تريند 🔥

📱هواتف

ماذا تعرف عن فلسفة البينذاتية: تعرّف على الفلاسفة الذين أسسوا للعلاقة بين الذات والغير

البينذاتية
د. بتول محمد
د. بتول محمد

6 د

هل سبق وسمعتم بمصطلح البينذاتية؟ هل قرأتموه في الكتب التي نالت اهتمامكم؟ أو ورد في دراساتكم؟

لكل مهتم بالفلسفة أو مطلّع، سنتعرف اليوم على مصطلح يعتبر واحداً من أهم المصطلحات التي ركزت عليها الفلسفة في القرن العشرين حتى يومنا هذا، فما هي البينذاتية؟ وكيف عرّفها الفلاسفة وتعاملوا معها؟


تعريف البينذاتية

البينذاتية مصطلح يتألف من مقطعين هما (Inter) و (Subjectivity) ويبدو لنا ضرورياً لكي نعرّف البينذاتيّة كمصطلحٍ فلسفي أنّ نوضح معنى الذاتيّة من الناحية الفلسفية.

تُعدّ الذّاتيّة (subjectivity) “أساس الفكر الغربي بدءاً من سقراط الذي وجّه انتباه الفلاسفة إلى ضرورة معرفة الذّات محولاً مجرى التفكير الفلسفي من السّماء إلى الأرض رافعاً شعار معبد دلفي: اعرف نفسك بنفسك”، فعندما نتفحص حياة سقراط الفكرية سنعرف أنّه كان أول من طرح فكرة العودة إلى داخل الذات لمعرفة هذه الذات فقد كان سقراط مهتماً بالتعريفات الكليّة: أي ببلوغ تصوراتٍ محددةٍ وثابتة.

وهناك معاني متعددة للذاتية في الفلسفة فهي تشير في المنطق إلى الاعتبارات التي تقول: بأنّه لا يوجد حقيقةٌ مطلقةٌ تقوم على أساسٍ موضوعيّ كما ورد لدى السفسطائيين، أمّا في الأخلاق فهي تدّل على كلّ مذهبٍ يرى أنّ الخير والشّر يقومان على اعتبارات شخصية، ويبرز ذلك لدى الوضعيين المنطقيين والفلاسفة الوجوديين وسارتر، وفي علم الجمال تدّل الذاتيّة على النّظرية التي تردّ الأحكام الجماليّة إلى الأفراد.

أما البينذاتيّة فهو مصطلحٌ معاصرٌ يشير للتأسيس إلى طبيعة العلاقة بين الذات والغير، والغير هنا قد يكون موضوعاً خارجياً أو ذاتاً أخرى مقابلة، أو قد يكون موضوعاً متوضعاً في الذات نفسها سواء كان هذا الموضوع ذاتاً أخرى أم لا. ورغم أنّ هذا المصطلح معاصرٌ إلا أنّنا نجد ملامح للبينذاتية في الفلسفات الحديثة، كمحاولة لإيجاد ملامح إمكانية العلاقة بين الأنا والغير خاصة بعد ديكارت. لذلك يبدو ضرورياً لنا أنّ نشير إلى ثلاثة فلاسفة أسسوا لفلسفة الذاتيّة هم أفلاطون، ديكارت وكانط.


فلسفة الذاتية: تمهيد للخوض في غمار البينذاتية…

تبدو الذاتيّة والفرديّة واضحةً في نسق أفلاطون (Plato) عندما يتحدث في (الجمهورية) عن المخلص الفيلسوف، والذي تتبلور صورته من خلاله المعرفة الفرديّة، فأسطورة الكهف خير مثال على ذاتية أفلاطون، لأنّ الفيلسوف وحده من يستطيع التحرر من قيود الكهف المظلم ليحصل على المعرفة الحقيقية، في مقابل الآخرين الذين يبقون مقيدين بسلاسل التّقاليد والأوهام.

وفي العصر الحديث فقد وجد ديكارت صياغته النهائية التي ركزت على الذاتيّة والفردية من خلال الكوجيتو المشهور، والذي يظهر من خلاله الوعي الذاتي “إذ أي شيء أنا؟ أنا شيء يفكر… بديهي أنّني أنا هو الكائن الذي يشك. وأنا هو الكائن الذي يدرك. وأنا هو الكائن الذي يرغب”.

وقد أثارت أفكار ديكارت الكثير من الجدل فيما بعد، وكانت أساساً لنوع جديد من التساؤلات الفلسفيّة منها: كيف من الممكن للشك الديكارتي الجذري الفردي الذّاتي أن يُكون معرفةً يقينيةً لأيّ موضوع في العالم الماديّ؟ وكيف يمكن لهذه الذّات الفرديّة المعزولة أن تكون على يقينٍ حول معرفتها للعقول الأخرى- مشكلة البينذاتيّة؟

في مقابل ذلك حاول كانط (Kant) أنّ يأتي بتوليفةٍ جديدة للإجابة عن التساؤلات التّي تتعلق بالمعرفة ومصدرها، عندما تحدث عن نوعين من الأحكام: تحليليّة قبليّة، وتركيبيّة، وهي إما تركيبيّة ذاتية أو أحكام إحساس أي خاضعة للتجربة، ويبين كانط أنّ “جميع أحكامنا ذاتية أولاً تترجم عن شعورنا وتخضع لقانون التداعي ثم يصير بعضها موضوعياً”. وهنا لا بدّ أن نشير إلى أنّ ما يقصده كانط بموضوعي ما “كان له قيمة كلية مستقلة عن الشخص بما هو شخص. كلّ ما سبق مثّل أرضيّةً هامةً لنشوء البينذاتيّة، خاصّة وأنّ ما جاء به ديكارت أدّى للفصل بين عقولنا وبين كلّ ما هو خارجها، مما أدى للسقوط في الأنا الواحدية أو الأنانية التي تشير إلى الفردية وإلى أن الفكر لا يدرك إلا تصوراته.

وفي محاولةٍ للتغلب على الأنا الواحديّة، سعى الكثير من الفلاسفة بعد ديكارت للاهتمام بالآخر، وهذا أسس لنشوء البينذاتية، فمن هم هؤلاء الفلاسفة وما الذي قدموه؟


الغير في موضع الاهتمام…

يُعدّ الفيلسوف الألماني فريدريك هاينرتش جاكوبي (1743- 1819) (Jacobi) الأول في سلسلة الفلاسفة الأوربيين الذين ناقشوا نظرية العقل عند ديكارت انطلاقاً من منظور البينذاتيّة، كما نفى جاكوبي أسبقيّة الأنا التي تفكر أو الذّات المفكّرة التي قال بها ديكارت وقرّر أنّ “العالم يسبق الأفكار ذاتها. وبالنسبة لجاكوبي أسبقيّة وعينا المباشر للعالم يترجم إلى تأكيد- بدون الآخر، الأنا مستحيل/”.

البينذاتية

مع فيخته تبدو البينذاتية واضحةً عنده مثلاً من خلال مفهوم الحريّة، فرغم تأكيد فيخته على الوعي الذّاتي بنفسه وانعكاسه، تبدو العلاقة واضحة لديه مع الآخر، فهو يبين أنّ الفرد لا يدرك حريته إلا في عالم الماديات والآخرين، ولذلك “وضعت الأنا اللامتناهية كل أنا متناهية في علاقة بأنات أخرى وبالعالم الفيزيائي”.

أما هيغل (Hegel) فقد مثّل كتابه (فينومينولوجيا الرّوح) تجسيداً للبينذاتيّة عبر جدليّة السّيد والعبد إذ تكشف الذّات عن ذاتها في تجليّاتها في الواقع أي مع الآخر. فعندما يضطر السّيد في لحظة الحقيقة بالاعتراف باستقلاليّة العبد فإنّه بذلك يقبله وعياً ذاتياً آخر، والعبد أيضاً يعرف نفسه على أنّه وعي ذاتي.


الفينومينولوجيا واستخدام مصطلح البينذاتية

مع الفينومينولوجيا استخدم مصطلح البينذاتيّة وبشكل صريحٍ لدى هُسرل في التّأمل الخامس من كتابه (تأملات ديكارتيّة)، وحاول في جزءٍ من هذا الكتاب حلّ مشكلة الأنا الوحدية التي سقطت بها الفلسفات الحديثة بشكل عام وفلسفة ديكارت بشكل خاص.

ولا بدّ أن نشير هنا إلى أنّ نظريّة البينذاتيّة احتلّت مكانة هامة في فلسفة هُسرل، فهذه النّظرية وخاصّة مفهوم الأنا المتعالي على حدّ تعبير عالم النفس روجر فري تحتفظ بتحيز مونولوجي قوي.

في الحقيقة يعالج هُسرل مشكلة البينذاتيّة بالانطلاق من الذاتيّة، إذ يبين أنّ الأنا هي التي تعي ذاتها عبر التسلسل الفينومينولوجي الذي يطور الأنا التجريبي ويجعله يصل إلى الأنا المتعالي، بعد ذلك تنتقل لمرحلة وعي الغير خاصة وأنّ التسلسل الفينومينولوجي لا يكتمل إلا من خلال اعترافنا بوجود هذا الغير عبر ما يسمى بالبينذاتيّة.

في المقابل تأثرت الفيلسوفة الألمانية (1891 – 1942) ايديث شتاين (Edith Stein) بأستاذها هُسرل بفكرة البينذاتيّة لديه، ودرستها من خلال رؤيتها للفينومينولوجيا. وهي ترى أنّ للبينذاتية العديد من الوظائف، لأنّها تتيح التّعاطف، والتّعاطف في الفينومينولوجيا ينطوي على التعامل مع معاناة الشخص بصفته ذاتاً أكثر مما هو كائنٌ بين الكائنات، وبذلك يرى المرء نفسه من وجهة نظر الآخر.


موريس ميرلوبونتي وحل مشكلة الأنا واحدية

حاول الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلوبونتي (Merleau-ponty) حلّ مشكلة الأنا الواحديّة من خلال إفراغ الوعي من المعنى الفينومينولوجي، وربطه بالعالم مبيناً أنّ هناك علاقةٌ جدليّةٌ بين الوعي والعالم، وبدون الذّوات يصبح العالم بدون أبعاد أو جهات.

ويحللّ ميرلوبونتي في كتابه (ظواهرية الإدراك) (1945)م العلاقة مع الغير، ويذهب فيه إلى أنّه لا يمكن تشييء الغير والنّظر اليه كموضوع في عالم الأشياء، لأنّ للغير وجود في ذاته ووجود من أجل ذاته، فالمفّكر والمفَكر فيه يختلطان داخل الغير.

إذاً بالنسبة لميرلوبونتي تبدو العلاقة بين الأنا والآخر علاقةً تفاعليةً لا يمكن التغاضي عنها أو اغفالها.

في النتيجة

يمكننا القول إنّ مصطلح البينذاتيّة تطور تاريخياً بالانطلاق من الكوجيتو الديكارتي، وجاءت محاولات الفلاسفة منذ ذلك الوقت لتحلّ مشكلة السّقوط في الأنا الواحديّة التي أسّست لها الفلسفات الذاتيّة، فكانت البينذاتيّة أساساً لهذه المحاولات، ورغم أنّ استخدام المصطلح يعتبر معاصراً؛ إلا أنّ ملامحه تظهر بدءاً من ديكارت حتّى وقتنا الراهن، مع الإشارة إلى أنّ دراسة البينذاتيّة لم تكن يوماً منفصلة عن دراستنا للوعي.

فالبينذاتية هي المفتاح الذي حرر الكثير من الفلسفات من قيد الأنا وحدية، وأسس لبناء فلسفة للمشاركة انطلاقاً من القناعة بأنّ معرفة الآخر شرط لازم وضروري لاستكمال الفلسفة الفينومينولوجية تحديداً خاصة وأن هذا المصطلح ارتبط فيها، فهي الحل الأمثل للانفتاح على العالم، على مستوى الوعي بالدرجة الأولى وقد تتبلور بصورة عينية.

ذو صلة

اقرأ أيضًا: كيف نقرأ الفلسفة؟ ترشيحات أراجيك للقراءة في شهر أبريل 2021

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة