مراجعة الحلقة الثامنة من مسلسل Westworld بعنوان “نظرية الاضمحلال”
9 د
ملاحظة: المراجعة تحتوي حرق لأحداث هذه الحلقة المضللة
في البداية دعوني أعترف أن الحلقة كانت معقدة بعض الشيء، فإذا كان الهدف منها هو تضليل المشاهد أكثر وأكثر فهذا سيكون نقطة ضعف، إلا في حالة كان التفسير النهائي للأحداث واضحاً وصريحاً ومقدّماً بطريقة درامية وذكية. على العموم هنالك بعض الأمور التي لفتت نظري في الحلقة، سأشاركها معكم.
لعلّ أبرز الأمور الملفتة للنظر هو الأداء العالي للممثل جيفري رايت صاحب شخصية “الروبوت” برنارد، والذي بدا نادماً ومتأثراً للغاية نتيجة قتله لـ تيريزا بأمر من د. فورد، الأداء العالي تمثّل عندما أمره د. فورد بإخماد مشاعر الغضب والكراهية لديه ليتحوّل في ثانية إلى كتلة باردة عديمة الإحساس، وبما أن الشيطان يكمن في التفاصيل فقد خرج صوت بالكاد كان مسموعاً أثناء عمليّة التحول العاطفي تلك، صوت بدا كصافرة آلية ناتجة عن هذا التغيير، فبالنهاية، برنارد ليس إلا روبوت، يؤتمر وينفّذ.
بالإضافة للأداء التمثيلي العالي في ذلك المشهد المميز فقد كان مليئاً – كالعادة – بالاقتباسات الجميلة والعميقة من قبل الدكتور فورد الذي علّق على مشاعر برنارد بقوله:
“هذا الندم الذي تشعر به، الغضب والألم والرهبة .. إنه كيان جماليّ ملفت للنظر”
“حياة المرء أو موته ليسا إلا ثمناً صغيراً للحصول على المعرفة، التي طالما رغبت بها .. من أجل الحصول على النفوذ الذي يتوجّب عليّ امتلاكه”
“على قدر روعة هذه المجموعة من العواطف، فإن الأكثر روعة ورقيّاً هو القدرة على إخماده”
لنكتشف في نهاية المشهد أن د. فورد قد قام ببناء برنارد في الأساس للقيام بمهمة عجز عنها المهندسون البشريون، مهمة إدخال المشاعر في الروبوتات، ويأمره أخيراً بمسح جميع الدلائل التي تشير إليه في جريمة القتل.
بائعة الهوى
بالعودة إلى قصة بائعة الهوى “ميف”، فبعد أن أحكمت سيطرتها على التقنيين الاثنين اللذين يساعداها بالسر، وبعد أن تعلّمت ما يكفي حول أجهزة التحكم والذكاء الاصطناعي استطاعت الآن السيطرة على المضيفين بحصولها على امتيازات إدارية ضمن قسم التحكّم، ما أدّى إلى اكتسابها قدرة الدخول إلى عقل كل مضيف وأمره بما تشاء عبر قول كلمات محددة، تبدو كالكلمات المفتاحية التي تؤثر مباشرة في نظام المضيف. في النهاية هي تريد الهروب ليس فقط من الحديقة وإنما من المركز الأساسي أيضاً، عبر تأسيس جيش من الحلفاء للمساعدة في ذلك.
بخصوص القصة القديمة التي شاركت بها ميف من قبل مع ابنتها، عندما تمت مهاجمتهم من قبل تلك القبيلة، وبعد أن تدخّل الرجل ذو اللباس الأسود وقام بقتل ابنتها ثم قتلها، فأعتقد أن لتلك القصة الفرعية دور كبير في القصة الأساسية، فقد تم التركيز عليها عدة مرات حتى الآن.
دولوريس، الماضي والحاضر والمستقبل؟
أما بخصوص دولوريس، فقد عثرت على وجهتها التي كانت تتجه إليها لتجد قتلى على ضفة النهر، ثم لنشهد عودة للصوت القادم من الخلفية “صوت آرنولد” والذي أمرها بأن تعثر عليه. الغريب هذه المرة أن الصوت بدا كاجتماع صوتين، صوت آرنولد وصوت دولوريس نفسها، وعند تلك النقطة بالتحديد بدأت الأحداث بتضليلنا، عندما اختفى الجميع فجأة من حول دولوريس وشاهدت نفسها في النهر. قد يكون هناك ترابط بين رؤية دولوريس لنفسها في عدة لقطات، فالمرة الأولى عندما كانت برفقة ويليام ولوغان في المدينة عندما فقدت وعيها، والمرة الرابعة في هذه الحلقة أيضاً عندما رأت نفسها وهي توجه مسدساً نحو رأسها، لتستيقظ من تلك التهيؤات – أو الواقع لا أعلم بصراحة – وهي توجه بالفعل مسدساً نحو رأسها، تمامًا كالشخص النائم الذي يتفاعل مع أحلامه. في النهاية قد تكون تلك التهيؤات محاولة من آرنولد ليحثها على قتل نفسها لغرض ما، أو أن مقتلها سيكون بشكل أو بآخر مستقبلها.
من الأمور التي لاحظتها هو أن دولوريس قد رأت نفسها 4 مرات حتى الآن، أليس كذلك؟ في المرة الأولى كانت دولوريس الحقيقية ترتدي الفستان الأزرق ونظيرتها كذلك، وفي المرة الثانية كانت الحقيقية ترتدي لباس رعاة البقر ونظيرتها “العرّافة” ترتدي الفستان الأزرق. في المرة الثالثة تطابق لباس الحقيقية والنظيرة عندما رأت نفسها ميّتة في النهر، لكن في المرة الرابعة فقد كانت دولوريس الحقيقية ترتدي الفستان الأزرق أثناء تفاعلها مع تلك التهيؤات، والنظيرة كذلك! وهو أمر ليس مصادفة أبداً أو جاء عن عبث.
دعونا الآن نتكلم بشكل عميق وفلسفي قليلاً حول هذا الأمر ونتفّق على أن الفستان هو الفترة الماضية من حياة دولوريس، ولباس رعاة البقر هو الفترة الحالية. في المقابلة الأولى (تطابق اللباسان) فقدت دولوريس الوعي. حسناً من الطبيعي أن تفقد الوعي في أول تجربة لك للاتصال بماضيك. في المرة الثانية تخالف اللباسان، وقد قامت دولوريس من الماضي بأمر دولوريس المستقبلية بالنسبة لها بأن تتبع المتاهة، والتي تم التعبير عنها في السابق بالبلدة ذات الكنيسة البيضاء. في المرة الثالثة كانت دولوريس ترى ما يجب عليها أن تكون في المستقبل لكي تتلاقى بآرنولد، أي أن تموت، وهو تمهيد لها لما هو قادم في المرة الرابعة عندما رأت دولوريس الماضية توجه مسدساً على نفسها للانتحار، قبل أن يتدخل وليام وينزع المسدس من دولوريس الحقيقية مانعاً إياها من تحقيق ما سميناه “التفاعل مع المنام”.
قد يتسائل البعض كيف من الممكن أن يتواصل الماضي مع المستقبل وليس العكس؟ حسناً هذه الحالة ممكنة في حالة كانت القصة كلّها عبارة عن حلقة مستمرة ومتكررة وهو ما توقعناه في مراجعة سابقة، عندها لا يوجد ماضي ولا حاضر، وإنما أحداث تسير حتى نقطة معينة لتعود وتتكرر من جديد.
بصيغة أبسط: لكي ألتقي بآرنولد عليّ أن أقوم بقتل نفسي، ولاستمرار تحقق هذا الأمر سأتواصل مع نظيري في الزمن الآخر وأمهّد له الطريق ليقوم بقتل نفسه. من الطبيعي أن يفقد الوعي في المرة الأولى التي ألتقي به فيها، وفي المرة الثانية عليّ أن أقول له بصيغة مباشرة أن يتوجّه إلى منطقة معينة مرتبطة بالعملية. في المرة الثالثة سأريه ما يجب عليه أن يكون لتحقيق الهدف (لاحظ هنا كان النظير يرتدي اللباس الخاص بالمستقبل)، وفي المرة الرابعة ستبدأ تلك الرؤى بالتأثير عليه، ليندمج معها ويقوم بالتفاعل مع أي شيء يحدث، وهنا سأقوم بقتل نفسي، ويتحقق الهدف. فمن الغباء أن تتواصل مع نظيرك وتأمره بشكل مباشر “اقتل نفسك”، سيعتبر هذا فشل ذريع ولن تستفيد شيء. وسأستفيد بالتأكيد من بعض الأصوات الخلفية التي ستأمر النسخة الأخرى مني بأن تجد آرنولد، سيختصر علي هذا الأمر الكثير من الجهد لإقناع .. نفسي!
ما يدعم نظرية الماضي والمستقبل هو أن تلك البلدة كانت مهجورة ومهدّمة عندما وصلت إليها دولوريس مع وليام، أما عندما رأت نظيرتها فيها كانت تعجّ بالحياة الطبيعية وكأن شيئاً لم يكن، إلى أن بدأ إطلاق النار.
لكن الأمر الذي لم أجد له تفسير والذي قد يتعارض مع ما سبق ذكره هو عندما بدأت دولوريس بالتجول في البلدة وهي ترتدي الفستان، مع أنها في الحقيقة كانت ترتدي زي رعاة البقر!
أمر آخر، قتل دولوريس لنفسها قد يكون تحفيزاً للأجهزة الكامنة التي زرعها آرنولد بها، فقد صرّحت بائعة الهوى أن هناك أقساماً داخلها تشعر بها لكنها لا تستعملها. نفس الأمر قد يحدث مع دولوريس، قتلها بطريقة معينة وفي مكان معيّن قد يحفز تلك الأجهزة التي سيستفيد منها آرنولد للعودة.
في النهاية هذا مجرّد رأي شخصي قد يكون جزء منه صحيح نوعاً ما، أو قد يكون بعيداً كل البعد عن التفسير الصحيح، وأعتذر للإطالة والتعقيد لكن الحلقة هي حتى الآن من أكثر حلقات المسلسل تضليلاً وفوضويّة.
الشك
بالنسبة لموضوع مقتل تيريزا، فقد بدا على تشارلوت هيل بعض الشك حيال وفاة تيريزا، ويبدو أنها تعلم بأن د. فورد وراء مقتلها. من جهة أخرى، بعد ملاقاة ضابط الأمن لبرنارد لتقديم التعازي له أقرّ برنارد بأنه بالكاد كان يعرفها، وهو ما سيؤكد شكوك هيل حول هذه الحادثة المزعومة وسيخلق شكوكاً جديدة لها حول حقيقة برنارد.
حقيقة الرجل ذو اللباس الأسود
أما بخصوص الرجل ذو اللباس الأسود، فقد انتهى به الأمر محاصراً من قبل رجال وايت، بعد أن قام تيدي بتقييده ولكمه، فقد تذكّر بطريقة ما كيف أن صاحب اللباس الأسود قام من قبل بأذيّة دولوريس، وكأن الوعي الخاص به بدأ بالتطور لدرجة تسمح له بتذكّر الماضي.
المثير في الأمر هو القصة التي رواها ايد هاريس لتيدي، فحسب كلامه فقد كان رب عائلة ورجل صالح، وبعد ثلاثين عاماً من الزواج انتهى الأمر بزوجته ميّتة نتيجة تناولها للحبوب الخاطئة قبل عام من الآن، وفي الوقت الذي ظنّ فيه ايد هاريس أنها حادثة أليمة، كانت ابنته مصرة على أنها عملية انتحار بسببه هو، فقد كان – حسب كلامها – معرّضاً للانفعال والانفجار في أي لحظة، وأن ذلك الرجل الصالح بجميع حسناته ليس إلا جداراً يخفي ورائه الحقيقة المظلمة والبشعة والدموية. ولكي يثبت لها بأنها مخطئة عاد إلى الحديقة، فهي في النهاية مخصصة حتى يقوم الإنسان باكتشاف حقيقته بها، لذلك قام ايد هاريس بخلق قصته الخاصة التي اعتبرها كاختبار حقيقي له، ليحاول من خلالها اكتشاف حقيقته، وهذا ما حدث بالفعل.
فقد التقى عندها بأم وابنتها، بائعة الهوى وابنتها. فقام بقتل الطفلة أمام أعين أمها وبعدها قتل الأم، ليكتشف في تلك اللحظة عن المتاهة، بعد أن كافحت الأم وباستغراب شديد من قبل ايد هاريس، الذي لم ير مكافحة كتلك في حياته، إلى أن سقطت قتيلة في منتصف المتاهة المرسومة على الأرض.
الغريب في الأمر هو أننا في حلقة سابقة رأينا تلك القصة بالفعل لكن كانت الأم وابنتها تهربان من قوم همج قبل أن يظهر ايد هاريس، لكن اليوم لم يظهر أي همج بل كانت الأم وابنتها تتمشّيان بسعادة في الطبيعة، قبل أن يظهر ايد هاريس ويقتلهما.
الغريب أيضاً هو فرق التواقيت، فقد صرّح ذو البدلة السوداء من قبل أنه قضى ثلاثين عامًا في الحديقة، ليعود اليوم ويصرّح بأنه عاد إليها منذ سنة بعد انتهاء زواج دام لثلاثين عاماً…!
لاحظنا أيضاً أن بائعة الهوى عندما كانت تستذكر تلك القصة، كانت تتفاعل معها تماماً، فقد طعنت صديقتها من أمامها في نفس الوقت الذي طعنت به ايد هاريس في ذكرياتها، وهو أمر مماثل شاهدناه مع دولوريس.
من الأمور الغريبة أيضاً في الحلقة هي تلك الفتاة التي كانت ضمن أتباع وايت، والتي أوقعت بتيدي والرجل ذو اللباس الأسود قبل ظهور هؤلاء الرجال، في الحقيقة هي نفس الفتاة التي ظهرت في بداية الحلقة الثانية بعد وصول وليام للحديقة، وهو ما يضعنا أمام المزيد من علامات الاستفهام.
أمر آخر لم أجد له تفسير، ما هو سبب وضع الأقنعة والبدلة العازلة من قبل التقنيين أثناء تجوّلهم في الحديقة لجمع المضيفين المصابين، في حين أن بعضهم الآخر يتجوّل بها بملابسهم العادية وبدون أقنعة؟
لاحظتم أن هذه الحلقة لوحدها تحمل الكثير من الاستفسارات أليس كذلك؟ حسناً لم ننتهي بعد…
عندما قام برنارد بسؤال د. فورد في حالة أنه قد أمره بقتل أحد من قبل غير تيريزا، أجابه د. فورد بالنفي… وعندها ترائى لبرنارد صوراً كذكريات له وهو يقوم بخنق فتاة ما، الغريب ليس هذا فقط، بل إن ملامح تلك الفتاة شبيهة جداً بملامح إلسي المفقودة منذ فترة ليست بالقصيرة، وهو ما يؤكد وجود طرف ثالث بالإضافة لفورد وبرنارد، قد قام بخطف إلسي، فمن المستحيل أن يكون برنارد قد قام بخطفها بسبب تواجده في مكان آخر في نفس الوقت. قد يكون فورد بنفسه وقد يكون أحد تلك الروبوتات المنعزلة التي يتحكم بها فورد، أو أننا على موعد مع مفاجئة أخرى من العيار الثقيل.
الجميع أجمع على أن هذه الحلقة كانت مضللة، في انتظار تفسير معقول في الحلقتين القادمتين للإجابة على عشرات الأسئلة التي تتولّد بعد كل حلقة مباشرة. أخبرونا ما آراؤكم في هذه الحلقة؟ بالنسبة لي لن أضع لها حكماً نهائياً قبل أن أرى الحلقتين القادمتين، فقد تكون هذه الحلقة بتفاصيلها جزءاً مهماً من الصورة الكاملة، التي ستتضح ملامحها في الحلقتين القادمتين.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.