تريند 🔥

📱هواتف

إذا كان البكاء البشري دليلًا على الحزن، فهل الحيوانات تبكي لنفس السبب؟

إذا كان البكاء البشري دليلًا على الحزن، فهل الحيوانات تبكي لنفس السبب؟
صالح محمد
صالح محمد

6 د

قد يكون السؤال غريبًا للبعض: نحن نبكي لأننا نشعر بالحزن! لمَ نحتاج أن نقرأ مقالًا حيال هذا؟ وفي الواقع، إن البكاء عندنا نحن بني البشر، نُعده واحدًا من أغرب السلوكيات التي يمارسها البشر إذ قارناهم بالقطط والكلاب أو بجميع الرئيسات، التي تبكي لأهدافٍ معينة تخص صحة العين، ولا نطلق عليها (بكاءً) في أغلب الأحيان. ولكن أيًا كان، فإننا نحن الوحيدون الذين ترتبط عندهم المشاعر العصبية بذرف الدموع من العينين.

  • ملحوظة: جميع حقوق الصورة البارزة محفوظة للفنان – All credits of the main picture are reserved for the artist.

لماذا البكاء سمة بشرية معهودة؟

يجادل راندوف ر. كورنيليوس، عالم النفس، في كتابه علم المشاعر: البحث والتحدر في علم نفس المشاعر The Science of Emotion: Research and Tradition in the Psychology of Emotion. بأن بداية ظهور عمليات البكاء عند البشر حدثت عند أحد أسلافنا من خلال طفرة جينية ربطت بين المشاعر (الأعصاب) والغدد الدمعية – Lacrimal gland وبذلك ارتبطت المشاعر العميقة سواء كانت حزنًا أو فرحًا، بالرغبة في البكاء. ككل الطفرات الجينية، حدثت طفرة البكاء بالخطأ، ولكن استمرارها منذ ذلك السلف حتى يومنا هذا يعني أن الانتقاء الطبيعي استفاد منها في تعزيز بقاء أسلافنا، فكيف هذا؟


البكاء - راندوف ر. كورنيليوس

راندوف ر. كورنيليوس

يبدأ البكاء عند البشر في مرحلة الطفولة، ويكون هو وسيلة السلوك الأبسط والأكثر تداولًا عند الأطفال، وهو الوسيلة التي تترجم إليها جميع مشاعرهم وحاجتهم أيضًا. عند وصول الفرد لمرحلة البلوغ تصبح المشاعر أكثر تعقيدًا وكذلك الدموع تتفرع لثلاثة أنواع، الدموع العاطفية – Emotional tears والدموع القاعدية – Basal tears والدموع الانعكاسية – Reflex tears.

الدموع القاعدية والانعكاسية تقومان بوظيفة الدموع المشهورة عند جميع الرئيسات، الأولى تنظف العين من وقتٍ لآخر، أما الثانية فهي تعمل على تنظيف العين في حالات إصابتها بشوائب خارجية، أما الدموع العاطفية فهي تميز نوعنا البشري دون غيرنا، وتتميز كذلك عن باقي أنواع الدموع. كما وجد عالم الكيمياء الحيوية ويليام فراي، فهي تحتوي على 20% إلى 25% من البروتين، ولديها أربعة أضعاف كمية البوتاسيوم التي تتواجد عادة في الدموع الانعكاسية، بالإضافة إلى ضعف تركيز المنجنيز الذي تنتجه الغدة الكظرية، وتحتوي على العديد من الهورمونات كهرمون البرولاكتين (المسؤول عن إفرازات الحليب عند النساء).

وقد تبدو هذه النسب مجرد أرقام لك حتى تعلم أن المكتئبين تحتوي أجسادهم على نسب مرتفعة من البوتاسيوم والمنجنيز أكثر من الأشخاص العاديين[إذًا فمفهوم البكاء مرتبط بالقدرة على التغلب على الاكتئاب، كأنه يخلص الجسم من المنجنيز المرتبط بالإكتئاب] كما أن النساء، والتي تحتوي أجسادهم على نسب مرتفعة من البرولاكتين، يكونون أكثر عرضة للبكاء من الرجال بأربعة مرات، وكأنها محاولاتٍ للجسم للتخلص من البرولاكتين (والذي ترتبط ارتفاع نسبة زيادته بالدم بـ سرطان الثدي).

حتى ستينيات القرن الماضي، كان الشائع لدى الباحثين أننا نبكي بسبب شعورنا بالألم، وليس لأننا نسعى للحصول على الراحة. حاول جيمس جروس، عالم النفس، أن يقدم في الجهة المقابلة أدلة على أنه بالرغم من أن البكاء قد يكون مزعجًا ومؤلمًا، إلا أن نتائجه في النهاية تساعد في الحصول على الراحة. بالرغم من أن نتائج جروس لم تكن قاطعة تمامًا، إلا أنها لفتت نظر الكثير من العلماء نحو إمكانية تفسير التطور كآلية مفيدة للجسم ساعدتنا على البقاء ولم تكن مجرد طفرة ضارة..

ماذا عن أسلافنا إذًا؟ كيف كانت الراحة التي تأتي لهم من انعدام الرؤية بسبب الدموع، وكذلك زيادة الاضطراب عندما تأتي الدموع في موقف عصيب، مفيدة لهم؟ يمكننا أن نفسر ذلك مبدئيًا بنوع التواصل المعقد الذي توصل له البشر دون العديد من الأنواع، لا تتواصل الأنواع الأخرى فيما بينها كما نفعل نحن، نشأت عندنا نوع من الضريبة على هذا التواصل وهي ضريبة الصدق، وهكذا تنشأ المشاعر المعقدة عندنا، وبالتالي فإن الدموع قد تكون جزءًا من هذه الضريبة نحو توثيق الشعور، سواء بالحزن أو الفرح.

في عام 1975، قدم العالم الإسرائيلي أموتز زهافي، نظرية مبدأ الإعاقة handicap principle يحاول أن يفسر فيها السلوكيات التي تتخذها الحيوانات والتي قد تبدوا لنا سلوكيات ضارة، يوضح أنها قد تكون مفيدة بشكل ما أو بآخر. على سبيل المثال: الغزال الذي يرصده أسدٌ أو فهد، قد نكون شاهدنا رد فعل الغزال هذا في الأفلام كثيرًا، غالبًا ما يتوقف الغزال مكانه ثابتًا فقط ينظر إلى الفهد قبل أن ينقض عليه. لماذا وما شأن البكاء يا أعزائي؟


البكاء - العالم الإسرائيلي أموتز زهافي

العالم الإسرائيلي أموتز زهافي

كان من الممكن أن يستغل الغزال هذه الثواني المعدودة في القفز بعيدًا وبالتالي رفع فرصته في الهرب والبقاء، ولكنه يفضل أن يظل واقفًا معكوفًا في مكانه، وقد يبدو لنا هذا في الوهلة الأولى كسلوك ضار، إلا أن زهافي لاحظ أن هذا السلوك يقلل من فرصة افتراس الغزال: عندما يقوم الغزال بهذه الوقفة فهو يمنح المفترس وقتًا في التفكير، في حساب المسافة وكذلك في حساب طاقته التي سيستهلكها في مطاردة غزالٍ قوي يستطيع القفز والهرب بعيدًا، وهو على يقينٍ من ذلك لدرجة أنه ينظر إلى بلا خوف!

يمكننا أن نفسر الدموع، التي تمنعنا من الرؤية، في ضوء نظرية زهافي اجتماعيًا كما ذكرنا، يحتاج الفرد في المجتمعات البشرية ذات الرسائل المعقدة لرسائل يصعب تزويرها، تكشف الدموع (لخصمنا أو لرفيقنا) أننا أصبحنا أكثر ضعفًا ونحتاج لمساعدة أكثر.

يمكننا أن نؤكد نظرية زهافي بالبحث الذي أجراه عالم النفس راندلوف كورنيليوس وطلابه والذي يعد أحد أكثر الأبحاث إثارة حول البكاء، قام الفريق البحثي بتجميع ملفات الفيديو والصور الأرشيفية لبشر تعساء في السجلات الإخبارية منذ عام 2000 من جميع أنحاء العالم، ثم قاموا بتعديلها بحيث يصنعون نسختين، الأولى النسخة الأرشيفية والتي غالبًا ما تحتوي على الدموع، والأخرى النسخة المعدلة لنفس الشخص وهو يبكي، ولكن قد تم مسح الدموع منه رقميًا.

ثم قام الباحثون بعرض الصور على المشاركين دون تكرار نفس الصورة، وأشارت النتائج أن الصور التي كانت تحتوي على دموع، أثارت تعاطف المشاركين في التجربة أكثر من نفس الصور التي مُسحت عنها الدموع رقميًا (رغم بقاء تعبيرات الوجه الحزينة الأخرى) أي أن الدموع رفعت من توثيق شعور المشاركين بالحزن الذي كان على أوجه الناس.

يمكننا أخيرًا أن نلخص سبب البكاء عندنا في التالي: يخلصنا من العديد من المواد الكيميائية الضارة، يزيد صلتنا الاجتماعية بمن حولنا حسب نظرية زهافي ويوثق مشاعرنا، بالإضافة إلى ذلك يؤدي وظيفته البيولوجية كتليين العين وحمايتها من الشوائب الضارة في الهواء.

لكن ماذا عن الحيوانات الأخرى؟ ألم ترَ صورة القطة الحزينة من قبل؟!


لماذا تبكي القطط والكلاب؟

البكاء - القطة الباكية - ميم القطة

يشترك بكاء القطط مع بكاء البشر في هدف من أصل اثنين، وهو الهدف البيولوجي دون الهدف العاطفي. تخرج القطط في دموعها نوع من الإفرازات يُعرف بيطريًا باسم إفرازات العين – Epiphora (يُعرف طبيًا باسم الدُماع ويعد حالة مرضية عند البشر). عادة ما تُنشئ العين طبقة رقيقة من الدموع لتليينها وعند أغلب الرئيسيات تُصرف السوائل الزائدة في القنوات الأنفية الدمعية Nasolacrimal بجوار العين(وهذا هو السبب وراء سيلان أنوفنا نحن البشر عند البكاء فنحن نستخدم آلية مشابهة).

ذو صلة

يحدث تفريغ هذه السوائل الدمعية عند القطط من حينٍ لآخر، ولكننا لا نلحظه على شكل بكاء إلا في حالة انسداد تلك القنوات الأنفية، عندئذ تخرج السوائل الدمعية للقطط كلها عبر العين، تسبب في هذه الحالة عدوات بكتيرية تحدث للقطط. في حال ملاحظتك لدموع غزيرة لقطك يجب عليك زيارة البيطري بأسرع وقت، عادةً ما يتم العلاج بتخدير القط وإدخال أداة لتنظيف تلك القنوات وفتحها، وفي حالاتٍ صعبة قد يحتاج القط للعلاج الجراحي.

على الرغم من أن مشاعر الكلاب أكثر تعقيدًا من القطط، حيث تحتاج الكلاب لتمشية لإرضاء غريزة البحث والصيد عندها كما تستجيب لعمليات رمي العصى وإعادتها لإشباع غريزة الصيد والحصول على المكافأة البيولوجية، إلا أن آلية البكاء عندها لا تختلف عن القطط في شيء، تحدث بنفس الطريقة، وتعالج بنفس الأداة.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة