يأتونكم بهيئة حِملانٍ وديعة وبداخلهم ذئابٌ خاطفة: إليك كيف تكتشف المتلاعبين وتتحرّر من قبضتهم!

المتلاعبون بالعقول
روان دربولي
روان دربولي

7 د

لأن الثمن قد يكون غاليًا ..

احذروا من المتلاعبين فهم يأتون إليكم بهيئة حِملانٍ وديعةٍ، لكنّهم من الداخل ذئابٌ خاطفةٌ، في الزمن الذي يبلغ فيكم اليأس حدّ الطوفان قد يأتي إليكم متلاعبٌ محنّكٌ يخاطبكم على قدر رغباتكم، ويبيعكم أوهامًا بقدر إحباطاتكم، نعم إنه ساحرٌ يتلاعب بخفّةٍ بالكلمات، خبيرٌ بالنفسيات مع درجة دكتوراه فخرية بالخديعة، وتمرّسٍ بالكذب إلى درجة الفجيعة، يعرف تمامًا من أين تؤكل الكتف، وكيف يُجدع الأنف، وكلامُ اللّيل عندهُ يمحوه النهار، صمتهُ افتراء وحديثهُ رياء. 


من هو المتلاعب وما هي السمات التي تميّز شخصيته؟ 

 قد نظهر جميعًا بشكلٍ أو بآخر سلوكًا متلاعبًا، إنه جزءٌ من طبيعتنا البشرية إلى حدٍّ ما. بكاء الأطفال المزيف، والنظر بعيونٍ واسعة لامعة إلى قطعة الكاندي في المتجر، ما هو إلا نوعٌ من أنواعِ التلاعب اللطيفة، لكن مع التقدم بالعمر لن تكون الأمور بهذه البراءة.

يُمكن القول بأبسط التعابير أن المُتلاعب هو شخصٌ يحاول التأثير على مشاعر الآخرين، لتحقيق مآرب شخصية، لكن 

من المهم جدًّا التفريق بين المتلاعب المؤذي الخطير الذي بإمكانه تدمير حياتك، وبين المتلاعب الصغير غير المؤذي. 

كلُّ واحدٍ منا بما فيهم أنا وأنت قد نبدي سلوكًا متلاعبًا بين الفينة والأخرى، هذه التلاعبات لا تعني أننا كائنات ضارّة وخطيرة فنحن بشرٌ في النهاية. أما التلاعب الذي سأركز عليه في هذه المقالة مختلفٌ عن ذلك، سأتحدث عن المتلاعِب الذي يهوي بضحيته إلى حمأة الضياع، و يجعله غير قادرٍ على التركيز على حياته. 


سمات الشخصية المتلاعبة:

يمارس المُتلاعب السلطوية لتحقيق مكاسبه الشخصية، لذلك فهو لا يفكر بالآخرين ولا يقلق بشأن الضرر الذي يمكن أن يسببه لهم، يُقلل من شأنهم ويجعلهم يعتقدون أن اختياراتهم خاطئة وأن الحياة لا تسير على ما يرام إلا إذا عملوا بمشورته، فيما يلي الصفات الأساسية الشخصية المتلاعبة:

قلة التعاطف 

يستغل المتلاعِب الآخرين ليحقق أهدافه، لا يهمه ما يشعرون به. في الواقع، إنه غير قادر على تبنّي احتياجات ومشاعر الآخرين.

 الأنانية

غالبًا ما يُشار إلى المتلاعب بالمنحرف النرجسي، يوجد في شخصيته بُعدٌ نرجسيّ أو قد يكون مصابًا بجنون العظمة. 

استخدام الأكاذيب 

نظرًا لكونه لا يريد أن يفقد ماء وجهه، يمكنه الكذب والتضليل، والتسويف إلا ما لا نهاية، إنه يتبنّى جميع المواقف التي تسمح له بالهروب من المتاعب والمسؤوليات. 

عدم تحمل المسؤولية

لا يقبل الاعتراف بالخطأ أو تحمل مسؤولية أفعاله، وعندما يشعر الآخرون بالاستياء منه، ينمّي لديهم عقدة الذنب، ويلقي عليهم اللوم فيما يعانون منه. 

بالإضافة إلى الصفات الأساسية للشخصيات المتلاعبة، إليك بعض الخصائص الإضافية ستساعدك للتعرف على الشخص المتلاعب:

  • يعمل بشكل أساسي من أجل مصلحته الخاصة. 
  • يتقنُ دور الضحية (كل ما يحدث ليس خطأه بل خطأ الآخرين). 
  • يعزل ضحيته، ويبعدها عن العلاقات الاجتماعية التي تنافس غايته. 
  • يحاول الاستفادة من المواقف المختلفة (يصطاد بالماء العكر). 
  • يجعل الآخرين في حالة تشتت مستمرة، يقلل من ثقتهم بأنفسهم واحترامهم لذواتهم. 
  • صاحب نزعة سلطوية، ويحكم قبضته على الضحية.

