عندما تصبح الدرجات أهم منهم.. نتائج لن تتوقعيها للضغط الدراسي على الأبناء
8 د
الضغط الدراسي على الأبناء من أبرز المشكلات التي يعاني منها الطلاب في مختلف أعمارهم، وفي البداية دعنا نتفق على الأهمية الكبرى للتعليم، فحتى في حالة وجود موهبة مثل الفنون أو الرياضة أو غيرها، فإن التعليم يرفع من شأن صاحبه للغاية، ويجعله فعليًا في مصاف الأشخاص المحترمين، وليس من محدثي النعمة، ولكن هل الرغبة الشديدة في التعليم مبرر لك لتدمير حياة أبنائك ودفعهم للإدمان والجنون وضياع المستقبل والفشل الدراسي وحتى كراهيتهم الشديدة لك؟!
بالتأكيد لا، بل إن الحال وصل ببعض الآباء إلى قتل الأبناء؛ كما حدث قريبًا في الأردن عن أب قتل ابنته نتيجة درجاتها السيئة في الجامعة، فهل فعلًا الاهتمام بالدرجات قد يجعلك تقتل فلذة كبدك وتدمر حياته؟
ونظرًا لأهمية التعليم ورغبة كل أب وأم في ضمان مستقبل أبنائهم، فهيا نتعرف على الأسباب التي تجعلك تتوقفين فورًا عن الضغط الدراسي الزائد على أبنائك ورصد نتائج هذا الضغط بالإضافة إلى طرق الإقناع الصحيحة إذا رغبت فعليًا في تفوقٍ دائمٍ لهم في حياتهم عمومًا وفي سنوات الدراسة خصوصًا.
مخاطر زيادة الضغط والتوقعات الدراسية على الأبناء
وجد استطلاع حديث في مركز بيو للأبحاث في أمريكا أن 64% من الأمريكيين يعتقدون أن الآباء لا يمارسون ضغطًا كافيًا على أبنائهم من أجل تحقيق درجات جيدة في المدرسة، أي أنهم يُطالبون بالمزيد من الضغط، وفي الواقع فإن ضغط الآباء الدراسي على الأبناء لا يكون فقط في الدراسة، لكن أيضًا في الرياضة أو المسرح والموسيقى والأنشطة الأخرى، وكأن الطفل أو الابن مطلوب منه أن يكون بطلًا خارقًا في كل المجالات، وبالتالي لا يُعامل كطفلٍ أصلًا نتيجة لكثرة هذه الضغوط، ومن أهم المشكلات الفعلية التي سيعاني منها الابن نتيجة التوقعات المرتفعة والضغوط الزائدة وفقًا للكثير من الأبحاث:
ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض العقلية
فالأطفال الذين يشعرون أنهم تحت ضغط مستمر سيعانون من القلق الشديد باستمرار، مما يهدد بالإصابة بالاكتئاب في سن صغيرة والخوف الشديد والرهاب وغيرها من انعكاسات للخوف المستمر من نتيجة أي فشل، ولو كان صغيرًا، مما يدفع بالبعض إلى الانتحار أو حتى الاشتراك في أنشطة خطرة لتدمير النفس، مثل الإدمان أو رياضات عنيفة تزيد من تعرضه للإصابات، أو الانخراط في ألعاب تحضّه على أذية النفس أو الغير مثل الحوت الأزرق وغيرها، أو يصير الطفل أو الابن عنيفًا عمومًا.
اللجوء الدائم إلى الغش
فالاهتمام بالنتيجة وليس بالتعليم في حد ذاته سيرفع درجة لجوء الطالب للغش لتحقيق النتيجة المتوقعة، والمشكلة أنه إذا تحقق الهدف وحصل بالفعل على درجاتٍ جيدة، فإن الغش سيكون بمثابة نهجٍ منظم في حياته بعد ذلك، بدءًا بالتوظيف وحتى التعامل مع الأبوين أنفسهم، وفي حياته عمومًا، مما يعني أنك دمرت ليس حياته الدنيا فحسب، ولكن الآخرة أيضًا.
الفشل الدراسي
نعم إذا كنت تضغط على ابنك كثيرًا للذهاب للمدرسة أو الجامعة وتنتقد أي نقصٍ في الدرجات، فهذا سيؤدي به بالطبع ودون أي جدال إلى الفشل الدراسي، وهذا بالتأكيد ضد أهم أولويات الأبوين اللّذين يمارسان هذه الضغوط.
فالحرص على التعليم، لا بد أن يتم بطريقة التشجيع، ولكن الغش والحفظ دون فهم، وغياب الدافع، سيزيد من النتائج السيئة، وتظل تدور دائمًا في دائرة مفرغة من المصاريف الزائدة، لمحاولة تحصيل الدرجات، في حين تترك أهم جانب وهو تشجيع ابنك، ورؤية ما ينقصه بالفعل وتخفيف الضغوط.
الطرق الصحيحة للتعامل مع الدرجات السيئة
لدى كل أب وأم طريقة مختلفة لتشجيع أبنائهم، وفي حين أن التوقعات المرتفعة لا تكون دائمًا سلبية وبها جزء إيجابي، إلا أن الضغط المستمر والمباشر على الأبناء قد يؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا، فعندما يشعر الأبناء أن كل عمل يقومون به سيجعل حياتهم ومستقبلهم على المحك أو أن كل غلطة يقعون بها ستعني انهيار عالمهم فإن النتيجة بالتأكيد لن تُرضي أي طرف لا الآباء ولا الأبناء، فإذا كنت ترغب فعليًا في تحقق ابنك النجاح والتفوق سواء في الدراسة أو في أي مجال آخر فاقرأ السطور التالية:
حدد الهدف من رغبتك في تحقيق التفوق
فعندما يكون الهدف واضحًا أمامك ولنركز هنا على الدرجات المرتفعة، فإن النتيجة ستكون مناسبةً ومُرضية أكثر، فهل ترغب في نجاح ابنك حتى يكون متميزًا بين أقرانه؟ أم هل ترغب في نجاحه ليدخل كلية عملية مرموقة ويُجني الكثير من المال؟ أم ترغب في نجاحه لأنك أنفقت الكثير من المصروفات على الدراسة والمدرسين ولا ترغب في أن تضيع أموالك هدرًا؟
فكل هذه أسباب، سواءً أعترفنا بها أم لا، تتدخل في مشاعرنا تجاه رسوب أبنائنا أو الحصول على درجاتٍ سيئة، لذا إذا كنت ترغب في أن يكون ابنك متميزًا بين أقرانه، فإن هذا يعني رغبتك في زيادة ثقته بنفسه، وهذه النتيجة يمكن أن تحصل عليها فقط بجلوسك ساعةً يوميًا معه واللعب والتشجيع.
أما عن الكلية المرموقة وجني الأموال، فإنه حتى خريجي أعظم الكليات قد يفشلون في حياتهم المهنية، إذا لم يكن لديهم شغف بما يفعلونه، أما عن أموالك التي صرفتها، فاعلم أن الله لا يكلّف نفسًا إلا وسعها، وأن الكثير من أبناء الأسر الفقيرة للغاية تمكّن أبناؤهم من التفوق، وهذا فقط لأن لديهم دافعًا قويًا، وهذا ما يجب أن تقوم به بدلًا من صرف أموالٍ باهظة على المدرسين والمدارس الدولية دون نتيجة.
تحديد قيمة الدراسة والتفوق مبكرًا
كلما تحدثت مع ابنك مبكرًا عن أهمية الدراسة، وأنها السبيل للسعادة في المستقبل وأن التعب والسهر لسنواتٍ قليلة، يعني المزيد من الراحة في الكبر، فإن هذا سيزيد من تحفيز الابن، وإذا كان ابنك في مرحلة المراهقة، فمن الأفضل أن تكون تلك الرسائل غير مباشرة، لتجنب العناد الطبيعي للمراهقين، وحتى لا تتحول نصائحك إلى طعناتٍ يكره بها الطالب كل ما يتعلق بالاستذكار.
المقويات والفيتامينات
قد تكون نقص المغذيات من أسباب الفشل الدراسي نتيجة عدم القدرة على التركيز، أو وجود نقص في عنصرٍ غذائيٍ معيّن، لذا إذا كان ابنك منهكًا دائمًا، فلا تفترض فورًا أنه يتمارض للهروب من الاستذكار، لكن استشر طبيبًا وقم بالفحوصات اللازمة، إذ يمكن لنقص المعادن مثل الحديد والمغنسيوم، أن يزيدا من الإرهاق والتعب وعدم القدرة على التحصيل الدراسي.
تحديد سبب الفشل في مواد معينة
عادة ما يعود الطلاب بدرجاتٍ سيئة لسببٍ من اثنين؛ إما عدم فهمهم المحتوى، أو عدم امتلاكهم المهارات الشخصية اللازمة للنجاح.
