ماذا لو كنت أنت السيء في روايات الجميع وأدركت أنك من الشخصيات السامة، كيف تتصرف؟
“سامح نفسك”، الحقيقة أن هاتان الكلمتان هما بالتحديد آخر الكلمات التي يجب ذكرها في هذا المقال، هي الخطوة الأخيرة بعد الكثير من المناقشات والحجج والخطوات التي نحن بصدد عرضها هنا ولكنها الأهم، للحد الذي يجعلني استهل بها كلامي لاعتقادي الراسخ أنك لو كنت شخصًا سيئًا وقررت قراءة هذا المقال، فهذه النصيحة هي الأهم لك. لأنه في العادة وغالبًا لا يرى الشخص السيء نفسه سيئًا، لذلك في البداية دعنا نحدد إطار لـ “الشخص السيء“.
اقرأ أيضًا: سمٌ بلا عسل: هل يستلزم الحب أن نتقبَّل أذى الآخر؟
ماذا يعني أن تكون الشخص السيء في رواية أحدهم؟
شخص سام- toxic person هو مصطلح كثُر استخدامه على مواقع التواصل الإجتماعي مؤخرًا سواء بقصد الجد أو الهزل، وببساطة يمكن تعريف الشخص السام بشكلٍ عام على أنه “شخص يجلب الصراع والضغط النفسي لحياتك” أيا كان الشكل الذي يقوم من خلاله بإضافة الحزن والقلق لك، فإذا كنت في علاقة عاطفية مع شخص ما وكل ما يقوم به هو الضغط وإظهار عيوبك وإلقائها في وجهك في كل مناقشة فهذا شخص سام. وإن كانت صديقتك لا تعترف بأخطائها وتقوم بأسلوب الهجوم المضاد “قلب الترابيزة” مما يجعل الخلافات معها ثقيلة فهي شخص سام. حتى علاقاتك الأسرية، إذا كان أحد الوالدين يضغط عليك عاطفيًّا ولا يعترف بحدودك النفسية فمع شديد الأسف هذا الوالد هو شخص سام.
“ربما أنت السيء في رواية أحدهم“
ولكن أن تكون أنت الشخص السام في علاقاتك في الأغلب أمر لن تدركه من نفسك، ولن تقتنع به إذا واجهك به الطرف الآخر، وحتى لو انتهت العلاقة سيقوم عقلك بشكلٍ تلقائي بتبرير الأمر وإلقاء اللوم على أي فرد آخر أو الظروف الخارجية، المهم أن الشخص السام لن يرى نفسه سببًا لأي من المشاكل.
يرجع ذلك إلى العديد من الصدمات النفسية- Traumas من مرحلة الطفولة وما بعدها والتي لم يتم حلها بشكل سليم، كأن يربى الشخص على الحب المشروط أو الابتزاز العاطفي أو الحرمان العاطفي من الحب والأفعال الجسدية التي تعبر عنه مثل الأحضان، هذا بالإضافة إلى انعدام الأمن- Insecurities تجاه بعض الصفات عند الشخص السام مثل الجسدية والشخصية والأمور المتعلقة بالخوف من الفقد وإلى آخره من العقد النفسية.
المهم أن كل تلك العوامل تجعل الشخص السام في أغلب علاقاته يقوم بأذية الطرف الآخر وهو لا يعلم تقريبًا، ويرفض أن يعلم في واقع الأمر، وكأنه محتوم بكل تجاربه في الحياة وما مر به من خبرات صادمة وبناء عليه يقوم بالأفعال التي تؤذي الآخرين فقط لتهدئة الصراعات الداخلية في نفسه.
هل هناك سيناريو آخر غير الأذى؟
تذهب المدرسة الإنسانية، التي هي في الأصل محاولة للتوفيق بين المدرسة السلوكية التي تتعامل مع الإنسان على أنه آلة والتحليل النفسي الذي يتعامل مع الإنسان على أنه مسلوب الإرادة أمام غرائزه، أن الإنسان يوجد بداخلة معانٍ سامية للسلوك الإنساني السوي، وبناء على هذه الأصوات الداخلية يشعر الإنسان دائمًا أن عليه أن يكون شخصًا أفضل.
وعن رأيهم في الشخصيات السامة يرون أنه كالعادة هناك دائمًا أمل في الخير الإنساني، وليس على الشخص إلا أن يسمع لصوت ضميره مع الحصول على بعض المساعدة المتخصصة إذا لزم الأمر، وعليه فإن الشخص السام يمكن أن يتحول لشخص سوي إذا استبصر في البداية بالأزمة التي يواجهها ونمط شخصيته، ويستمر في البحث بداخله وكلما خدش طبقة من الأسباب والسمات والصدمات التي تجعله يعامل الناس بهذه الطريقة سيواجه طبقة أخرى أعمق وأكثف. وفي النهاية، سيكون قد توصل لمرحلة الاستبصار التي ستمكنه من الاعتراف لنفسه أنه شخص سيء قام بإيذاء الآخرين ومن ثم يبدأ في التساؤل “وماذا بعد؟”
ما شكل الحياة بعد الاستبصار؟
بعد أن يرى الإنسان- ولو للحظة واحدة فقط- أنه شخص مؤذٍ يكون أمام مفترق طرق هو الأصعب تقريبًا.
الطريق الأول هو كره الذات الشديد، فالعقل بارعفي أن يجمع للإنسان في لحظة واحدة كل مساوئه
وأخطائه التي ارتكبها في حق الآخرين. والحقيقة أن كره الذات نفسه لن يكون مفيدًا للطرف الآخر، فالأمر أشبه بكرة الثلج، فكلما كره الفرد ذاته، كلما كان عنيفًا حادًا مع الآخرين كشكل من أنواع الآليات الدفاعية حتى لا يكتشف أحد هذا الكم من الكره الذاتي لدى الشخص، وكان مؤذيًا للآخرين أكثر. وهكذا دواليك في دائرة مفرغة من الأذى الذاتي والخارجي.
أو الطريق الثاني وهو أن يتعامل مع هذه الحقيقة على أنها جزء من شخصيته وقرارته في فترة سابقة من حياته، وعليه يقوم ببعض الأشياء التي بالتأكيد لن تمحي الضرر الواقع على الطرف الآخر بشكل كامل، ولكنها على الأقل محاولة. نستعرض بعضًا من هذه الأساليب فيما يلي:
أولًا: اجعلها “أنا” وليس “أنت”
إذا أدركت في أيا من علاقاتك الحالية أنك تشكل نمط الشخص السام في هذه العلاقة وأنت مهتم بأمر هذه العلاقة وتريد إصلاح الأمور، نصيحة اشرع في استخدام الجمل التي تبدأ بـ “أنا” وليس “أنت”. فمن المهم أن تتحمل نتائج أخطائك وتتوقف عن إلقاء اللوم على أشياء خارجية، فليكن عدوك داخلي.
بدلًا من استخدام جملة “أنت من جعلت الأمور تصل لهذا الحد” جرب “أنا اعتذر حقًّا عما بدر مني، هل تريد النقاش في أسباب ما حدث؟”، أو بدلًا من جمل من نوعية “لا تكن درامي لهذا الحد” استخدم “أنا أحاول تفهم وجهة نظرك، دعني أشرح أسبابي” وفي الحقيقة هذه الجملة تأخذنا لـ ثانيا
ثانيًا: أعطِ فرصة لنفسك أن تختبر مشاعر الآخرين
هناك تعبير شائع بالإنجليزية وهو “put yourself in somebody’s shoes” ويقابله بالعامية المصرية “حط نفسك مكان اللي قدامك”. وتطبيق هذا المبدأ على كلامك أمر مرشح للغاية، فقبل إطلاق جمل وإلقاءها في وجه الآخرين أو القيام بتصرف ما جرب أن تضع نفسك في مكان الشخص الآخر وتخيل كم سيؤثر عليه هذا الأمر، ما هو شعورك إن حدث معك نفس الشيء، مع الوضع في الاعتبار أن ما قد يمر عليك بسهولة قد يستغرق من شخص آخر العمر كله حتى يتعافى منه. فعندما تضع نفسك مكان الآخر ضع نفسك بقوانينه هو وليس قوانينك أنت.
ثالثًا: اعتذر أيا كانت النتيجة
الاعتذار عما بدر منك، هو أول طريق التعافي للطرفين، لذلك عليك أن تعتذر لجميع الأفراد الذين توصلت في رحلة بحثك الداخلية إلى أنك قد تكون تسببت في أذيتهم. اعتذر أيا كانت النتيجة، إن سامحوك فإنه شيء رائع، وإن لم يكونوا قادرين على ذلك تذكر دائمًا أن الأفراد يتعاملون مع الألم بشكل مختلف وهذه هي طريقة تعاملهم مع ألمهم الذي تسببت به وما عليك إلا المضي في طريقك متمنيًّا لهم أن يجدوا السلام بشكل أو بآخر.
رابعًا: احصل على استشارة طبية
دائمًا وأبدًا، النصيحة الأبدية، لا تخجل من الحصول على المساعدة الطبية ولا تردد في ذلك أبدًا، العلاج النفسي ليس بالأمر المهين، ولا يحرّمه أي دين أو مجتمع. كل البشر بحاجة لمساعدة طبية إذا استعصى عليهم الأمر في حل مشاكلهم بمفردهم، بل إن زيارتك لطبيب نفسي تجعل منك بالفعل شخصًا أفضل يحاول التغير. وأعتقد أن نفسك وعلاقاتك الاجتماعية تستحق منك المحاولة في سبيلهما.
رابعًا: سامح نفسي ثم سامح نفسك ثم سامح نفسك
يعتقد الأفراد بشكلٍ لا شعوري أن الشعور الدائم بالذنب هو نوع من أنواع التكفير عن أخطائهم وحق للآخرين عليهم، وهذا اعتقاد خاطئ ووسيلة من الذات لتعذيب نفسها ليس إلا. بل في الواقع وبغض النظر عن الأذى الشخصي، إحساسك الدائم بالذنب يجعلك تكون صورة عن نفسك أنك شخص سيء وبناء عليه تتصرف في المواقف المقبلة، فيحدث أكثر الأشياء التي لا ترغب في حدوثها وهو أذية أشخاص آخرين. وأخيرًا، حاول تطبيق هذا المبدأ من زمالة المدمنين المجهولين وهو ما يسمى بدعاء السكينة:
‘اللهم امنحني السكينة لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها، والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها والحكمة لمعرفة الفرق بينهما”
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.