليس إلا

“نحتاج لسماع رسالة جديدة، وهي: أنت بخير، الأمر على ما يرام، من الطبيعي أن تفشل ولا بأس أن تكون عاديًا”.. ينهي بهذه الكلمات آلان دو بوتون الكاتب الشهير كلامه عن نوعية الحياة التي نعيشها الآن بسبب بعض الأفكار التي تم زرعها في عقول البشر حول النجاح وتحقيق الثورة، ومنها بالطبع ما جاء نتيجة أوهام كتب التنمية البشرية وتطوير الذات.

ليؤكد آلان دو بوتون على أن هذا النمط الجنوني الذي يجعل من الإنسان مجرد مسابق للزمن والإمكانيات لتحقيق نمط حياة بنسبة 99% لن يستطيع تحقيقه، ما هو إلا مجرد دافع قوي ومستمر للانتحار بسبب إحساس الفشل الدائم الذي سيلازمك إذا اقتنعت أن الحياة العادية غير كافية.

ملخص ما يقوله آلان دو بوتون في حواره هو أنه إذا كانت كل وسائل الإعلام -وبالأخص الكتب- بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي تدفعك دفعًا لتحقيق الثراء وجني مليون دولار في عشية يوم ما، فإنه وبالتأكيد ستكون كتب “الثقة في النفس” هي التالية في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا، كما سيكون المحاضرات التي تحمل عنوان “كيف تثق في نفسك” أو “كيف تحب نفسك كما هي” التي تكلفتها 50 دولارًا على الأقل هي الأكثر شهرة على مواقع التواصل الاجتماعي وبين مدعيّ ما يعرف بالـ “لايف كوتشينج”.

وأما عن مجتمعنا العربي، فما أكثر الكتب التي تحتوي على سطور وسطور من: (هيا! يمكنك تحقيق المستحيل! لا تكن كسولًا هكذا، فيمكنك تولي منصب رئيس مجلس إدارة مايكروسوفت في يومين من العمل الشاق!) أو حتى جملة: (حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب).

والحقيقة أن كل هذا الهراء من أوهام كتب التنمية البشرية وتطوير الذات لا يراعي مبدأ مهمًا وأوليًا في علم النفس -إن كان يهتمون لأمر هذا العلم حقًا- وهي الفروق الفردية بين الأفراد، والفروق الفردية بين النوعين، بل والفروق الفردية بين التوائم المتماثلة التي في كثير من الأحيان لا ينطبق عليهم نفس القانون.

وهنا سنقوم بعرض قائمة من بعض الكتب التي تستعمل نفس المبدأ، نرجو عزيزي القارئ إن كنت بصدد قراءة أي منهم أن تستخدم العقل النقدي في كل كبيرة وصغيرة، وتذكر دومًا أنك رائع كما أنت، ولا تحتاج أن تكون بطلًا خارقًا، حتى ترضى عن نفسك!

اقرأ أيضًا:

كتاب Cash flow Quadrant: Guide to Financial Freedom والمترجم إلى العربية بعنوان النموذج الرباعي للتدفقات النقدية لمؤلفه روبرت تي-كيوساكي، يتحدث به عن تجربة في الثراء والتحول من مجرد شخص يعيش في سيارته إلى واحد من أكبر المستثمرين.

الجدير بالذكر أن الكاتب له عدد من الكتب تتمحور حول الاستثمار وأهميته في تحقيق الثراء الفاحش السريع، سواء هذا الاستثمار في العقارات أو غيرها من الأسواق التي كانت رائجة في وقت ما في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن أهم هذه الكتب هو كتاب الأب الغني والأب الفقير، الذي يوضح به الفرق بيه أربعة من الناس من بينهم الموظف العادي الذي سيظل فقيرًا مهما عمل بجد واجتهاد، ولا حاجة لتوضيح أخطار زرع أفكار مثل تلك في عقول الناس والأخص الشباب منهم ليتحولوا بعدها إلى ناقمين بشكل تام على حياتهم.

كتاب The Rules of Wealth: A Personal Code for Prosperity لمؤلفه ريتشارد تمبلر والمترجم بعنوان قواعد الثراء، يحدد قواعد معينة لجني المال والمحافظة عليه، ومنها القاعدة العاشرة المذكورة آنفًا، وهي عبارة عن كلام مبهم مطاط يمكن تطبيقه على أي شيء وأي شخص.

الجدير بالذكر أن نفس الكاتب لديه سلسلة من الكتب بعنوان القواعد؛ للناس، العمل، العلاقات، تخطي العلاقات وأخيرًا الثورة. هذا وكأن الناس جميعًا عبارة عن قالب واحد يمكن تطبيق قاعدة واحدة عليهم، والأكثر غرابة أن هذه القواعد التي تخص كل جوانب الحياة موجودة عند شخص واحد!

اقرأ أيضًا:

كتاب الثقة والاعتزاز بالنفس من قبل إبراهيم الفقي، رائد التنمية البشرية في مصر. وكعادة كتب التنمية البشرية بشكل عام، وكتب الفقي بشكل خاص، تجد نفسك أمام نفس المواضيع المكررة التي تحمل أسماء مختلفة، بالإضافة إلى أسلوب لغوي يجعلك ترغب بشنق نفسك بالأموال التي دفعتها في هذه الكتب.

وأخيرًا أمثلة من دول أوروبية عن شخص نجح في تعزيز ثقته بنفسه من خلال قراءاته حول مدى أهمية الشعور بقوته!

“أنت كما ترى نفسك” هو عنوان فصل في الكتاب، في العادة، ولدى مرضى الاكتئاب مثلًا، يكون مستوى تقدير الذات متدني جدًا، بسبب كل الأفكار السوداوية عن النفس والحياة التي تصاحب الاكتئاب، ويتحكم بها بشكل كبير حركة الهرمونات في الجسم.

بناء على هذه الحقيقة العلمية، كيف ستساعد جملة سطحية مثل تلك أي شخص مريض بالاكتئاب على تحسين صورته عن نفسه، إن لم تؤد إلى تأكيدها أكثر؟!

يأتي كتاب Instant Confidence – الثقة الفورية من قبل بول ماكينا، الذي مبدئيًا يعرف نفسه على أنه “منوم مغناطيسي” نحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وهناك شخص عاقل يعتقد في تكنيك التنويم المغناطيسي، الذي ابتدعه فرويد في أوائل القرن العشرين وتخلى عنه بعد فترة وجيزة؛ بسبب عدم جدوته وافتقاره لأساليب المنهج العلمي.

في كتاب الثقة الفورية يقدم ماكينا بعضًا من التمرينات التي تساعدك على الثقة بالنفس، من نوعية تواصل مع نفسك وتحاور مع الجزء الذي يرفض الثقة بالنفس بداخلك، وتحاور معه وكأنه شخص منفصل عنك، وهكذا -وحسب تعليمات ماكينا- ستتحول كل طاقة كره الذات بداخلك إلى جبال حلوى التوت الشهية.

اقرأ أيضًا: 

إذا كنت تعاني من الفشل في تجميع ثورة طائلة في غضون ست ساعات، وتعاني بالتابعية من ضعف الثقة بالنفس، فإنك بالتأكيد تعاني من فشل مستمر في العلاقات العاطفية.

وهنا، وهنا فقط، يأتي دور مجموعة أخرى من الكتاب؛ ليبدأوا في إعطاءك النصائح الذهبية لتكون الحبيب المثالي الذي يفهم الطرف الآخر بشكل كامل، ويتقبل كل عيوبه قبل مميزاته، وهو في الواقع أمر مستحيل الحدوث. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

يمكنك أن تجد بالتفصيل هنا مقالًا عن أعمال د. محمد طه ولما يجب التعامل معها ومع أفكارها بشكل حذر، ولكن بشكل عام يحاول الدكتور طه في كتبه إعطاء الفرد، وبالأخص هؤلاء الذين في علاقات عاطفية، نصائح حول حدود الذات وحدود الآخرين وكيف علينا أن نتصرف إزاء المستغلين نفسيًا، الذي يعد كلامًا نظريًا رائعًا، ولكن لا يمكن بأي شكل تعميمه على كل العلاقات التي لها خصوصية فردية.

في النهاية، يجب أن نؤكد أننا لسنا ضد كتب التنمية البشرية بأكملها، ولا نحجر على قراءتها، ولكننا بالتأكيد أحببنا توضيح أن القوانين العامة التي تنصها هذه الكتب ليست قوانين إلهية يجب أن تعمم على جميع الناس، وإن لم تنجح مع شخص ما يصاب بالإحباط ويعد نفسه فاشلًا، الحقيقة أن كل فرد مختلف بذاته ومتفرد بشكل رائع ويجب عليه أن يعي هذه الحقيقة، حتى لو كان تفرده هذا في كونه شخصًا “عاديًا” وسعيدًا ومتأقلمًا مع ذلك.