فإذا كانت المشكلة دائمًا في مادة واحدة؛ فهي مشكلة عدم فهم للمحتوى، وهنا نبدأ البحث عن أسباب كره الطالب لتلك المادة، أو طرق مختلفة للتدريس، أو استشارة المعلّم وغيرها من طرق خاصة بمادة معينة. وهنا يجب أن نأخذ في الاعتبار ميول الابن واهتماماته، والفرحة الحقيقية بكل تقدم ولو كان بسيطًا، وعدم النظر دائمًا للدرجات الكاملة فهذا سيزيد من الإحباط والتراجع.
أما إذا كانت المشكلة خاصة بكل المواد الدراسية فهذا يعني مشكلة من التنظيم وإدارة الوقت ومهارات الدراسة، وهنا العلاج سيكون على مدى أطول من خلال المشاركة في أنشطة تعليمية متنوعة لزيادة حب العلم في حد ذاته، وبالتدريج نبدأ الاهتمام بالدرجات وليس العكس أبدًا.
كما يمكنك المساعدة مع ابنك في تحضير الدروس مبكرًا، بوسائل تعليمية مختلفة أصبحت متوفرة بقوة على الإنترنت، سواءً الفيديوهات أو الألعاب التعليمية أو قراءة الكتب الخارجية، فهذا سيجعله أكثر فهمًا للمادة الدراسية من المعلم.
ويمكن أيضًا تحديد مدة معينة للاستذكار يوميًا بصرف النظر عن النتائج التي تم تحقيقها، فالبدء بصفحة أو صفحتين أو عددٍ قليل من التمارين والتشجيع المستمر، سيزيد من حب الاستذكار والتعلم عند الأبناء، ويمكن لنصف ساعة يوميًا أن تمنحك نتيجةً أفضل بكثير من عدة ساعات من الضغط الدراسي دون جدوى.
منح الابن الثقة والاستقلالية
من أسباب الفشل الدراسي لبعض الأبناء أيضًا، هو الاعتياد على الاعتماد التام على الأبوين أو الأم تحديدًا، فهي تجلس بجواره عند كتابة الواجب المدرسي وتحضر جدوله الدراسي وتساعده في حل الواجب دون ترك مساحة للتفكير والخطأ والتصحيح الدائم له قبل حتى أن يُخطئ.
وهذا يؤدي في المراحل المتقدمة من العمر إلى كارثة محققة، فالمواد الدراسية تصير أكثر تعقيدًا، ولا تستطيعين مجاراته، وفي الوقت نفسه مهما كان شغف المعلم فلن يجلس معه طوال الوقت.
لذا لا بد من البداية أن تمنحي طفلك درجة من الاستقلال عند الاستذكار، كأن تتركيه يكتب واجباته بمفرده مع توجيهٍ بسيط في البداية ثم دون أي توجيه على الإطلاق، فالمفترض أنه استمع إلى معلمه وفهم المطلوب، ولكن إذا لجأ إليك لشيء استغلق عليه فهمه فساعديه بالطبع، ولكن بعد أن يكون هو استمر في التفكير بها بعض الوقت، حتى يعتاد على الاستقلال والبحث بنفسه.
التركيز على المستقبل وترك ما حدث في الماضي
لا يمكن تغيير الماضي، فالدرجات السيئة حقيقة بالفعل، والغضب الشديد منها لن يرفعها بالتأكيد، لذا تحدث في الأمر بدرجة من الهدوء مع الابن، وابدأ البحث عن البدائل التي تحقق أفضل نتيجة متوقعة، مع الاستفادة مما حدث سابقًا وأدى لهذه الدرجات، سواءً من عدم تنظيم الوقت أو فرض تخصص معين على الابن، أو المقارنة الدائمة بينه وبين أقرانه مما يجعله يشعر أنه مهما استذكر، لن يُرضيك وبالتالي يتوقف عن المحاولة.
وفي النهاية نقول إنه من حقك بل ومن واجبك أن تفعل ما تراه في مصلحة أبنائك لتعليمهم وتهذيبهم، ولكن تذكر أنهم أمانة في عنقك وأن عليك دائمًا أن تتحرى الطرق الصحيحة في التربية والتعليم والإرشاد، سواء المذكورة في التعاليم الدينية أو وفقًا لدراسات وخبرات العلماء وأن تتعرف دائمًا على أخطائك وتكون لديك الشجاعة للتراجع عنها بل والاعتذار أيضًا عما بدر منك من أخطاء، وهذا حتى تظفر بأبناءٍ أسوياء وناجحين وقادرين على خدمة أنفسهم ومجتمعهم وناجحين في الدراسة بتفوق أيضًا.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.