إسرائيل من الداخل: الكيان الصهيوني والعرب – نظرة اقتصادية
8 د
دائمًا ما يثير الكيان الصهيوني الغاصب عدة علامات تعجب فيما يتعلق بوضعه الاقتصادي المثير للجدل، فبينما نشأت إسرائيل كبوتقة لصهر ملايين المهاجرين من جنسيات وأعراق مختلفة، وسط بيئة عدائية من الدرجة الأولى، وكراهية ومُقاطعة من جانب جيرانها العرب، فضلاً عن انخراط جميع مواطنيها في جيش الدفاع الإسرائيلي، ودخولها في عدد لا بأس به من الحروب والمعارك العسكرية.
إلا أنها استطاعت خلال فترة زمنية قياسية، أن تحقق اقتصادياً ما عجزت عنه الدول المُجاورة لها، على الرغم من عدم توافر الموارد الاقتصادية الخام، ولابد هنا من التذكير، بأن إسرائيل لا تتباهى، فقط، بقوة جيشها وبترسانتها من التسلح، فهي تتباهى أكثر بمستوى رفاهية سكانها وبديمقراطيتها (بالنسبة لليهود) وبتقدمها العلمي والتكنولوجي وبقوتها الاقتصادية.
دروس يجب أن يتعلمها العــرب من عدوّتهم.. إسـرائيل !
فالمُتابع لتاريخ إسرائيل الاقتصادي، سيكتشف أن الأسباب الرئيسية لبدء نهضة الكيان الصهيوني الاقتصادية، وتحديداً بدءاً من عام 1990م (راجع المقال التالي)، ترجع لتظافر عدة عوامل سوياً، وهي:
- مولد الاقتصاد الإسرائيلي بالتزامن مع سطوع شمس اقتصاد الإنترنت عالمياً، وبدء الموجة العالمية لتقنية المعلومات، مما ساعد في تعميق توجهها للاستثمار في قطاع التقنية.
- الاهتمام بالاستثمار الجريء وصناعة رأس المال المخاطر في إسرائيل من خلال برنامج (يوزما).
- الخصائص الديموغرافية لمجتمع المهاجرين الإسرائيلي عقب موجة الهجرة من الاتحاد السوفيتي السابق، حيث استقبلت إسرائيل أعداد كبيرة من العلماء الروس المُتخصصين في الطب والرياضيات والفيزياء، مما ساهم في إعلاء قيمة العلم والتعليم.
- اتفاقية أسلو للسلام عام 1993م، والتي ساهمت في تركيز وتحول القطاع الأكبر في إسرائيل إلى الصناعة والتجارة والتكنولوجيا، بدلاً من السياسة، مما كان له أثر تنشيطي على الاقتصاد الإسرائيلي.
- المقاطعة الاقتصادية العربية، أجبرت إسرائيل على تسويق منتجاتها خارجياً، مما جعلها تركز على القطاع التكنولوجي ومنتجاته الرقمية، والتى يسهل تسويقها وشحنها في الأسواق البعيدة.
- تبني الحكومة الإسرائيلية لسياسات اقتصادية، أدت إلى إنعاش الاقتصاد، وتضاعف الدخل القومي الإسرائيلي إلى أربعة أضعاف، خلال النهضة الاقتصادية الأولى بين عام 1948م وعام 1970م.
- العمل على نشر ثقافة العمل الحر، وتشجيع فكر ريادة الأعمال وإقامة المشاريع التقنية، وتوفير الاستثمار الجريء لها، خلال النهضة الاقتصادية الثانية، والتى بدأت عام 1990م حتى يومنا هذا، متجاوزاً الكساد الاقتصادي العالمي أعقاب نشوب الأزمة المالية العالمية عام 2008م.
ليس ثمة مفر من مواجهة العوامل الداخلية التي تقف وراء الإخفاقات العربية: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إدراكا لحقيقة أن إسرائيل تطورت أصلاً في ظل الصراع مع العرب، برغم من التناقضات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تعيش فيها، وبرغم من أن عمر هذه الدولة لا يزيد عن بضعة عقود من الزمن.
شركـات اسرائيلية تنتحــل الهوية (العالميــة) للإنتشــار في الاسواق العــربية – تقرير
وإليكم مقارنة بين أوضاع إسرائيل من جانب، والعرب من الجانب الأخر، علنا نستطيع الوقوف على أسباب تراجعنا نحن العرب:
نبدأ مع نظام التعليم فتنمية الإنسان هي التنمية الحقيقية؛ لأن الإنسان يمثل الثروة الفعلية لكل أمة، وإسرائيل تعى ذلك جيداً، لذا نجدها تمتلك 8 جامعات و 27 كلية أربع منها ضمن قائمة أفضل 150 كلية في العالم، و 7 منها ضمن أفضل 100 كلية في آسيا والمحيط الهادئ، وليست أى واحدة منها فرعاً لجامعة من الخارج، كما أن المؤسسات البحثية الإسرائيلية كانت الأولى من نوعها في العالم أيضاً في مجال الاستفادة تجارياً من الاكتشافات العلمية.
كما نجد أن جامعتين إسرائيليتين تم اختيارهما كأفضل مكان للعمل الأكاديمي خارج أمريكا، وإسرائيل هي الدولة الأولى بعد أمريكا من حيث عدد الدراسات والمقالات العلمية التى يتم نشرها في المجلات العلمية المتخصصة، كما أن 25 اقتصادي إسرائيلي تم اختيارهم ضمن أفضل 1000 اقتصادي في العالم.
وعدد براءات الاختراع التى سُجلت من عام 1980م إلى عام 2000م كانت كالتالي: السعودية 171، مصر 77، الكويت 52، الإمارات 32، سوريا 20، الأردن 15، وذلك بالمقارنة مع 7652 براءة اختراع سجلت في إسرائيل فقط.
وفي المقابل نجد أن من بين أكبر التحديات التى تواجهنا نحن العرب هو نظام التعليم التقليدي، الذى يركز على الحفظ فقط، ويقيس النجاح بالمدخلات وليس المخرجات، عبر قياس القدرة على الاستيعاب، وليس القدرة على التطبيق.
وعلى الرغم من أن العرب استثمروا أموالاً طائلة في المباني الأكاديمية والتعليمية، إلا أنت نتائج الاختبارات الدولية في العلوم والرياضيات وضعت مثلاً السعودية في المرتبة الـ 43 من 45 دولة، كما أن عدد الكتب التب تم ترجمتها بين عامى 2002م و 2005م من كافة لغات العالم إلى اللغة العربية لم يتجاوز خمس ما تم ترجمته من كافة لغات العالم إلى اللغة اليونانية فقط.
وننتقل الأن إلى البحث العلمي، حيث حققت إسرائيل تقدماً في المجال العلمي البحثي ومراكز الأبحاث والجامعات والتكنولوجيا المتقدمة، وبحسب إحصائيات اليونسكو لعام 2008م، تنفق إسرائيل على البحث العلمي ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة إذ يبلغ 9 مليار دولار، كما تنفق ما نسبته 4,7% من الناتج القومي ما يمثل أعلى نسبة إنفاق في العالم كله، فيما تنفق الدول العربية 0,2% من دخلها القومي.
في حين تمكنت إسرائيل في فترة وجيزة من شغل مكانة مركز الصناعات التكنولوجية في منطقة الشرق الأوسط، واجتذبت إليها أفرع البحوث والتطوير لمختلف الشركات العاملة في جميع قطاعات التكنولوجيا الحديثة، من تطبيقات الحاسب الآلي والنانو تكنولوجي والتكنولوجيا الطبية والحيوية، مما انعكس إيجاباً على اقتصادها، فضلاً عن التعاون الوثيق مع الشركات المتخصصة في البحوث والتطوير؛ لتكتمل دائرة التنمية البشرية التي تقوم بالأساس على استثمار الدولة وقطاع الأعمال في البشر؛ لإكسابهم مهارات ومعارف وقدرات تعود بالربحية على الاقتصاد الإسرائيلي.
وقد ساهم في هذا التقدم العلمى عوامل عدة من أهمها:
#النظام السياسي المستقل وتحفيز حرية البحث والإبداع والتطور.
#الإجماع على الاستثمار برأس المال البشري (التعليم، الصحة، الرعاية الاجتماعية)، حيث تبلغ نسبة الإنفاق على البحث العلمي أعلى النسب في العالم أي (4.7%) من الناتج الإجمالي القومي في حين تبلغ النسبة في أمريكا 2.6%..
#استمرار تدفق المهاجرين المستوطنين الذين يشكلون رأسمال بشرياً وكفاءات عالية، خصوصاً الذين وصلوا بالهجرة الروسية الأخيرة من مطلع التسعينات.
#التعاون العلمي في مجال البحث، والتطوير العلمي مع أمريكا.
أما فيما يتعلق بريادة الأعمال وثقافة العمل الحر، فيوجد حالياً أكثر من 4000 شركة ناشئة حديثة ومبتكرة وصاعدة في إسرائيل، كما أن عدد الشركات الإسرائيلية التى سُجلت للتداول في بورصة ناسداك الأمريكية تفوق عدد جميع الشركات الأوربية.
ولقد كان لنا جولة سابقة مع كتاب Start-Up Nation: The Story of Israel’s Economic Miracle ، والذي يتناول دور الشركات الناشئة في نهضة الاقتصاد الإسرائيلي، يبدأ باستعراض مؤشرات تقدم إسرائيل في المجال التكنولوجي، وإثراء الاقتصاد المدني بالتكنولوجيا العسكرية، وكيف تحولت الشركات الناشئة لقاطرة التنمية الاقتصادية، والقطاع الأكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية.
- من قلب الكيان الصهيوني.. الشركات الناشئة ودورها الفعّال في الاقتصاد الإسرائيلي! – تقرير
- من قلب الكيان الصهيوني.. ماهي الأسباب التى جعلت من إسرائيل أمة للشركات الناشئة؟! – تقرير
- من قلب الكيان الصهيوني.. الجيش الإسرائيلي وصناعة أمة الشركات الناشئة ! – تقرير
أسباب تأخر العرب ومأزقهم الاقتصادي
والسؤال الذى يستوجب طرحه هنا هو: «لماذا لم تتمكن الدول العربية من تحقيق طفرة مماثلة على المستوى الاقتصادي، وذلك رغم توافر الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة وقوة العمل، فضلاً عن الموارد المالية الناجمة عن فوائض تصدير النفط لدى دول مجلس التعاون الخليجي على وجه التحديد؟».
نستطيع القول أن هناك مجموعة عوائق ثقافية واقتصادية وسياسية حالت دون تحقيق تقدم ملموس في قطاع البحوث والتطوير التكنولوجي لدينا نحن العرب، هذه العوائق تتمثل فيما يلي:
- مركزية السلطة السياسية، والافتقاد لممارسات الديمقراطية في مختلف المؤسسات، مما يجعل الهيكلية سمة أساسية لتلك المؤسسات، وهو العائق الأول للابتكار والتطوير.
- وجود قيود ثقافية وسياسية وقانونية على التفكير والإبداع والابتكار ما يؤدي إلى وأد الأفكار المختلفة في المهد قبل أن تأخذ طريقها للسوق الاقتصادية.
- افتقاد تمكين المرأة، وتهميش دورها في المجتمع، بما يعني ضمناً وجود طاقات بشرية معطلة لا يتم الإفادة منها.
- تفضيل استثمار الفوائض المالية في أعمال الشركات عالمية النشاط، وليس إنشاء شركات جديدة، كما يتم التركيز على القطاعات كثيفة العمل مثل الإنشاءات وصناعات النسيج والصناعات التحويلية، وليس الصناعات التكنولوجية.
- تفضيل ضخ الاستثمارات في الأنشطة الخدمية، مثل السياحة وضعف الاستثمار في مجالات البحوث والتطوير.
- التركيبة الاجتماعية القائمة على الطبقية والانعزالية، وغياب أطر التواصل بين مختلف فئات المجتمع، فضلاً عن افتقاد المبادرات الهادفة لتخطي الحواجز بين مختلف العرقيات والقوميات والطبقات في الدولة الواحدة.
- غياب الدافعية لبناء نسيج وطني مجتمعي، مما قد يعيق أى تقدم مُحتمل، فمعظم رواد الأعمال الذين قدموا لدول مجلس التعاون الخليجي، كان هدفهم الوحيد هو الربح، لذا عندما يمر الاقتصاد بأزمات وصعوبات، فنجدهم أول من يهربون، كما حدث في دُبي أواخر عام 2008م.
مما سبق يتضح أن الطرف العربي يتمتع بالتفوق النسبي في امتلاك الموارد الاقتصادية الأولية وعناصر الإنتاج، إلا أنه يفتقد إلى القدرة التنظيمية والتكنولوجية اللازمة لتشغيل هذه الموارد في دورة الإنتاج، وتكرار الإنتاج الموسع؛ من أجل إخراج المنتجات على مدى متنوّع في القطاعات السلعيَّة والخدمية، وفي المقابل فإن دولة الكيان الغاصب فقيرة في الموارد الاقتصادية الخام، بيْنما هي غنية بعناصر القوة النسبية في الميدان التنظيمي والتكنولوجي.
وقد ظل العرب ينظرون إلى تفوق إسرائيل من ناحيتي التفوق العسكري وعلاقتها بالغرب وخصوصاً بالولايات المتحدة، في حين جرى التغطية على أوجه التفوق النابعة من العوامل الداخلية لها.
المصادر:
- كتاب إمة ناشئة: قصة معجزة إسرائيل الاقتصادية – دانيل سنور، ساول سينجر.
- مراجعة كتاب العرب وإسرائيل: ميزان القوى ومستقبل المواجهة – د. محمد عبد الشفيع عيسى.
- مراجعة كتاب اقتصاد إسرائيل في عصر العولمة- دلالات إستراتيجية – بيني لاندا، شموئيل إيفن.
مقالات:
http://acpss.net/site/index.php?go=news&more=195
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.