أما الطرق التي يستخدمها في أسلوبه فهي:

  • يغير الأحاديث: يعيد صياغة وترتيب الأحداث ويغير رأيه بالمعطيات بحسب حاجته. 
  • يحب الشائعات وما يُقال عن الآخرين، لكي يستخدمها في المستقبل ضد ضحاياه من مبدأ لا يوجدٌ دخان من غير نار. 
  • يعشق الدراما، تارةً يكون غاضبًا وأخرى حزين، وهذا أسلوبٌ يشد الآخرين للتعاطف. 
  • يجعلك في حيرةٍ من أمرك دومًا، فلست قادرًا على اتخاذِ قرارٍ إلا بمشورته. 

أين من الممكن أن تصطدم بالأشخاص المتلاعبين؟ 

إنهم موجودون في كل مكان، دعوني أشارككم  بعض الأمثلة:

المثال الأول (علاقة عاطفية):

 عن امرأةٍ وقعت ضحية شخصٍ متلاعبٍ، دعونا نسميها "سارة". بقيت سارة مع رجلٍ تحبه لثلاثة أعوام، كانت تحبّه حبًّا جمًّا لكنها عانت باستمرار واستنزفت طاقتها في سبيل إرضائه، لقد أبعدها عن أصدقائها، لم تتمكن من الخروج إلا بإذنه، ولأنها أرادت حقًا بناء علاقةٍ دائمة معه، أخذت كل ما كان يمليه عليها على محمل الجد وواصلت الوقوع في الفخ، كان متلاعبًا ماكرًا يتحدث ضدها للآخرين ثم يبلغها بكلماتهم السلبية عنها. وبعد ذلك عمد إلى تشويه سمعتها، وكانت النتيجة كارثية فقد فقدت تقديرها لنفسها تدريجيًّا ليس هذا فقط بل عانت من تعنيفٍ شديدٍ ووقعت في جدالات عقيمة معه على الدوام، و بعد تلك المدة الطويلة التي لا يستهان بها انتهى الأمر بسارة إلى الانفصال وعرفت بعد فوات الأوان إلى أي مدىً قد تم التلاعب بها، لكنها تمكنت لاحقًا بإعادة بناء نفسها بدعمٍ من أصدقائها وعائلتها. 

أن يغار عليك شريكك لا يعني بالضرورة أنه يحبك، بل قد تعبّرهذه الغيرة عن تيقظ الشريك الكامل تجاه محاولتك الخروج إلى حريتك (كأنه يقول لك، انتبه أنت لي). 

 المثال الثاني ( في الصداقة): 

كانت لي صديقة أعرفها من سنوات المراهقة، كانت شخصيةً نرجسيةً بامتياز، غير قادرة على تقدير نفسها إلا بسحق الآخرين، كانت دائمًا في حالة تناقضٍ مع الغير، وتتبنى دومًا موقفًا متفوقًا كأنها تُثبت لنفسها أنها أفضل من أي شخصٍ آخرٍ، وبعد عدة سنوات من الصداقة العاصفة اضطررت إلى قطع علاقتي معها تمامًا، وشاءت الصدفة أن ألتقي بها منذ فترة، لقد مرت 9 سنوات منذ آخر مرة التقيتها بها، ونظرًا لكوني أحب البشر وأؤمن دومًا بقدرتهم على تحسين أنفسهم، قررت معرفة ما إذا كانت هذه الصديقة القديمة قد تغيرت، لكن للأسف أنها بقيت كما هي وربما أصبحت أسوأ، قلت "ربما" لأني لم أمنحها الكثير من الوقت لإظهار عكس ذلك لي، ولأني أصبحت أكثر قدرة على قراءة مابين السطور. يبدو أن المتلاعبين غير قادرين على تغيير أنفسهم لأنهم متغطرسون بشكلٍ لا يصدق، وهذه المرة سارعت بإلغاء علاقتي بها إلى دهر الداهرين.

المثال الثالث (في العمل): 

تواصلَ مع أحد أصدقائي الذي يعمل في شركةٍ تجاريةٍ رجلٌ ادعى أنه مسوّقٌ، كان لطيفًا وودودًا معه للغاية، وهذا ليس بغريب فالمتلاعبون يدخلون في عمق المشهد ويكسرون الحواجز دون هوادة، ومن خلال المكالمات الهاتفية التي استمرت حوالي أسبوع بينهما، تحدّث الرجل بشكلٍ سلبي على الشركات الأخرى وعلى العاملين البارزين في الشركة، وبعد ذلك عرضَ على صديقي شراكة تسويقية من خلال استراتيجية وجدها صديقي أنها غير نزيهة ومشكوكٌ بأمرها، ولما أبدى رأيه السلبي بهذه الاستراتيجية، أماط الرجل اللثام عن وجهه، وأصبح شخصًا مختلفًا وبدأ بمهاجمته دون أدنى رغبة بفهم حججه وأسباب تقييمه للعمل. 

أما عن كيفية حماية نفسك من المتلاعبين، يمكنك ذلك خلال التعرف على وسائلهم الخاصة لتعزيز هيمنتهم:


كيف يحكم المتلاعب قبضته على الآخرين؟ 

المبالغة بتقدير الآخرين 

من الجميل جدًّا أن يُقدر المرء أخيه وألّا ينكر فضله، لكني أقصد هنا "المجاملات" و"التملق" فهي طرق فعالة يستخدمها المتلاعب في مرحلة الإغواء. 

تقمّص شخصية المُنقِذ

لا يزال المتلاعِب يسعى لمساعدتك في مرحلة الإغواء، يمكنه أن يُخرجك من أسفل السافلين، يمكنه حل كل مشاكلك العاطفية والمادية والدراسية، إنهم دهاة! يجمعون أكبر قدرٍ من المعلومات عنك ثم يستخدمونها ضدك. 

خلق التبعية

يبذل قصارى جهده لجعل نفسه شخصًا لا غنى عنه، ثم ماذا؟ ثم يختفي طبعًا، وهنا تبدأ الضحية بالشعور بعدم الأمان في علاقتها. 

يجعلك تثق به

إنه لعوب، يشجع ضحيته على الوثوق به من خلال تقديم إسنادات وبراهين على مساعدته للغير وعلى شهامته، ويكشف بعضًا من حياته الخاصة، لكنه لا يفضح نفسه. 

خلق الغيرة

لا سيما في العلاقات الرومانسية، قد يخبر ضحيته أنها قد تفقده في أي وقت، ويستمر في هذه الدوامة حتى يضعف ضحيته 


الشخصية المتلاعبة: مشكلة مكتسبة أم فطرية؟ 

بحسب كل ما قمت بذكره، فإن الشخص المتلاعب غير ناضج عاطفيًا يركز على احتياجاته فقط، بنى لنفسه شخصية خيالية غير واقعية معتمدًا على طاقة ضحاياه.

و من الصّعب تحديد ما إذا كانت الشخصية المتلاعبة مكتسبة أو فطرية، من المحتمل أن تكون هنالك ميولٌ بيولوجية، وقد تكون البيئة الاجتماعية حاضنة ًمناسبةً لها، لذا يمكن القول أن المشكلة فطرية ومكتسبة، قد يولد المتلاعب لأسرة تتبنى هذا الطبع، وبالتالي لن يحصل على الحب والحنان الكافيين من عائلته، وكردّ فعل قد يحاول إنشاء قوقعة لحماية نفسه على حساب الآخرين الذين سيصبحون ضحاياه بالتدريج. 


 من هم الناس الأكثر عرضة للوقوع ضحية المتلاعب؟ 

يختار المتلاعب ضحاياه تبعًا لعدة معايير تزيد من فرصة نجاح استراتيجياته بالهيمنه، نظرًا لأنه لا يريد إضاعة وقته مع أشخاص قد يخرجَون من سيطرته بعد أيامٍ قليلة. 

صفات تجعل البعض لقمة سائغة في فم المتلاعبين:

ذو صلة
  • تدني تقدير الذات. 
  • الفراغ العاطفي واللا انتماء والخوف من الهجر. 
  • فرط الإنسانية. 
  • الحلم بعلاقة رومانسية خيالية 

وأخيرًا في حال كنت ضحية متلاعبٍ في يوم من الأيام، عليك أن تعترف بذلك، قل لنفسك "أنا ضحية متلاعب، لكنّي سأتجاوز الأمر"، ستجد نفسك بالبداية في حالة صدمة، وقد تعتريك موجات غضب، لكن عليك أن تفكر بنفسك، اعتنِ بها وكافئها أنت تستحق، قد يستغرق الأمر بعض الوقت للتعافي لكن هذا طبيعي جدًا، واعتبر أن تجربتك بداية لحياة جديدة. 

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة