الانفجار العظيم .. هل هو حقيقة فعلية أم مجرد خيالات في أدمغة العلماء؟
7 د
لطالما كان فضول الإنسان في معرفة أصل الأشياء من حوله، وخياله الجامح في تفسير تلك الأمور التي يصعب تفسيرها بالمنطق، هو المحرك الأكثر دفعًا لنا نحن البشر نحو المعرفة والتطور واكتشاف الكثير من الأمور الرائعة التي تحيط بنا، واكتشاف أصل الكون من أكثر الأسئلة المُلحة في أذهان العلماء الذين ينظرون كثيرًا إلى السماء، حتى جاءت نظرية الانفجار العظيم كأحد أشهر النظريات المفسرة لتلك الظاهرة وتحول بعدها السؤال من كيف نشأ الكون؟ إلى هل تعد نظرية الانفجار العظيم صحيحة أم لا؟ في هذا المقال عن الـ Big Bang، سوف نتعرف معًا على قصة إحدى أشهر النظريات في العالم وأكثرها إثارةً للجدل.
الكون من حولنا في تمدد واتساع حتى هذه اللحظة
تُبنى نظريات نشأة الكون باختلافها، على أن الكون كان كتلة صغيرة جدًا في حجم أصغر من الذرة، وذات كثافة هائلة لا يمكننا تصورها، ثم ومع كثير من الحرارة والضغط تمددت هذه الكتلة سريعًا جدًا حتى نشأ الكون كما نعرفه اليوم، وليست الأشياء التي نراها بأعيننا المجردة هي التي تتمدد ولا الكواكب أو النجوم، بل إن الفضاء والفراغ الذي بداخله هو الذي يأخذ في الاتساع تدريجيًا.
والمجرات هي أيضًا ثابتة في أماكنها ولا تتسع، فهي كالدوائر الحمراء التي يرسمها أحدهم على خريطة لتحديد منطقة ما، هذه المنطقة تحتوي على بلدان وبحار وجبال وأودية تمثل الكواكب والنجوم و الكويكبات والأجسام الأخرى في السماء، والتي أيضًا لا يختلف حجمها ولا تتسع، أما الفضاء الآخذ في الاتساع، فهو يمثل في ذلك التشبيه الهواء (الفراغ) الذي يحيط بالأجسام في السماء.
وقد فسرت نظرية الانفجار -قدر المستطاع- مراحل نشأة الكون منذ الثانية الأولى، وكيف تغير الفضاء في غضون تلك الثانية، وأصبح واسعًا وهائلًا كما نراه اليوم بعد مرور 13.8 مليار سنة على الانفجار العظيم.
بدأ الكون من جزء أصغر من الذرة وفي جزء أقل من الثانية
أثناء نشأة الكون، حدث كل شئ سريعًا جدًا، ففي جزء من الثانية كان لدينا جسم صغير في حجم الذرة تمدد تحت ضغط وحرارة هائلين ليصبح في حجم فاكهة برتقال أو أكبر قليلًا، وفي جزء أكبر من الثانية، نشأت الإلكترونات وأجسام الكوارك داخل الكون الصغير، ثم تكونت البروتونات والنيوترونات بعد ذلك.
بقي الكون مظلمًا للغاية إلى أن انخفضت حرارة الفضاء إلى 10.000 درجة مئوية بعد 300.000 عام، وفي درجة الحرارة تلك استطاعت الأجسام الصغيرة المكونة للذرة الاتحاد معًا وتكوين عنصري الهيدروجين والهيليوم اللذين أضاءا الكون أخيرًا بفعل غازاتهما.
بعدها كون العنصرين معًا أول نجم مضئ وملتهب في الفضاء في درجة حرارة تعادل 200 درجة سيليزية وذلك بعد مرور مليار سنة على الانفجار العظيم، تكونت بعد ذلك المجرات وأخذت في التقارب والتجاور من بعضها البعض لتأخذ مواقعها التي وجدناها عليها الآن، وبعد وقت طويل جدًا من ذلك بدأت أعمار النجوم الأوائل في الانتهاء، وأثناء ذلك كانت تخلف ورائها انفجارات عظيمة فيما يعرف بظاهرة السوبرنوفا، خلفت ورائها أجسام نيترونية وثقوب سوداء وأجسام كثيرة أخرى ساهمت في إنشاء الكواكب والنجوم التي زينت الفضاء من حولنا، والغريب في الأمر أن الهيليوم والهيدروجين اللذين ساهما في إنشاء كل ذلك كانا آخر ما اكتشفه العلماء في الفضاء، ورُصدا على إحدى النجوم النارية حديثًا بواسطة الأقمار الصناعية.
كيف أصبحت نظرية الانفجار العظيم المرجع الأول في الاستدلال على أصل الكون؟
نُشرت المبادئ الأولى لنظرية الانفجار العظيم عام 1931 بواسطة العالم البلجيكي جورج لوماتر، وذلك بناءً على نتائج واكتشافات رياضية جديدة اكتشفها عالم روسي يدعى ألكسندر فريدمان، وأوضح لوماتر في نظريته التي سماها في البداية "الذرة البدائية" أن الكون هو فراغ كبير أخذ في الاتساع، نشأ من جسم -لا تعرف ماهيته- غاية في الصغر والكثافة، وكان دليل لوماتر على ذلك هو الاكتشافات التي قام بها إدوين هابل في الفضاء عام 1929 من خلال قياس سرعة الأجسام وبعدها عن الأرض، والتي دعمت بعد ذلك نظرية الانفجار العظيم كونها أثبتت تمدد المجرات واتساعها في تباعد عن الكرة الأرضية، وكان ذلك هو الدليل الأول على صحة النظرية، والذي دفع الكثير من العلماء لإعطائها قدرًا أكبر من الاهتمام والدراسة.
استطاع جوج غامو -أحد تلامذة فريدمان- فيما بعد تطوير تلك النظرية وإضافة عنصر الحرارة إلى المعادلة، مما فسر نشأة النجوم والطاقة في الفضاء من خلال الهيدروجين والهيليوم، ولكن ما لم يستطع غامو تفسيره هو الطريقة التي نشأت بها العناصر الثقيلة في الفضاء وكيف كونت الكواكب، والذي أُثبت فيما بعد من خلال الدراسات التي أُجريت على النجوم وظاهرة السوبرنوفا.
دليل آخر في محاولة لإثبات نظرية الانفجار العظيم، هو اكتشاف إشعاع الميكرو الكوني الخلفي The Cosmic microwave background radiation بالمصادفة أثناء عمل العالمين أرنو بنزياس وروبرت ويلسون على بعض أبحاث الراديو في أمريكا، وسماعهما لصوت ضجيج واضح عبر الهوائي.
اعتقد الاثنان في البداية أن الصوت هو مجرد تشويش صادر من راديوهات مدينة نيويورك، ولكن اكتشف العالمين بكثير من الذهول فيما بعد، أن الضوضاء صادرة من مجرتنا درب التبانة، وكان ذلك عام 1965.
آراء علمية لا تتفق مع نظرية الانفجار العظيم
منذ قديم الزمان، حاول البشر تفسير نشأة الكون الذين يقفون على حافته، فالقدماء المصريين كانت لهم رسومات على الجدران تمثل الآلهة التي خلقت لهم الأرض والسماء التي يعيشون تحت سقفها، كما أن الميثولوجيا الرومانية أبدعت في استحضار قصص خيالية عن آلهة الفضاء، ثم وفي عالمنا الحديث، شرع كل عالم في وضع نظرياته حول نشأة الكون -أو الأكوان- كما يميل البعض للاعتقاد، فرأى أرسطو أن الأرض هي مركز الكون الذي يتحرك كل شئ من حوله، ولكن سرعان ما أثبت غاليليو وغيره من علماء الفلك خطأ ذلك في اكتشاف أن الشمس هي مركز مجموعتنا الشمسية.
ويعد أينشتاين من أبرز العلماء الذين خالفوا نظرية الانفجار العظيم، في زعمه أن الكون هو فضاء ثابت غير متناهي فيما يعرف بنظرية Steady-State theory، الأمر الذي سبق لنظرية الانفجار العظيم دحضه بالأدلة، ورأي آخر لا يتفق مع نظرية الانفجار العظيم في أصل الكون هي الفرضية المبنية على علم الأكوان الكمي أن الكون لم ينشأ من عدم كما يخبر الانفجار العظيم، بل أنه نشأ من كون آخر وذلك بفعل الجاذبية وشبه تلاشى في نقطة نشأ عنها كوننا الحالي.
بخلاف نظرية الانفجار العظيم، يوجد 6 نماذج أخرى أو نظريات أخرى تحاول تفسير نشأة الكون، وتُثبت صحة نظرية الانفجار العظيم وهذه النماذج تشمل:
- نموذج الكون الدوري أو الأبدي التي تقترح أن الكون يمر بدورات لا نهائية من التوسع والانكماش.
- نظرية الكون المرآة التي تفترض وجود عالم آخر مشابه للكون الذي نعيش فيه لكنه معكوس.
- نظرية الكون الثابت التي تفترض أن الكون لا يتغير في الحجم والكثافة، أون الانفجار العظيم لم يحدث.
- تطور نظرية النسبية العامة التي يحاول من خلالها العلماء تفسير نشأة الكون.
- نظرية الكون المسلسل والتي تفترض أن الكون يخلق نفسه من جديد بانتظام.
- نظرية الكون المركزي والتي تفترض أن الأجرام السماوية تتحرك في دائرة مركزها كوكب الأرض.
كما توجد العديد من المشكلات التي لا تستطيع نظرية الانفجار العظيم تفسيرها مثل مشكلة الأفق، وهي التي تتعلق بأن درجات حرارة الكون بأكمله متساوية، على الرغم من عدم وجود اتصال بؤري لدرجات الحرارة المختلفة، ففي الطبيعي فإن الضوء الذي يحمل الحرارة لديه وقت معين للسفر قبل أن يفقد هذه الحرارة، وهذه إحدى المشكلات التي لا تستطيع نظرية الانفجار العظيم تفسيرها.
لا علاقة بين نظرية الانفجار العظيم وبين المعتقدات الدينية
يوجد من قد يستخدم نظرية الانفجار العظيم لإثبات آراءه الدينية في وجود الله، ويوجد من قد يستخدمها للإلحاد، وأن الكون ما هو إلا محض مصادفة كبيرة، ولكن علماء الأديان إلى جانب علماء آخرين كثر، يرون أن نظرية الانفجار العظيم ليس لها دور من قريب أو بعيد في إثبات صحة معتقد ديني ما.
فالانفجار العظيم ما هو إلا مجرد نظرية علمية تلقى الكثير من الاهتمام العلمي والإعلامي كونها محل تساؤلات كثيرة لا نستطيع الإجابة عنها بدليل قطعي، فلا يمكن لشخص ما محاكاة نشأة الكون في معمله وإثبات الإنفجار العظيم بالتجربة، لذلك سوف تظل محاولات تفسير ما حدث في الفضاء ومنذ زمن بعيد، كلام نظري لا يرتقي لأن يكون حقيقة علمية.
وصف بوليس حنا الثاني -الرئيس السابق للكنيسة الكاثوليكية في روما- استخدام العلم لإثبات وجود الرب قائلًا:"إن محاولة إثبات وجود الرب، ومحاولة استخدام العلم في إثبات وجود الرب، ما هي إلا محاولة لإخضاع الإله لقوانين البشر، وسوف نكون حينها مخطئين منهجيًا في اعتقاداتنا عن الرب".
يظل البحث قائمًا لدراسة وتحديث هذه النظرية الشهيرة في إثبات أصل الكون، ويعتقد العلماء أنه ما زال يوجد الكثير والكثير من الأمور التي لم نستطع بعد اكتشافها في الفضاء، وما زلنا لا نعلم عنها أي شئ، وربما يكون الانفجار العظيم صحيحًا، وربما تكون النظرية صحيحة جزئيًا، أو أنه من الممكن في المستقبل القريب أن نكتشف جسم ما أو ثقب أسود يُطلعنا على عمق أكبر من الحقيقة، فالفضاء ما هو إلا عالم غامض، خيالي في ماهيته، وفيه كل شئ ممكن.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.