🎞️ Netflix

إعلان ديزي: بستين ثانية فقط تغير مفهوم الدعاية السياسية برمتّها

الدعاية السياسية
رُواء سيد
رُواء سيد

7 د


”الدعاية السياسية لا تخدع الناس، لكنها تساعدهم على خِداع أنفسهم“ – إريك هوفر 

هل سبقَ لكَ وأن رأيتَ شِعارًا وربطتَه مُباشرةً بأغنيةٍ ما في عقلِك؟ أو هل سبقَ وأن رأيتَ مشهورًا ما على شاشةِ التِلفاز وجمع عقلُك بينه وبين منتَجٍ ما على الفور؟ ولأنّ أغنية الإعلانِ قد تمّ انتقاء كلماتِها ونغماتها بعنايةٍ فائقة؛ فقد علقت في ذهنك تلقائيًا، وعلق معها شعارُ الشركة المموّلة للإعلان، ولأنّك تحب هذا المشهور الذي ظهر في الإعلان مروّجًا لذلك المنتَج، فقد ارتبط في عقلك لا إراديًا باسمِ المنتَج. وهكذا؛ تلعبُ الدعاية على مشاعرِنا جميعًا دون أن نُدرك. ولأن أي دعاية تتطلبُ إعلانًا، فالسؤالُ هُنا هو كيفَ وُلدت فكرةُ الإعلان وكيف طُوّرت عبر الزمن؟


تاريخُ الإعلانات وكيف تطورت صناعتها عبر الزمن

ظهرَ مفهوم الإعلان لأول مرةٍ في نهايةِ القرن السابع عشر ولكنه بدأ في الانتشارِ فعليًا خلال منتصفِ القرنِ الثامن عشر، ومن بعدِها؛ وتحديدًا مع بدايةِ القرن التاسع عشر أصبحَت الإعلانات بمثابةِ قوةٍ رئيسيّة تعتمدُ عليها اقتصادات الدول.

وفي شهر يونيو عام 1836 كان إيميل دو جيراردن، وهو مُحرر في صحيفةِ ”La presse“ الباريسيّة الشهيرة حتى يومِنا هذا هو أول من اعتمد على فكرة الإعلانات مدفوعةِ الأجر، لتوسيعِ رُقعةِ قُراء الصحيفة وزيادة ربحِها، وقد نجحَ جيراردن بالفعلِ في تحقيقِ ما أراد.

وسُرعان ما قُلدّت طريقته من قِبَل جميع الصحفِ والمجلّات؛ حيثُ كانت وسائل الإعلامِ المطبوعةِ في ذلك الوقت هي الشكل الوحيد للإعلانِ عن مُنتَجٍ ما أو شركة. واستغرقَ الأمرُ قرابة القرن تقريبًا لفهمِ ومُلاحظة أن الإعلانات النصيّة البسيطة لم تكُن تفي بالغرض، وسُرعان ما أدركَ أصحابُ الإعلانات أنهم في حاجةٍ ماسّة إلى خطةٍ بديلة!

وبدأت من هُنا الحملات الدعائية في اتخاذِ مسارٍ آخر، حيثُ قاموا بالاتجاهِ إلى تدعيمِ إعلاناتهم النصيّة بصورٍ متنوعة لجذبِ انتباهِ العملاء، ومع هذا لم تستطع أيّ شركة دعاية أن تتخلى عن النصّ والاكتفاء فقط بالصورِ والملصقاتِ إلا نادرًا.

ولعقودٍ من الزمان استخدم المُعلنون سردَ القصصِ كأداةٍ قد أثبتت بالفعلِ مدى فعاليّتها لإنشاءِ اتصّالٍ عاطفيّ مع عملائهم، وقد أثبتت الدراسات فيما بعد أنّ الناس يستطيعون تذكر المعلومات بشكلٍ أفضل عندما يتمّ سردِها على شكلِ قصةٍ مصحوبةٍ بأحداث بدلًا من تقديمِها كقائمةٍ متراصّةٍ من الحقائق.

الدعاية السياسية

إعلان كوكاكولا لعام 1946

وخلال سنواتِ الكسادِ العظيم في ثلاثينات القرن الماضي، ومع صعوبةِ تحقيقِ النجاح، واجهت الأعمال الإعلانيّة كغيرِها من الأعمالِ حينَها تحدياتٍ شديدة، خاصةً في الولايات المتحدّة. وعلى الرَغمِ من أنّ وكالات الإعلان قد أكدّت على حماقةِ تقليصِ الترويج خلال الأوقاتِ العصيبة، وجادلت كثيرًا أنّ الإعلانات قد تساعد في انتشالِ الأمةِ من فوهةِ الركودِ التي علقت بها، إلا أنّ العديد من الشركات ومع انخفاضِ الإيرادات اعتبرت أن الإعلان نفقةٌ غير ضروريّة.

وبعدَ أن كان الإعلانُ رمزًا للنفقاتِ غير اللازمة، بلغ الإنفاقُ على الإعلانات ذروته عام 2011 حيث وصل إلى 143 مليار دولار في أمريكا وحدها، بينما وصلت الأرقامُ إلى 467 مليار دولار في جميع أنحاء العالم. وعندما اعتلى الإنترنت الساحة؛ قفزت مُعدلات ازدهار مجال الدعاية والإعلان بشكلٍ ملحوظ، فقد ساعد بشكلٍ كبير المعلنين للوصولِ إلى كمياتٍ لا نظيرَ لها من البيانات حول المستهلكين وميولاتهم المتعددة.

الدعاية السياسية

والآن، أصبحت الإعلانات حولَك في كل مكانٍ، تلتفتُ يمينًا فإذا بكَ أمام إعلانٍ لمعجونٍ أسنان، تلتفت يسارًا فتجد إعلانًا آخر لسجائر. أصبح عالمُنا الحالي مزدحمٌ بالإعلانات بشكلٌ مهول، وكل ما نستطيع فعلَه هو فهم كيفيّة تأثير الإعلانات على عقولِنا.


الإعلان، لعبةٌ عاطفية أم لوحةٌ إبداعيّة؟

هُناك نوعان من ردّاتِ الفعل التي يُعطيها العميل فور مُشاهدته للإعلان:


النوع الأول: مبنيّ على المشاعر

وهي ردّة الفعل التي يُعطيها العميل عندما يتعاطف مع علامةٍ تُجاريّة ما، ويتحقق ذلك من خلال عدّة طرق، وأهمها هو عرض صور لأطفالٍ أو قططٍ أو كلابٍ ضمنَ الإعلان، وبهذا فأنتَ تضمن شِراء العميل لمنتجك، فقط لأنك قمتَ باللعب على عواطفِه دون أن يُدرك.

*إعلان شركة كلوجيت لمعجونِ الأسنان، تنشرَ الوعي بأهمية المياه* 

النوع الثاني: مبنيّ على الإبداع

وتحدث ردّة الفعلِ تلك عندما يثيرُ الإعلان الحسّ الإبداعيّ والخياليّ لدى الشخص الذي أمامَه، ويتحقق ذلك من خلال عرض فكرةٍ مبتكرة وجديدة، واستخدام الألوانِ المناسبة، واستخدام أقل الكلمات لإيصال تلك الفكرة. ويقول ميث بيشبيل المسؤول عن قسم الدعاية لشركة ماكدونالدز”إنّ الإعلانات التي تميزّت بالإبداعِ حققت عائدًا أكثر بنسبة 54% من غيرِها“.

وهُناك عدّة مشاعرٍ بعينِها تُحبّ الإعلانات استغلالِها لتضمن نجاحها:


التعاطُف والحُزن

وغالبًا ما تكون هذه الإعلانات فعّالةً في نشرِ الوعي بالقضايا الاجتماعية أو السياسيّة.


الخوف

غالبًا ما يتمّ استخدام هذا الشعور في سبيلِ نشرِ الوعي الصحيّ، مثل تذكير الناسِ بأضرارِ التدخين أو تعاطي المُخدرّات الجسيمة.

الدعاية السياسية

إعلان ديزي، الأول من نوعِه في تاريخ الدعاية السياسية

وبعدما استفضنا بالحديث عن تاريخ الإعلانات وكيفية تأثيرِها على عقولِنا، حان الآن وقت إفساحِ الطريق لتعتلي الإعلانات السياسية ساحةَ المسرح. فتتبعُ الإعلانات السياسية في أغلبِ الأحيان منهجًا يُعرَف بالحملاتِ السلبيّة، وهذه الحملات تنقسمُ إلى نوعيْن. الأول يعتمدُ على الهجومِ والثاني يعتمدُ على التباين.

في الحملاتِ الهجومية، يعرضُ الإعلان الجوانب السلبيّة للخصم وفقط، أمّا في حملاتِ التباين، فيعرضُ الإعلان كلا الجانبيْن، ويتضمنُ معلومات إيجابية عن المُرشح الذي يدعموه، وأخرى سلبيّة عن مُنافسِه. ولهذا؛ يُنظَر إلى حملاتِ التباين على أنها أقل ضررًا من الهجوميّة.

الدعاية السياسية

التُقِطَت هذه الصورة عام 1964 لطفلةٍ صغيرةٍ تبلغُ من العمرِ ٣ سنوات وترتدي فستانًا بسيطًا وهي تقفُ وسط حقلٍ مليء بأزهارِ الأقحوان وتُمسك واحدةً وتبدأُ في قطفِ بتلاتها واحدةً تِلوَ الأخرى. هذه الصورة مأخوذةٌ من إعلانٍ عُرفَ باسمِ ”Daisy Girl“ أو ”سلامًا أيتها الفتاة“، والذي اعتبر الإعلان الأول من نوعِه الذي اتبّع منهجيّة الهجوم السياسيّ المُبطّن في الدعاية السياسية.

فيديو يوتيوب

وبالرغمِ من أن ذلك الإعلان قد تمّ بثّه مرةً واحدة على شاشةِ التِلفاز خلال الانتخابات الرئيسيّة عام 1964 لصالح الرئيس ”ليندون جونسون“، إلا أنه قد أثارَ جدلًا واسعًا حينَها. واعتُبِرَ ذلك الإعلان بمثابةِ قفزةٍ عملاقة في عالم الدعاية السياسيّة، فقد استطاع أن يوصِلَ رسالته في ستين ثانية فقط وذلك لم يكُن شائعًا حينَها، فقد كانت الإعلانات السياسيّة آنذاك مبنيةٌ بشكلٍ كاملٍ على الخطابات الطويلة التي يقوم بها المُرشّح.

الدعاية السياسية

واعتُبِرَ إعلان ديزي عاملًا مهمًا في انتصارِ جونسون الساحِق على مُنافسِه ”باري غولد ووتر“ ونُقطة تحوّل فارِقة في تاريخ الدعاية السياسية وما يزال حتى يومِنا هذا من الإعلانات الاستثنائيّة. ويبدأ الإعلانُ بعدّ الطفلة لبتلاتِ الزهرةِ واحدةً تِلوَ الأخرى حتى تصلَ إلى رقم ٩، ثم يلي ذلك صوتُ رجلٍ أجشّ يقوم بعدٍّ تنازليّ وفجأةً وفورَ أن يصلَ إلى رقم ١ يعلو صوت دويّ لقنبلةٍ نووية وتظهر بوضوحٍ وهي تُدمرّ كل ما حولها؛ في إشارةٍ منهم إلى تدميرِ حقلِ الأقحوان.

وكانت الرسالة من الإعلانِ في غايةِ الوضوح، وإن كانت ضمنيةً فقط وألا وهي أنّ المُرشّح الرئاسيّ باري ووتر كان مهووسًا بالإبادةِ الجماعيّة؛ وفي خطابٍ قديمٍ له قال: ”بالضغطِ على زرٍ واحد يُمكنك القضاء على ٣٠٠ مليون شخص قبل غروبِ الشمس“.

وبعد شهريْن من بثّ ذلك الإعلان، فاز الرئيس جونسون بسهولةٍ بالغة، حيثُ أنه بحلولِ الوقتِ الذي تمّ عرض الإعلان فيه كانت بالفعل فرص ووتر ضدّ جونسون ضئيلة؛ فقامت ديزي بوضعِ لمستِها الأخيرة فقط لحسمِ الأمر. وعلى الرَغم من أنّ هذا الإعلان لم يُذكَر فيه مرةً واحدة اسم المُرشح المنافس؛ إلا أنّ الشعبَ استطاعَ أن يُدركَ جيدًا الرسالة الكامنة وراءه.

ومن بين عشرين إعلانًا آخرين يحملون نفس الرسالة، استطاعت ديزي أن تُصبحَ أيقونة عصرِها. ولكن ما السببُ بالتحديد؟

في نظرِ المحللين السياسيين إنّ إعلان ديزي قد جمع بين مشاعرِ التعاطفِ والخوف معًا؛ وكما أشرنا من قبل فهذان الشعوران قد يضمنان نجاحِ أي إعلان، فكان مزيجٌ بين تعاطفٍ مع قصةِ طفلةٍ بريئة وخوفٍ من قنبلةٍ قد بترت القصة قبل أن تنتهي.

وقد تمّ ابتكار فكرة إعلان ديزي بواسطةِ شركة الإعلانات الشهيرة Doyle Bernbach. وهي عبارة عن مجموعة انتقائية من صانعي الإعلانات المتمرسّين في فنّ الدعاية وأساليبه، وما أرادوا فعلَه آنذاك هو كسر القواعِد التي كانت تسيطر على مجال الإعلانات حينَها، حيثُ كانت الخطابات الطويلة التي تتراوحُ مدتها بين العشرين أو الثلاثين دقيقة، وكانت في أغلب الأحيان تحيد عن الموضوع الأساسيّ وتميلُ إلى ضخّ العاطفة في نفوسِ الشعب، وجميعُنا صِرنا الآن نوقِن أن أقصر طريق لإقناع أحدهم بأي شيء هو اللعب على عواطفِه!

ذو صلة

في عالم الإعلانات يمكنك أن تقرأ:

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة