أرض زيكولا وجزئها الثاني أماريتا: عندما يكتب الهراء تحت مسمى رواية
صدرت رواية أرض زيكولا – Zikola Land للمرة الأولى عام 2010 لم تحقق الرواية نجاحًا في ذلك الوقت، كانت الأحاديث حولها قليلة، إلا أن أتى عام 2015 وقررت دار عصير الكتب إعادة نشر الرواية، وهنا اكتسبت الرواية شهرة كبيرة، وأصبح نجاحها يزداد يومًا بعد يوم، وبالطبع استغل كاتب الرواية عمرو عبد الحميد نجاحها وقرر أن يكتب الجزء الثاني من أرض زيكولا وهي رواية أماريتا – Amarita، لكن: هل الرواية جيدة حقًا؟ وهل يمكن اعتبارها عملًا أدبيًا يستحق الصخب الذي أقامه؟
النقطة الأساسية التي تحرك رواية أرض زيكولا
أعتقد أن مربط الفرس والنقطة الفاصلة للحكم على هذا العمل تتجلى عند النظر إليه تحت مظلة عنصري الإثارة والتشويق، فهما المحرك الأساسي له، وهما السبب الذي يجعل لرواية أرض زيكولا لمؤلفها عمرو عبد الحميد جمهور كبير، وفي الوقت ذاته الكثير من النقاد الذين يجدون أنها دون المستوى، وكما يظهر من العنوان أن هذا المقال ينتمي للفئة الأخيرة التي ترى أن هذا العمل دون المستوى، وعلى الرغم من ذلك أعترف منذ البداية أن أرض زيكولا مشبعة ومليئة بالخيال والإثارة والتشويق، لكن هذه العناصر هنا ستكون نقطة ضعف في الرواية وليست نقطة قوة.
الإثارة والتشويق في الأدب
يعتبر عنصرا الإثارة والتشويق من أهم العناصر التي نجدها في الأدب والأفلام، يحاول صانع العمل من خلال هذه العناصر أن يبقي المتلقي دائمًا في حالة تأهب، يجعل القارئ أو المشاهد يتنقل بين الكثير من حالات في وقت واحد، وهنا يكون العمل موتر ومفرح في الوقت ذاته، أو قد يكون مخيف وحزين، أو كل هذه المشاعر، يمكننا ملاحظة هذا العنصر بحرافية وأصالة في الكثير من أعمال دوستويفسكي يمكنكم قراءة رواية الأبله في هذا الصدد، كما نجد أعمال دان براون، وهنا يأتي عمله الأشهر شفرة دافنشي، وفي الأفلام نجد الكثير من الأمثلة وأعتقد أن المثال الأفضل هنا هو فيلم “Nocturnal Animals“.
الكليشيهات في رواية أرض زيكولا
يمكنني في هذه الفقرة أن أقوم بسرد الرواية بأكملها، لأنها مناسبة للعنوان ولكن لنأخذ الأمر بشكل أكثر عملية، في الفقرة السابقة أكدت على أهمية الإثارة والتشويق وقوتهم في العمل الفني، وأرض زيكولا مليئة بالإثارة، فما المشكلة إذًا؟
تكمن المشكلة في أن الكثير من الأحداث والأفكار والمعالجات الفنية قد استعملت عشرات ومئات المرات، حتى أصبح رؤية هذه القوالب والمعالجات مرة أخرى دليل على فشل الكاتب وقلة وضعف خياله، وأن جعبته لا تحتوي على شيء إلا بعض القصص والقوالب التي نعرفها من قبل.
يبدأ هذا الأمر معنا من البداية؛ خالد شاب مصري يعيش في قرية البهوفريك يتقدم لفتاة ويرفضه والدها ثمان مرات، والسبب في هذا الرفض أن والدها يسأل خالد عن الشيء المميز الذي قدمه، ما الشيء الذي يجعله مختلفًا حتى يقبل خالد زوج لابنته منى.
وهنا نجد كل الكليشيهات التي رأيناها من قبل يذهب خالد لغرفته ويجد أن حياته فارغة ولا تحتوي على شيء جيد، وهنا يتدخل جده محاولًا للتخفيف عنه، بعد ذلك نجده يتذكر السرداب الذي كان جده يتكلم عنه في صغره، وهو السرداب الذي ذهب إليه والديه ولم يعودا بعدها، وهنا يقرر خالد الرحيل.
كل الأحداث مألوفة
يدخل خالد إلى السرداب وتبدأ الصورة التي نعرفها، رجل يجري والسقف يتساقط من فوقه والأرض من تحته، في النهاية يفقد وعيه ويستيقظ في مكان لا يعرفه، صحراء شاسعة، بعد ذلك يقابل رجل غريب ويستمر في المشي وصولًا لأسوار أرض زيكولا البلد التي يتم التعامل فيها بعملات الذكاء بدل المال، يبدأ خالد بالاندماج مع المجتمع الجديد ويتعرف على الدكتورة أسيل ويبدأ بالوقوع في حبها، كما يتعرف على يامن صديقه الذي يساعده دائمًا.
وكما أنه تعرف على شخصيات جيدة، عرف أيضًا شخصيات سيئة، وهم عصابة كانوا يأخذون وحدات ذكاء بالقوة من المارين، والشخص السيئ الآخر هو أخوه الغارق في الشراب وملذاته الخاصة.
في أرض زيكولا احتفال يقام كل عام، وفي هذا اليوم يتم إعدام أكثر الأشخاص فقرًا أي أقلهم امتلاكًا لوحدات الذكاء، ينطلق خالد في رحلة لمحاولة العودة إلى مصر، وأثناء ذلك تبدأ الأحداث بالتصاعد بينه وبين الطبيبة وصديقه وأخيه.
أحداث وشخصيات ببعد واحد فقط
من الأشياء المزعجة التي ستلاحظها في الرواية هي سطحية السرد، وسذاجة تصاعد الأحداث وتغير الإيقاعات المختلفة، الرواية لا تتجه إلى أي مكان، بمعنى أنك ستجد خالد يسارع ليذهب إلى مكان لا يعرف عنه شيء وذلك حتى يشعر بقيمته وأن حياته ليست بهذا السوء، وبالفعل يذهب خالد إلى السرداب وينجح في الدخول إلى عالم آخر، لكن المثير للسخرية أنه بمجرد وصوله بدأ بالتفكير في الطريقة التي تمكنه بالعودة مرة أخرى إلى مصر، بدون أي منطق وراء هذه المحاولات، بسرعةٍ يحاول الوصول إلى السرداب، وبسرعة يحاول الهروب، والهدف من هذه التحركات لا أحد يعرفه.
لا نلاحظ هذا هنا فقط، بل في الجزء العاطفي للرواية أيضًا، على الرغم من التعقيد المتواجد في الرواية، على الرغم من أنه من الطبيعي أن نجد صراعات في نفس البطل بين هذا الحب وذاك إلى أن هذا لم يحدث، في مصر كان يحب منى، وعندما ذهب إلى أرض زيكولا أحب الطبيبة أسيل وأطلق أسمها على نجم، وكان يجلس معاها كثيرًا للتسامر، وكان ينتظر رؤيتها، لكنه أيضًا لم يفكر بها وقت الرحيل بل ظل يجري مسرعًا، حتى يلحق بالبوابة قبل إغلاقها، وعندما عاد إلى مصر سريعًا تزوج منى، وكأن أسيل غير موجودة، الأحداث كلها تجري في بعد أحادي، ولا يوجد للشخصيات بعد غير هذا لا عمق ولا صراعات، فقط بعد أحادي ساذج يساهم في تقدم الإثارة الرخيصة.
رواية أماريتا الجزء الثاني من أرض زيكولا
صدرت رواية أماريتا للكاتب عمرو عبد الحميد عام 2016، وهي الجزء الثاني من رواية أرض زيكولا، لكن يمكن اعتبار أن الطبيبة أسيل هي بطلة هذا الجزء، فخالد لم يظهر إلى في الثلث الأخير من الرواية، وفي هذه الرواية نجد كل شيء بشكل متطرف وجرعات زائدة من الإثارة ذات البعد الواحد، فنجد هروب الطبيبة من أرض زيكولا واتهامها بالخيانة هي وكل من ساعد خالد في الهروب، وبعد ذلك تتعرف على قائد دولة أخرى، ويقرر القائد من أجلها أن يشن حربًا على أرض زيكولا، وعندما تتصاعد الأحداث يظهر لنا خالد الذي تختفي معظم المشاكل عند ظهوره.
البعد عن الواقع
مشكلة هذا النوع من الأعمال البعيد عن الواقع والذي لا يعالج الخيال فيه أي مشكلة حقيقية، أن شخصياته لا تُحس كشخصيات حقيقية من عظام ودماء، بل نشعر عندما نقرأ أننا نقراء لكاتب متحمس يحاول إثارة القارئ فقط ولا هدف له أبعد من ذلك، وكما أوضحت أن الإثارة والخيال هي أشياء رأيناها كثيرًا في أعمال كثيرة، هي شخصيات فارغة لا تقدم شيء للقارئ، وعلى الرغم من أنك ستجد مدافعين عن هذا العمل، إلا أن الجميع يتفقون على عدم وصفه بالعمل الأدبي.
اقرأ أيضًا:
أجاثا كريستي.. ملكة الجريمة الروائية!
هل الرواية سيئة إلى هذا الحد؟
يسهل الإجابة على هذا السؤال في رواية مثل أنتيخريستوس، وذلك لأن الكاتب يقدم فيها الكثير من الكذب والتضليل وهنا يمكن أن يكون لي إجابة حاسمة تدين العمل الفني، أما في هذه الرواية أرض زيكولا، فالأمر أكثر صعوبة من ذلك، لأن نفس الخلاف القائم هو القائم حول أفلام عالم مارفل السينمائي، وأفلام الأبطال الخارقين، وهو هو الخلاف القائم حول الروايات البوليسية، وأعمال الغموض والإثارة.
يمكن اعتبار أرض زيكولا للكاتب عمرو عبد الحميد عمل جيد ليحكى للأطفال قبل النوم، لكن هناك أشخاص استمتعوا بالرواية، نعم في الغالب هؤلاء الشخصيات سيكون اطلاعهم الفني والأدبي قليلًا، كما قد تكون الرواية جيدة لشخص في حالة إرهاق ذهني، أما عند الحكم على العمل بشكل موضوعي فالأمر كما أحاول قوله طيلة المقال الرواية مليئة بالمشاكل.
كيف بدأت أرض زيكولا؟
السيناريو الذي أراه واضحًا بشكل يصعب إنكاره هو أن الكاتب بدأ الكتابة قبل القراءة، أو على الأقل قبل قراءة أعمال جيدة، ولهذا السبب نجد أن الرواية معتمدة على خيال الكاتب فقط، في الماضي كانت المحاولات الأولى للكتاب الكبار تلقى في القمامة، أما الآن فكل كلمة يكتبها الكاتب يقوم بنشرها في الأسواق ولو كانت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالكاتب؛ المهم أن قلة الخبرة هذه ظهرت في السرد وفي الحلول الرخيصة للمشاكل مثل المرأة التي كشفت ساقها في أماريتا لإغراء الجندي والهروب.
وبالطبع ظهرت قلة الخبرة في شخصيات لا تمتلك عمقًا وتاريخًا تتصرف وتنطلق منه، يمكنك التفكير في شقيق خالد هذا الشاب الذي ظهر فجأة في الأحداث ووجوده شر فقط، يطلب المال ويقتل ولا يتأثر بأي شيء ولا نعرف لماذا يفعل هذا شخصية كرتونية من الطراز الأول.
لكن كما قلت أن الرواية لها جمهور كبير وكما قلت سابقًا التبرير هو نفسه يعتمد حب هذه الرواية في الغالب على مدى ثقافة القارئ ومعالجاته الأدبية، ومن هنا نسمع كثيرًا جملة “هذه الرواية اقتراح جيد للبدء في عالم القراءة” وأتفق مع هذه الجملة من ناحية، لكن من ناحية أخرى لا يمكن الحكم على جودة عمل أدبي من هذا المنظور فقط، ففي النهاية لا يوجد كاتب يكتب للمبتدئين في القراءة.
وهكذا أكون قد انتهيت من كتابة هذا النقد الخاص برأيي في رواية أرض زيكولا والجزء الثاني لها رواية أماريتا للكاتب عمرو عبد الحميد، وقد حاولت فيه قدر المستطاع أن يكون النقد موضوعي، وبالطبع هذا النقد ليس أفضل نقد لرواية، لكن بالطبع تتأثر عملية النقد بالعمل نفسه، فلا يمكن كتابة نقد أدبي عالي المستوى في عمل لا يقدم هذا في الأساس، بل أحيانًا يكون العمل سيئًا بشكل يجعله بعيدًا عن عالم الأدب، ويجعل تجاهله أفضل من نقده، ولكن بالطبع تتغير هذه المعايير قليلًا عندما يكتسب العمل قاعدة جماهيرية كبيرة، حينها يجب أن نشرح لهم مشاكل العمل، حتى لا ينتقل عالم الأدب المعاصر من مستوى أدبي سيئ إلى مستوى أسوأ.
لك أيضًا:
رغم موقفه الرافض للرواية: إدوارد سعيد كتب أدبًا ظلّ طيلة حياته خافيًا إياه!
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.